تعتبر موسوعة «روح الروح» من أهم الموسوعات الشعرية العربية القديمة، ويعتبر، كما قال إبراهيم صالح محقق الكتاب في جزئه الأول: إن مصدره الرئيس هو «يتيمة الدهر» ثم بقية كتب الثعالبي الذي نرى أن المؤلف يكن إجلالاً كبيراً له فلا يذكره إلا بكنيته فيقول: «قال أبو المنصور».
الملفت في الكتاب إنه لمؤلف مجهول من علماء القرن الخامس الهجري، بينما عني بتحقيقه إبراهيم صالح، الذي قال في مقدمته للكتاب انه «ما من سبيل إلى معرفة اسم مؤلف هذا الكتاب، لأنه لم يذكر اسمه على غلاف النسختين المعتمدتين». إذ تحتفظ «المكتبة الوطنية» في باريس بإحدى النسخ، بينما حصلت «مكتبة الأسد الوطنية» في دمشق على النسخة الأخرى بعد أن انتقلت من المكتبة «الأحمدية» بحلب. يضم الكتاب ثلاثمئة وستين باباً، وخصص كل باب من هذه الأبواب في وصف شيء ما، بعضها ما يتعلق بالمشاعر والأحاسيس، وبعضها ما يتعلق بوصف الموجودات على اختلاف أهميتها، منها في وصف النجوم، وفي وصف الشمس، والفجر، والحج، والعزل، وفي وصف مدح الغربة، وغيرها الكثير حتى لا تكاد الأبواب أن تلامس كل المشاعر الإنسانية، وتعود القصائد لأهم إعلام الشعر العربي مثل أبو تمام، ابن الرومي، الأخطل، البحتري، وغيرهم الكثير.
يقول إبراهيم صالح ان أهمية الكتاب تأتي من تضافر أمور عدة، وفي مقدمتها أنه من أوسع المجموعات الشعرية كماً وكيفاً، فهو يضم 2790 قطعة شعرية ونثرية، ولا تتجاوز نسبة القطع النثرية أكثر من اثنين في المئة، وهذه القطع الشعرية تتراوح ما بين قصيدة وقطعة ونتفة وبيت، ضمن ثلاثمئة وستين باباً من أبواب الشعر، وليس للباب حد يقف عنده، فقد يطول ويقصر.
إلى جانب القصائد، أوضح المؤلف المجهول نوع البحر الذي اعتمده الشاعر عند كتابته الشعر مثل «البحر الطويل، أو البسيط، أو الوافر، أو المتقارب، وغيرها من بحور الشعر العربي».
كما أوضح إبراهيم صالح في مقدمة التحقيق: منذ أن فتح المفضل الضبي باب الاختيارات الشعرية في أدبنا العربي والمجموعات الشعرية تجمع وتصنف تحت أسماء ومسميات مختلفة، فبعضها حملت أسماء أصحابها كالمفضليات والأصمعيات، وبعضها ظهرت تحت اسم التذكرة، كالتذكرة السعدية والتذكرة الفخرية، وبعضها الآخر حمل أسماء مختلفة كالزهرة وجمهرة أشعار العرب والمنتخب في محاسن أشعار العرب، والمتحل، والمحب والمحبوب، ومنتهى الطلب، ومجموعة المعاني، وتأهيل الغريب.
ولا تزال هذه الحركة قائمة إلى يومنا هذا. ومن أهم المجموعات الشعرية في عصرنا، مختارات البارودي، وآخرها «حسب علمي» مختارات من الشعر الجاهلي.
وأضاف صالح: انه لا تزال بعض هذه الاختيارات تنتظر من ينفض عنها غبار الزمن، ومن أهم هذه المجموعات التي طال انتظارها للتحقيق والنشر وفق منهج علمي يتناسب مع عظمة التراث العربي في ذاته وفي نفوس محبيه، كتاب «روح الروح» لمؤلف مجهول من علماء القرن الخامس الهجري. والناظر في فهرس هذا الكتاب وأبوابه يُدرك مقدار الجهد الذي بذله مؤلفه في جمع مادته وتصنيفها، وتقديمها لمتذوقي الشعر العربي الأصيل ومُحبيه، وكل ذلك ينبئ عن مضمونه الثري، مشيراً إلى أن أهم ما يميز «روح الروح» أنه يضم أشعاراً كثيرة لا توجد في مصدر من المصادر المطبوعة.
وهناك أسباب أخرى منحت الكتاب أهمية مضاعفة منها كما أكد المحقق: أنه قصر معظم اختياراته على شعراء القرنين الرابع والخامس تحديداً، إذ ليس في شعرائه من تجاوز القرن الخامس الهجري، ولم يورد من أشعار الجاهليين والإسلاميين والأمويين والعباسيين إلا القليل النادر، وكان همه «أن يتخير الأحاسن من المحاسن، ويلتقط النتف من الطرف».
ذكر المؤلف المجهول مجموعة من الأسباب التي أدت لجمعه هذا الكتاب مثل أن الشعر ديوان العرب، ومحارة الأدب، وصقيل الأذهان والأفهام، ومرآة العقول والأحلام، يقوم لقائله مقام لسان الصدق، ويشهد لأهله شهادة الحق، ويبقى وسمة في الأخلاف والأعقاب، ولا يرثه زينة وشينه على الدهور والأحقاب، واستشهد المؤلف المجهول بأقوال كثيرة عن أهمية الشعر بدأها بما قاله النبي «صلى الله عليه وسلم» «إن الشعر لحكما، وإن البيان لسحراً».
كما استشهد بقول الأئمة ووصف بعض الشعراء. ليرتكز بكل هذه الأسباب ليجمع الكتاب مؤكداً:« فحداني مثلُ هذه الأسباب على الاستهداف بهذا الكتاب لأجمع فيه بين فرائد نظم المحدثين، وشوارد نثر المطبوعين والمتكلفين، في كل باب يتجارى فيه أهل الفضل في محافلهم، ويتمثل فيه الظرفاء في مجالسهم ويوشح به الكتاب مخاطباتهم ويتداولونه بينهم في محاوراتهم.
ومن هذه الأسباب أيضاً أنه يضم أشعاراً كثيرة لا توجد في مصدر من المصادر المطبوعة حسب ما بلغه علمي، كما اتضح لي أن بعض الباحثين من صناع الدواوين الشعرية، لم يطلعوا على هذا الكتاب لبعد متناوله فجاء علمهم خديجاً كالذي نراه في ديوان أبي بكر الخوارزمي فلقد أخل الديوان بـ (207) أبيات رويت صراحة لأبي بكر الخوارزمي في «روح الروح» ومثل ذلك كثير».
يتيمة الدهر
يقول إبراهيم صالح إن مصدره الرئيس هو «يتيمة الدهر» ثم بقية كتب الثعالبي الذي نراه يكن إجلالاً كبيراً له فلا يذكره إلا بكنيته فيقول: قال أبو منصور، ثم نراه يذكر اسم «حماسة أبي تمام» صراحة في بعض المواطن، كما وينقل بعض الأخبار عن مصادر لم تصلنا، أو لم نطلع عليها، ويغلب الظن أنه من تلاميذ الثعالبي.
المؤلف في سطور
يعتبر المحقق السوري إبراهيم صالح واحداً من المتفرغين للبحث العلمي في حقل التراث العربي، والإسلامي عمل على تحقيق ونشر أكثر من خمسة وأربعين كتاباً، في مختلف الدول العربية، مثل سوريا ولبنان والكويت والإمارات، إضافة إلى عدد من المقالات في مجمع اللغة العربية في دمشق.
الكتاب: روح الروح
تأليف: مجهول من القرن الخامس الهجري
تحقيق: إبراهيم صالح
الناشر: دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ـ 2009
الصفحات: 600 صفحة
القطع: الكبير
عبير يونس

