جماليات

قلعة شميميس.. تاريخ يختزن حكايا مجد المنطقة ونزاعاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تؤكد المصادر التاريخية أن بناتها الأوائل أمراء «شمسيفرام» حكام حمص الهلنستيون أواخر القرن الثاني قبل الميلاد

واقتصر دورها في العهد الروماني على مراقبة الطرق والمناطق المحيطة لبعدها عن حدود النزاع مع الفرس لها شكل بيضوي وتتربع على قمَّة جبل ارتفاعه 140 م .

كما اعتُمد النمط «الإهليلجي» في بناء أسوارها ويميزها معمار متقن يحتكم إلى رؤى خطط دفاعية وعسكرية استراتيجية كما لعبت دوراً حيوياً في نجاح الفرس بالسيطرة على بلاد الشام، وقد جدد بناءها محمد بن شيركوه لكن نقمة تيمورلنك عليه طالتها فتحولت دماراً بعد عصر ذهبي.

تختزن قلعة «شميميس» الواقعة على بعد 25 كم شرقي مدينة حماة السورية، ومسافة 5 كيلومترات عن مدينة السلمية باتجاه الشمال الشرقي، تاريخا عظيما، عاصرت معه مجد وأفول حضارات عدة، لكنها دوما لم تكن تتوقف عن العودة لتزدهي بثوب النفوذ والدور الكبيرين مع كل محطة وفترة لاحقة في تاريخ المنطقة.

وهكذا فإننا نراها الآن مجللة بثوب صمت وقور يدلل على رفعتها وقيمتها الحضارية، يحكي لنا بسكون عميق، عبرا وقصصا غنية مشوقة، خاصة ونحن نتأملها وهي تقبع في قلب سورها الدائري، محاطة بخندق محفور في كتلة من الحمم البركانية.

«شميميس وشيركوه»

تفيد بعض المصادر والمراجع التاريخية أن البناة الأوائل لشميميس، هم أمراء «شمسيفرام»، حكام حمص الهلنستيين أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، ويؤكد المؤرّخ الشهير أبو الفداء أنَّ تجديد بناء القلعة يعود إلى عام 626 هـ (1228م)، كما يبين المؤرخ والعلامة محمد كرد علي في كتابه «خطط الشام»، أنَّ بدء البناء كان في عام627 هـ (1229م).

وهكذا أجمع كلاهما على أن مجدِّد بناء القلعة هو الملك «شيركوه» صاحب حمص، حيث شيِّدت على مرحلتين: مرحلة العهد الروماني، ومرحلة العهد الأيوبي.

موقع استراتيجي

يشير بعض الباحثين أنَّ القلعة كانت عامرة خلال الفترة الرومانية، غير أنِّ دورها في مراقبة الطرق، كان أكبر من دورها العسكري، نظرا لبعدها عن حدود النزاعات الإمبراطورية بين الفرس والرومان.

كما تحكمت آنذاك في مقاطعة كبيرة من القرى والمزارع التي كان الأيوبيون أعادوا استيطانها، ما أدى إلى تنازع السيطرة عليها من قبل أمراء حمص وحماة الأيوبيين. لكن القلعة تعرَّضت للإهمال والتدهور إثر ذلك، خاصَّة في الفترة العثمانية، جراء بعدها عن مركز المدينة ووجود قلعة سلمية في داخل المدينة، إلى أن غدت «شميميس» مع هذه الحال أطلالاً بحتة.

تحصينات نوعية

بنيت القلعة بشكل بيضوي على قمَّة مرتفع جبلي، يعلو قرابة 140 متراً عن السهل المحيط بها، ويصل عمق الخندق المحيط بأسوارها الخارجية إلى 15 مترا بعرض 10 أمتار، كما اعتُمد النمط «الإهليلجي» في بناء الأسوار الخارجية التي ترتفع أكثر من ستة أمتار في بعض المواقع، ونجد أن عمق الخندق يزيد من ارتفاعها.

تحوي القلعة بقايا أربعة أبراج داخلية، وخزان ماء أرضيا محفورا في الصخر. ومدخلها من الجهة الشمالية الشرقية، حيث نرى شكل باب صغير يتوضع بين برجين داخليين، ويتقدمه قاعدة الجسر الخشبي، الذي كان يركب أيام الحصار فوق الخندق المملوء بالماء.

ويتألف القسم الشرقي للقلعة، من البوابة المتحرِّكة والبئر المائية وبئر للتمويل، إضافة إلى بقايا أبراج مراقبة دفاعية، وبرج للدفاع عن الباب، وتوجد في الأسفل أقبية رُدم بعضها وما زال البعض الآخر ظاهراً، كمساكن الجند وخدم القلعة وحرَّاسها. ويشهد القسم الغربي، من خلال البقايا في زاويته الجنوبية الغربية، على دار الإمارة، فنرى بعض النوافذ والجدران.

وتنتصب في الجهة الغربية والشمالية أبراجا عالية ترتكز إلى قواعد وأقبية، بنيت على شكل عقود رباعية أو قناطر. وهناك طريق وحيد للقلعة موجود في الجهة الشرقية، وتتضح في هذا الركن ملامح اثار تدلل على اعتماد نصب جسر متحرِّك خشبي، كان يُرفع أثناء الحرب، ونلحظ في الخندق العديد من المغارات، استعملت إسطبلات للخيول.

دور استراتيجي تاريخياً

ويذكر المؤرِّخ محمود أمين: أنَّ قلعة «شميميس» لعبت دوراً مهمَّاً في سيطرة الفرس على وسط بلاد الشام، وهي بموقعها تطل على مساحات واتجاهات عديدة، شرقاً باتجاه بريِّ الشرقي وصبُّورة، وتطل أيضا على السهول الجنوبية من فوق مرتفع عين الزرقاء.

ويمكن للقادم إلى مدينة سلمية من حمص، أن يشاهد أبراج القلعة من أعلى الجبل، وهي تشرف على مساحات واسعة باتجاه الغرب وصولا إلى وديان نهر العاصي، إلا أن اللافت الآن أنها ليست هي ذات القلعة الرومانية القديمة إلا في قواعدها وشكلها، فقالبها الظاهر حاليا -حسب المؤرِّخ أمين- هو النمط الأيوبي، كون القلعة الرومانية دمَّرها الهجوم الفارسي بقيادة كسرى أبرويز عام 613م، والذي أمعن بها هدماً وإحراقاً، مثل ما فعل مع مختلف التحصينات التي واجهها الفرس إبان غزوهم بلاد الشام.

مجد فأفول

وتوضح بعض المصادر التاريخية أنَّ «صلاح الدين الأيوبي» وزع مناطق ومكونات دولته على من حوله من أقرباء وقواد، حين شعر بدنو أجله، فجعل ابن أخيه محمد بن شيركوه على حمص، وكان هذا الأمير طموحاً في مدِّ سلطانه عبر بادية الشام ليتحكَّم بالقبائل المتصارعة فيها، فقرَّر إعادة بناء قلعة «شميميس».

وأجمع مؤرِّخو العرب المعاصرون أنَّ عام 627 هجرية، هو عام بناء هذه القلعة، إذ جدَّد بناءها هذا الأمير الأيوبي، وصممها على شكل قسمين (الغربي هو دار الإمارة والجند، والشرقي الخاص بالتموين).

كما جعلها مركزاً للجند الذين تحكَّموا بكل أرجاء بلاد الشام الوسطى، حتى أنَّ مؤرخي العرب أجمعوا على أنَّ من يملك هذه القلعة يسيطر على أواسط بادية الشام وبلاد الشام عموما، ومن هذا المنطلق نشأ الصراع بين الأمراء الأيوبيين حولها، ومنهم: أمراء حماة وحلب وحمص ومصر ودمشق.

وبذا انتقلت ملكيتها بين العديد من هؤلاء المتنافسين، إلى أن وقع الهجوم التتري المدمِّر بقيادة تيمورلنك على المنطقة، وهنا يشرح محمد كرد علي، أنَّ تيمورلنك كان حاقداً على أمير حماة الأيوبي، لأنَّه رفض الاستسلام له، فهجم على حماة، ولمَّا تمكَّن منها، رحل أميرها الأيوبي إلى سلمية، فولد هذا نقمة تيمورلنك على سلمية، واندفع نحوها فهدم سورها وأحرق قلعتها ودمَّر شميميس وقتل حاميتها.

أنور محمد

Email