منذ أوائل القرن العشرين أخذت تزدان ميادين وشوارع القاهرة الرئيسية ومداخل مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات فيها، بإطلالة تماثيل معبرة لعدد كبير من رموز مصر الحربية والسياسية والفنية والثقافية.

وذلك مثل محمد علي باشا وإبراهيم باشا وبوغوص نوبار باشا ومصطفى كامل وسعد زغلول وعبد المنعم رياض وعمر مكرم، وأيضا سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ونجيب محفوظ وطه حسين وأحمد شوقي وأحمد رامي، وغيرهم العديد من المبرزين في شتى مجالات الفكر والسياسة والفن، وهي بطبيعة الحال كانت نتاجا لجهد وتميز نحاتين مصريين معروفين يتقدمهم محمود مختار وعبد العزيز صعب ومنصور فرج و محمد حلمي يوسف وجمال السجيني ، إلى جانب عدد آخر من النحاتين الأجانب مثل الفرنسيين «كوردييه» و»ليوبولد سافان». إن الشيق في حكاية تخليد فن النحت لعظمة إسهام رواد الفن والفكر والسياسية في الوطن، هو تركيز الشعب في مصر وبالتعاون مع الحكومات المتعاقبة على اختيار هذا المنوال والتقليد ليكرم عظمائه ومبرزيه فيخلد ذكراهم، وها هو تمثال سعد زغلول الذي نحته محمود مختار ينتصب عند مدخل كوبري قصر النيل ليبقى شاهدا على دور وتاريخ هذا الزعيم الوطني الذي قاد ثورة 1919 م في مصر، وطبعا لم تهنأ أو ترض الإسكندرية إلا بوجود تمثال خاص بها ، فظهر تمثال زغلول فيها بالقرب من محطة الرمل، واللافت هنا أن هذين التمثالين كانا بتكليف من الحكومة المصرية.

وهكذا تتابعت حلقات ومحطات مطالبة الناس بمزيد من التماثيل، فاكتتب الشعب المصري مرة أخرى لإقامة تمثال جديد لرائد وموجه بوصلة نهضة مصر (سعد زغلول ) فتحقق ذلك وشمخ تمثال آخر للرجل في عام 1928م، ولم تفتر عزيمة الناس والحكومة في هذا الاتجاه ، فشرعت المطالبات بتكريم أشخاص آخرين تزداد وتتنوع فأنجز ونصب مع هذا في عام 1948 م تمثال أحمد ماهر أمام كوبري الجلاء على يد النحات محمد حلمي يوسف، ومن ثم في عام 1958 م تمثال لمحمد فريد صنعه النحات منصور فرج. ومن الأمثلة البارزة في هذا الصدد قرار الشعب والحكومة المصرية في أوائل القرن المنصرم انجاز تمثال خاص لمصطفى كامل، إذ انتهي منه النحات الفرنسي» ليوبولد سافان» في العام 1913 ، أي بعد خمسة أعوام على وفاة هذا القائد الوطني (1908)، فنصب التمثال بداية ضمن المدرسة التي تحمل اسمه، لكنه نقل لاحقا إلي الميدان الذي يحمل اسمه أيضاً، وذلك في عام 1938م.

إبراهيم باشا

يشير مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة» لمكتبة الإسكندرية إلى أن وقائع صنع تمثال إبراهيم باشا، القائم الآن بميدان الأوبرا وسط القاهرة، تعود إلى عهد الخديوي إسماعيل عام 1865م حين أسند إلى الفنان «كوردييه» مهمة نحت تمثال لأبيه إبراهيم عام 1868م، وأيضا كلف الخديوي إسماعيل لجنة فنية فرنسية الإشراف على التمثال برئاسة الكونت «نيودركيك».

وعندما تم الانتهاء من إنجازه، اختير ميدان العتبة الخضراء موقعاً له في العام 1872م، وبعد ذلك انزله الثوار العرابيون في العام 1882 م من على قاعدته باعتبار صاحبه أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وعندما هدأت الأمور أعيد التمثال إلى ميدان الأوبرا (مكانه الحالي).

وفي تفاصيل مميزات التمثال، صنع «كوردييه» لوحتين لوضعهما على قاعدة التمثال الرخامية، إحداهما تمثل انتصار الجيش المصري على الأتراك في معركة «نزيب»، والثانية انتصاره عليهم في معركة «قونية»، وكانت اللوحتان على وشك أن توضعا إلى جانب قاعدة التمثال، لكن السلطات التركية تدخلت ورفضتهما لأنهما تجسدان هزيمتها أمام جيوش مصر، لكن

كوردييه أخذ اللوحتين وسافر إلى فرنسا حيث عرضهما في معرض خاص بباريس في العام 1900 م.

ولم يعرف مصير هاتين اللوحتن بعدها حين نقلهما هذا الفنان إلى بيته، وحين اعتزمت الحكومة المصرية الاحتفال بمرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا عام 1948م، أرادت وضع اللوحتين في مكانهما ضمن تصميم التمثال، فاتصلت بفرنسا وبدأت البحث عنهما لدى حفيد» كوردييه».

وضمن متاحف باريس الكبرى، إلا أنها عثرت فقط على صورتين فوتوغرافيتين لهما، استطاعت الاستفادة منهما من خلال صنع الفانين المصريين أحمد عثمان ومنصور فرج للوحتين جديدتين مماثلتين للقديمتين نراهما اليوم متوضعتين على جانبي التمثال.

الفنان الفرنسي كوردييه صمم تمثال إبراهيم باشا مضيفا عليه لوحتين توثقان انتصار الجيش المصري على الأتراك.

نوبار باشا

ربما لا يعرف الكثيرون عن نوبار باشا غير اسمه، أو حتى شارع قاهري أو ميدان أسكندري يتوسطه تمثال هذا الرجل الأرمني الأصل، والأرجح أن شتاتا من المعلومات المدرسية الواهنة هي الشائعة حوله، فتجدنا نكتفي بها دون بذل جهد إضافي أو حتى أي التفاتة فاحصة يمكن أن نركز فيها على العبارة المحفورة في أسفل قاعدة تمثاله باللغة الفرنسية والتي كان يفضلها ويحبها كثيرا، وهي تقول : «العدل أساس كل حكم».

والجدير ذكره هنا ان بوغوص نوبار باشا (1825 - 1899) يعد أول رئيس وزراء في مصر، إذ شغل هذا المنصب 3 مرات كان أولها في أغسطس 1878 م وحتى 23 فبراير 1879، وانتهت الأخيرة عام 1895 م.

تماثيل تزين ساحات و شوارع مختلف المدن و المناطق وتحكي حيثيات تاريخ مصر بمجالاته السياسية والفكرية والفنية، وابرز مثال هنا تمثال أول رئيس وزراء في مصر نوبار باشا.

نجيب محفوظ

لعل أشهر أعمال الفنان عبد العزيز صعب ذلك التمثال البرونزي الضخم البالغ ارتفاعه مترين للأديب نجيب محفوظ، والموجود أمام مدخل مركز «الهناجر» للفنون في ساحة الأوبرا، وعنه يقول الفنان عبد العزيز صعب: لقد واجهتني صعوبة في عمل تمثال لنجيب محفوظ.

وذلك لأنني أمام ملامح شخصيه الأديب الخارجية التي تتسم بالبساطة والتواضع الإنساني الملفت، بينما الملامح الداخلية تتسم بالتأمل الممزوج بالدهشة وبلاغه الفكرة التي تنفذ إلى أعماق الشخصيات التي يكتب عنها. والتي تموج من الخارج في بحر من العواطف والحالات القاسية والظروف الاجتماعية الصعبة التي تتصارع فيها الشخصيات، ولذلك جاء التمثال كمزيج غامض لشخصيه محفوظ بما فيها من بساطه وتواضع ونبوغ وقوة.

عبد المنعم رياض

يشرف تمثال الفريق عبد المنعم رياض على ميدان يحمل اسمه بالتحرير في شكل تمثال من البرونز بطول ستة أمتار، مرتديا ملابسه العسكرية ويحمل في يده اليمنى منظار الميدان، وأنجز هذا التمثال فى عهد الدكتور عبد الرحيم شحاته محافظ القاهرة الأسبق، والذي كلف النحات فاروق إبراهيم ، صاحب أشهر تماثيل الزعماء فى مصر، ببناء تمثال للشهيد البطل عبد المنعم رياض لوضعه في الميدان بعد تطويره.

طلعت حرب

يقع تمثال طلعت حرب في ميدان و شارع يحمل الاسم نفسه، وهو تمثال جميل يشمخ بنظرة تحد تجاري وتعكس عظمة رائد الاقتصاد الأول فى مصر، حيث قام رجال الثورة بصنع هذا التمثال تكريما لروحه وتقديرا لإنجازاته المتعددة.

طه حسين

صمم تمثال طه حسين، وهو من البرونز، الفنان حسن كامل، إذ يبلغ ارتفاعه 5,3 أمتار ووزنه حوالي الطن، بينما يبلغ ارتفاع قاعدته 9 أمتار، ويأتي وضع التمثال في محافظة الجيزة ليعبر عن اهتمام هذه المحافظة بالمكان الذي عاش فيه طه حسين، والذي كان يقيم في فيلا ضمن حي الهرم بالجيزة حولت لاحقا إلى متحف يحمل اسمه منذ عدة سنوات.

ويضم كافة مقتنياته وكتبه ورسائله التي قدمتها أسرته، وهذا المكان هو الذي عاش فيه مع زوجته سوزان التي بقيت تسكنه إلى أن توفيت عام 1989. م ، وفي داخل المتحف هناك مركز «رامتان» الثقافي الذي أقيم في الحديقة الملحقة بالفيلا، وينظم فيه موسم ثقافي سنويا يتناول القضايا الثقافية والسياسية والعلمية كافة، ويستضيف نخبة من الشخصيات المتخصصة في هذه المجالات، وصدر قرار من وزارة الثقافة بتحويل فيلا طه حسين أو «رامتان».

كما أطلق عليها عميد الأدب العربي، والأرض المجاورة ، إلى متحف لتخليد ذكراه، والممتع في هذا المكان انه عند مدخل المتحف ينتصب تمثال جميل لرأس طه حسين مصنوع من البرونز صممه الفنان عبد القادر رزق سنة 1936 م. قاعات ومداخل الأوبرا والمتاحف تزدان بتصاميم تماثيل جاذبة لرواد نهضة مصر فكرا و أدبا و علما و سياسة .

سيمون بوليفار

في أحد ميادين جاردن سيتي يقف تمثال للزعيم الأمريكي اللاتيني سيمون بوليفار (1783-1830م)، وهو أحد المناضلين في سبيل الحرية، والذي حارب أسبانيا لتحرير أمريكا اللاتينية، وأطلق عليه لقب محرر أمريكا اللاتينية، وعاش في اسم «سيمون بوليفار» الذي عرف كأبرز سياسي في أميركا اللاتينية واحد محرريها، وتكريما له تم وضع تمثاله ليتوسط الميدان وهو الشيء الذي يدعو للغرابة، فنهايته كانت مأساوية واضطر للاستقالة من منصبه ومات مكروها من شعبه لديكتاتوريته!.

غالبية التماثيل صنعت بأيدي نحاتين مصريين، لكن هناك مجموعة كبيرة صممها فنانون أجانب

أم كلثوم وعبد الوهاب وشوقي

في أوائل التسعينيات ظهرت فكرة ملحة وهى عمل تماثيل لرواد فن الموسيقى والفنون الأخرى لتزين مبنى الأوبرا من الداخل والخارج وتخليداً لهم، فقامت وزارة الثقافة بتكليف عدة فنانين نحاتين بعمل هذه التماثيل لتكون بعضها كبيرة الحجم فتوضع في حديقة الأوبرا للعرض المكشوف، والبعض الآخر «بورتريهات» للرواد، لتتركز في داخل الأوبرا وفي ممرات المسرح الكبير ومداخله.

ومن الأعمال التي أفرزها هذا التوجه تمثال سيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، الذي أطلق عليه صاحبه «كوكب الشرق»، وهو ذلك التمثال الموضوع على جانب الطريق من البوابة الرئيسية للأوبرا، وقام بعمله الفنان الشاب هشام نوار، وهو يصورها واقفة بشموخ ممسكة بمنديلها الشهير، وقد تغاضى فيه عن نسب الجسم فأعطاها شكلاً هرمياً إلى حد ما، رغبة منه في تصويرها كهرم رابع مؤكداً عملقتها وعبقريتها الفنية غير المسبوقة.

أما التمثال الثاني فهو لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وهو تمثال ضخم يكبر حجم الإنسان الطبيعي، وموجود الآن في مقابل المتحف المصري الحديث في مدخل الأوبرا للمسرح الكبير، ويعد من التماثيل القريبة جداً من واقعية التصوير النفسي و الفكري ، وايضا وبنسب متناسقة، إذ يظهر عبد الوهاب متفكراً متأملا، وهو بالحقيقة ما كان وضعا مألوفا بالنسبة لموسيقار الأجيال.

ويجسد التمثال الثالث من هذه الفئة التي تخلد ذكرى رواد الفن والأدب والموسيقى أمير الشعراء أحمد شوقي.

حيث وضع أمام مبنى المجلس الأعلى للثقافة، وهناك أيضا المجموعة الصغيرة الداخلية التي تشمل مجموعة «بورتريهات» شخصية لرواد الموسيقى والفكر والأدب ومختلف الفنون في التاريخ المصري المعاصر، ومعظمها موجودة في مداخل المسرح الكبير بالأوبرا.

وهى لرواد أمثال سيد درويش، ونجيب محفوظ، وغيرهما، وجميع هذه التماثيل نفذت من قبل فنانين مصريين مشهود لهم بالإبداع والجودة، وتم صبها في إيطاليا بناء على موافقة وزير الثقافة.

سعد زغلول

تمثال سعد زغلول الذي نحته محمود مختار ينتصب عند مدخل كوبري قصر النيل ليبقى شاهدا على دور وتاريخ هذا الزعيم الوطني الذي قاد ثورة 1919 م في مصر، وطبعا لم تهنأ أو ترض الإسكندرية إلا بوجود تمثال خاص بها ، فظهر تمثال زغلول فيها بالقرب من محطة الرمل، واللافت هنا أن هذين التمثالين كانا بتكليف من الحكومة المصرية.

محمد الحمامصي