حياة

حلم السيرك الملون المهرج سارق الضوء.. وصانع الضحك

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حلم السيرك الملون داخل خيمة عملاقة كبالون ضخم يحتوي كل العالم بداخله ـ هكذا تصورنا خيمة السيرك، أما حلم السيرك ذاته فهو لا يفارق العيون، عالم من الألوان ودوائر الضوء، وأبطال من كل شكل ونوع يقدمون عروضهم أمامنا عندما كنا صغاراً، بطل الأبطال عندنا كان المهرج ذو الاصباغ الملونة على وجهه وفمه الذي يبدو أكبر من حجمه الطبيعي عندما يلون بالأحمر الناري وكأنه يوجه ابتساماته لكل الأطفال .

وهو يتحرك داخل دائرة ضوء عملاقة وكأنه يحاورها ويهيئ لنا أنها تضحك معنا وتشاركنا الانبهار والدهشة ببطلنا المهرج الملون سريع الحركات.. دائم الابتسام.. كثير المشاغبات مع الأطفال الذين يسعدهم الحظ ويجلسون في الصفوف الأولى داخل خيمة السيرك.. الحلم والحقيقة كما كانت في حياتنا..كبرنا.. وجاء دورنا باصطحاب صغارنا لعالم السيرك المبهج والمتفرد، ولكن نظرتنا قد تغيرت عن المهرج والخيمة ودوائر الضوء وكل فقرات السيرك. فكيف نراها بعد فوات سنوات من العمر تزج بنا إلى دائرة غير ضوئية، دائرة أعمق فهما لمفردات السيرك عما كانت لدينا من قبل.

فالسيرك حالياً بكل ساحة كباراً كنا أو صغاراً، فهو تحول لدنيا ـ في مرحلة النضج هذه ـ إلى ساحة من النسيان.. نعم همومنا قد تتلاشى وسط الأضواء ودهشتنا المصحوبة بخوف واعٍ على لاعبي «التروبيز» أو القفزة على ارتفاع شاهق، داخل السيرك لنا عالم ملون مختلف قادر بحق أن يجعلنا نترك كل هَمّ على أعتاب خيمته، وبطريقة تلقائية نعيش الطفولة كما عشناها أول مرة..سيظل مهرج السيرك هو بطل الأبطال.. هو الألوان والأصباغ والحركات المراوغة والمشاغبة لدائرة الضوء العملاقة التي تلاحقه.وشخصية المهرج ظاهرة يدفع للضحك والاندماج مع مناخ الفرح الملون الذي يشيعه حوله المهرج على امتداد تلك المساحة الدائرة داخل خيمة السيرك، ولكنه في واقع الأمر هو المعلم لكل المبادئ بطريقة السهل الممتنع والضحك.

والسخرية من الواقع في أي مجتمع تحيطه السلبيات، فقد تمكن المهرج بحق أن يجمع بين الضحك والموعظة، وعلماء النفس المحدثون يعتبرونه الشخصية الأكثر سيطرة على مشاعر المتفرجين، فدونما أن يدروا يتعاطفون معه بطريقة غير مباشرة، ففي أحيان كثيرة تجئ حركاته لتجعل المشاهدين يشفقون عليه ـ بالطبع الناضجين من المشاهدين ـ أما الصغار فمعه يعيشون عالمه الملون الصاخب بالموسيقى العالية التي يتحرك على إيقاعها.وشروحات وتعليقات علماء النفس على شخصية المهرج متعددة الرؤية، فبعض المدارس في الطب النفسي تعتبر المهرج هو ذلك الرجل فائق المرونة سريع الحركة وسط ثياب ملونة وأصباغ تزيد وجهه غرابة ـ يعتبرونه مفلتر «مرشح» للمشاعر الحزينة داخل الإنسان بطريقة غير مباشرة وأيضاً تلقائية ـ وهو ـ المهرج ـ يتسبب بتحقيق ما يعرف في علم النفس باسم «الكثارسيز» «Catharsis» أو تطهير النفس من كل ما علق بها من مشاعر سلبية حطت برحالها عليها خلال مسيرتها في الحياة.

وربما هذا الغرض الجاد والأساسي هو تجسيد شخصية المهرج ليخاطب الصغار ملوح لهم بالفرحة والأمل، ويغربل أحزان الكبار، عندما يخرج المشاعر السلبية الزائدة لديهم من خوف وتردد. ويعتبر المهرج من «التيمات» الفنية سواء في السيرك أو السينما لإخراج المشاعر السلبية، فهو ليس شخصية كوميدية فقط، بالإضافة إلى أن شخصية المهرج تحمل مضامين تعليمية غير مباشرة تنقل في سهولة رائعة للصغار، وربما تلفت أيضاً نظر الكبار لسلبيات تكون قد غابت عنهم ولم يصلحوها.

وشخصية المهرج ليست جديدة على الفن سواء المسرح أو السينما أو الفنون التشكيلية، وإنما هي شخصية عاصرت الإنسان منذ فجر البشرية، فظهر المهرج لدى الفراعنة ليخفف عن الحاكم هموم الرعية وأيضا لينقل له كل ما يدور حوله من مؤامرات فهو ـ المهرج ـ في مصر الفرعونية كان دوره مزدوجاً، وقد ظهر ذلك واضحاً في الدور الذي لعبه السيد راضي في المسلسل العملاق الشهير «محمد رسول الله»، فكان ينقل أخبار «هامان» أحد الكهنة للفرعون وتدور الأحداث بالمهرج ليصبح واحداً من أهم الشخصيات في مصر القديمة.

وعندما ظهر فن «البانتومايم» كان للمهرج دوره الفعال في النهوض بهذا الفن، فجسد الشخصية المحورية في هذا الفن الصامت وذلك لتمكنه من الحركة السريعة والأداء المتقن.

واستمر المهرج يقوم بدوره المتفرد في مختلف عصور الفن متأرجحاً بين الهزل والهوان والجد، وبين الفكر والرقي، حيث كان هاماً في كل ما يقدم، حتى أن وليام شكسبير اتخذ من المهرج أداة مهمة ليقدم على لسانه الحكمة كما في معظم أعمال شكسبير الدرامية، والأمثلة على ذلك كثيرة لدى شكسبير، مثل شخصية «ماركشيو» في روميو وجوليت، ومهرج البلاط في «الملك لير».

وظلت شخصية المهرج بالثقل نفسه حتى وصلت إلى عصرنا الحديث، فلاقت من العناية والحرص ما جعلها شخصية القرن العشرين، وحكيم العصور الحديثة على يد العبقري عملاق السينما شارلي شابلن، والذي جعل من شخصيته المهرج مدرسة أدائية كبيرة أصبحت تعرف باسم «مدرسة المهرج»، منها تخرج أجيالاً من العباقرة في السينما العالمية والعربية ضخت في عروق الفن رسالات متعددة في النقد السياسي والاجتماعي، والتكهن الواعي بمجريات الأمور في المستقبل قياساً على الواقع المعاش.

وإذا كنا انبهرنا جميعنا برؤية المهرج بملابسه الملونة وخفة حركته، وقمنا نحاكي أداءه بعد تلوين وجوهنا بمساحيق التجميل الخاصة بوالدتنا أمام المرآة، واحتفظنا في ذاكرة الطفولة بشكل المهرج، إلاّ إن للبعض رؤية أخرى له، من هؤلاء المخرج الإيطالي الكبير «فيدريكو فيلليني» الذي يقول حول تجربته في عالم السيرك:

«صدمتني رؤية المهرجين، لم أعرف إن كانوا حيوانات أم أشباحاً، لم أجدهم مضحكين، ولكن أحسست إحساساً غريباً، إحساساً بأن حضوري متوقع، في تلك الليلة وفيما تلاها على مدى أعوام، كنت أحلم بالسيرك ـ وخلال أحلام السيرك تلك شعرت إنني عثرت على المكان الذي أنتمي إليه»!

ويقول النقاد في هذا الصدد، إن المهرج أضحى رمزاً في حياة فيلليني وأفلامه، حيث أعجب بقدرته على إضحاك الآخرين محاولاً أن يتماثل معه في «سيرك السينما» كما أسماه، وعندما يقول إن شعر بالانتماء إلى عالم المهرجين، فإنه يقصد بذلك الانتماء إلى أسلوب تعبيرهم، أي السخرية بحب وبراءة. كذلك لخصت شخصية المهرج بحث فيلليني عن البراءة الخالصة والمفقودة، حيث كان يعتقد ان البراءة الحقيقية يمكن العثور عليها لدى ثلاثة فقط، هم الطفل والفنان والمجنون، وبتحليل بسيط ندرك إن المهرج يختصر هذه الشخصيات الثلاث في شخصيته.

توج المخرج الإيطالي العالمي فريد ريكو فيلليني حبه الكبير والقديم للمهرج أو بهلواني السيرك في فيلمه الشهير «المهرجون»، الذي عرض في العام 1971، تظهر فيه الذات البديلة لفيلليني هذه المرة كفتى صغير يعمل في السيرك لأول مرة، وعندما يقدم المهرجون عروضهم التقليدية المسلية، ينتهز فيلليني الفرصة ليهاجم النقاد السينمائيين بشكل لاذع من خلال التركيز على أحد المراسلين الصحافيين الذي يبدو متجهماً ويكرر قوله «ماذا تريدون بذلك؟» بعد أن غمره المهرجون بالماء يسكبون عليه الدلو تلو الآخر.

وهناك أيضاً تحية عابرة لشارلي شابلن من خلال إظهار ابنته فيكتوريا تتقدم إلى اختبار لأداء دور مهرجة.

قام ببطولة فيلم «المهرجون» واخراجه أيضاً فيدريكو فيلليني، عرض الفيلم في كل عواصم العالم ويصنف «كوميدي روائي».

وماذا عن مفهوم المهرج عند محمد الماغوط؟

يعتبر نص «المهرج» من أوائل النصوص التي كتبها محمد الماغوط في العام 1968، لكنها ككل أعماله المسرحية والدرامية اللاحقة كانت مشاريع أعمال، تزخر بأفكار الماغوط وانتقاداته اللاذعة، بل وسخريته أيضاً، لكنها في الوقت ذاته كانت تفتقر إلى البناء الدرامي، وهو ما يتيح لأي مخرج أو دراماتير أن يستعيد نص الماغوط بطريقته الخاصة ورؤيته الذاتية.

ويعتبر نص «المهرج» ينتمي بجدارة إلى زمنه الذي أعقب النكسة لكنه يتفوق على كل نصوص تلك المرحلة في جرعة السخرية من الواقع والذات ومرارتها أيضاً، حتى إن صقر قريش ـ في العمل لدى الماغوط ـ العائد إليها لينقذ العرب مما لحق بهم، يتحول ببطئ إلى مهرج أيضاً بعدما استوقفته دورية حرس الحدود التابعة لإحدى الحكومات لأنه لا يحمل أية هوية أوجواز سفر.

ومخرج العمل جزوان قهوجي اعترف بأنه لم يستطع السير بصقر قريش إلى مصيره الماغوطي ـ كمهرج ـ دون أن ينقص ذلك من الجرعة الانتقادية الساخرة للعمل.

رحلتنا الملونة مع المهرج مازالت تتحرك بخفة وسرعة، فخارج دوائر الضوء في خيمة السيرك العملاقة، للمهرج دور إنساني رائع، فالمهرجون يحاولون دائما رسم الفرحة والضحكات على وجوه الصغار، وخير دليل حي على ذلك هو وجود المهرجين بملابسهم الملونة وأنوفهم المطاطية الحمراء وفمهم المتسع الزهري في معسكر خيام للناجين من زلزال إيطاليا.

ويرى «فرانسيس كالسولارو» أحد الممثلين الذين لعبوا دور المهرج بشكل حي وسط الأطفال ـ يرى ان رسالة المهرج في مثل هذه النكبات علاج نفسي للأطفال ويوضح وهو يرتدي سترة فضفاضة ملونة وقبعة لصق عليها وردة ـ يوضح بقوله ـ هذا ليس عملاً تهريجياً وإنما هو جاد للغاية يحمل الفرحة والعلاج النفسي للصغار.

وكان معه مجموعة كبيرة من المهرجين فهم بالفعل أطباء في علم نفس الطفل يرتدون ملابس المهرج ويصبغون وجوههم بالأصباغ الملونة للتخفيف عن الأطفال بعد وقوع الزلزال وهو الأسوأ في إيطاليا منذ 30 عاماً ودمر أجزاء كبيرة من 26 بلدة وقرية في المنطقة الجبلية الوعرة شرقي روما.

ولا تقف جهود المهرجين داخل خيمة السيرك، أو خارجها لأغراض إنسانية، وإنما يقومون بأدوار توعية خاصة بالحفاظ وسلامة البيئة، وإظهار أهمية المياه في حياة الإنسان والتوعية بعدم إهدارها، فقد قام الملياردير الكندي «جي لابرتي» سابع سائح للفضاء، حيث انطلق في رحلة إلى المحطة الفضائية الدولية برفقة طاقم مركبة الفضاء الروسية «سويوز» التابعة لوكالة الفضاء الروسية في كازاخستان.

وهو ـ ليبرتي ـ مؤسس «سيرك دوسولي» والمشارك في حدث اجتماعي وبيئي فريد من نوعه سيتم تنظيمه في الفضاء بالإضافة إلى 14 مدينة على امتداد العالم في شهر أكتوبر المقبل للتوعية بأهمية المياه في حياتنا شعاره «المياه من أجل الجميع والجميع من أجل المياه».

وتقدر ثروة «ليبرتي» مؤسس سيرك «دوسولي» ـ أي الشمس ـ في العام 1994 بحوالي 205 مليارات دولار، واشتهر بتجسيده لشخصية المهرج في السيرك الذي يمتلكه، وهو معروف كذلك «بالسائح الفضائي للأغراض البيئية» وكان يرتدي دائماً بدلة فضاء مجهزة وملونة بألوان زاهية.

والسينما العربية والمصرية غنية بتقديم شخصية المهرج، فقد قدمت السينما السورية فيلم «غرام المهرج» إنتاج عام 1976 من بطولة زياد مولوي وزيزي البدراوي ورفيق سبيعي وأمل سكر قصة وسيناريو وحوار أديب السيد وعمر حجو ومن إخراج بشير صافية.

وفيلم «المتوحشة» لسعاد حسني، يدرجه النقاد في نوعية الأفلام الاستعراضية ضمن مسيرة الفنانة السندريللا في مجال الاستعراض مثل صغيرة على الحب وخلي بالك من زوزو وأميرة حبي أنا.

وجاءت التجربة الاستعراضية لفيلم المتوحشة أكثر تجسيداً لشخصية «المهرجة»، وهو أول فيلم من إنتاج سعاد حسني مع رأفت الميهي وصلاح جاهين.

وإذا كان فيلم المتوحشة أسعد جمهور السينما وقتذاك وحتى الآن، إلاّ انه كان نقطة تحول سلبية على صحة وسلامة سعاد حسني ـ السندريللا حيث أصيبت إصابة كبيرة في إحدى فقرات عمودها الفقري أثناء أداء مشهد «المهرجة»، والتي على اثرها بدأت رحلة علاجية في عاصمة الضباب انتهى بوفاتها!!

وماذا عن «المهرج» في الفن التشكيلي؟

له فيه حضور قوي وراسخ، «المهرج حزيناً».. تلك هي الرؤية الفنية الجديدة التي وضعتها جماعة من شباب الفن التشكيلي في مصر تعبيراً عن رؤيتهم الضبابية للواقع العربي، حيث تناول أحد معارضهم ـ وهو المعرض الثالث عشر ـ مؤخراً الذي سمى إجمالاً «اللقطة الواحدة» مجموعة لوحات تصل إلى 92 لوحة لحوالي 30 فناناً أظهروا من خلالها الحزن بدلاً من الفرح على ملامح المهرج.

وربما تلك الظلال الضبابية التي خيمت على لوحات الفنانين لا ترمز فقط للواقع العربي، وإنما وبصفة خاصة للواقع الحقيقي في كواليس السيرك، فهي داكنة ليست كما تبدو في دوائر الضوء وأمام الجماهير وأصوات التصفيق والتشجيع، والمهرج بصفة خاصة غالباً ما يكون شخصية رمادية المزاج يتغلب عليها بالأصباغ والضحكات التي تملأ المكان والملابس الملونة وحركاته السريعة التي تغازل دوائر الضوء التي تلاحقه أمام جمهور عريض من المشاهدين.

فغالباً ما تكون شخصية المهرج فقيرة في الأهل، ظروفها الاجتماعية قاسية.. هي ذاتها التي زجّت به في دوائر الضوء والشهرة.

ولوحة «عائلة لاعبي السيرك المتجولين» لبيكاسو تعكس تعبيراً مجازياً عن الفنان الحديث الذي لا جذور له، فالحداثة لدى بيكاسو هي حالة من التشرد والعزلة معاً، وهي الرؤية التي يسقطها على عائلة السيرك.

رؤية إجرامية لمهرج السيرك ابتدعها المخرج العالمي هيتشكوك في بعض أفلامه، التي اتسمت بالرعب ومناخ الجريمة متخذاً من مهرج السيرك الذي يبدو ـ من وجهة نظره مجرماً يتستر وراء براءته، يتخذ منه اداة لتنفيذ القتل الذي يتم غالباً في كواليس خيمة السيرك، وقد اعتبر النقاد انها رؤية غاية في التطرف السلوكي لا تتفق مع رسالة المهرج الأصلية والإنسانية.

و«المهرج» يظهر بصورة مختلفة في احتفاليات الشعوب وخاصة الإفريقية والمكسيكية، فهو الموكل بقرع الطبول إذاناً بالحروب، ويرتدي ثياباً داكنة وقناعاً ملوناً بالألوان دالة على رؤية ضبابية، واضعاً الريش على رأسه فيجئ شكله مخيفاً على غير المعتاد، ويعكس رمز للشعوب المقهورة التي لا تملك سوى قرع الطبول.. ليس أكثر.

وللمهرج في عصرنا الحديث شكل ولغة مختلفة دخلت عالم الملابس غالية الثمن، فعلى امتداد العالم في العواصم الكبرى وفي عالمنا العربي كذلك تباع ملابس تحمل أشهر الماركات العالمية وأغلاها ثمناً، تعكس ملابس المهرج مع بعض التغيير، يتهافت عليها الصغار من أبناء الطبقات المخملية أو الطبقات التي طفت على سطح المجتمعات، وتستخدم لهذه الملابس في الحفلات التنكرية وفي أعياد الميلاد، وحفلات المدارس «الانترناشيونال» التي تفرض منطقها عندما ترسل برسالة للأهل بضرورة حضور الطلبة بملابس المهرج «الرسمية»!!

ترى.. هل اختلفت رسالة المهرج في عصرنا هذا وتخلى عن جوهرها، واتخذ من الشكل فقط مضموناً وحضوراً قوياً في مجتمعات النخبة؟ ولكن مازالت ذاكرتنا تختزن له الرسالة التي من أجلها انطلق يغازل دوائر الضوء، ويشاغب الصغار، ويقدم لهم الحلويات داخل خيمة السيرك الملونة على شكل منطاد أو بالون عملاق.. فالذكريات دائماً راسخة لأنها داخل دماغ محكم الخلق، معجز في الاحتفاظ بكل صغيرة وكبيرة مرت في حياتنا.. فقط لأنها تستحق الاحتفاظ بها!

المهرج عند هنري ميللر

«المهرج» كتاب من القطع الصغير يحتوي فقط على 62 صفحة من تأليف هنري ميللر، وهي قصة مفعمة بالرمز والفلسفة وقيمة الحياة من منظوره، كتبها على اثر طلب من فرناند ليجر لتوافق السلسلة المكونة من أربعين صورة عن المهرجين وعالم السيرك والتي كان يعدها في تلك الفترة، ويوضح الكاتب بأنه على الرغم من الوقت الطويل الذي استغرقه في كتابتها إلا أنه لم ترق ليجر، المهم إنها راقت لي!

تعكس القصة حياة أحد المهرجين الذي وصل إلى شهرة واسعة، لكنه اعتزلها لأنه شعر أنه كان خارج جلده وخارج حقيقته ويعيش حياة غير حياته، فودع الأضواء، وأصبح مجرد عامل في السيرك، ينظف الحيوانات ويعتني بالمكان، ولكنه يضطر لممارسة عمله كمهرج مرة أخرى لأن المهرج البديل توفي.

منى مدكور

Email