مذكرات نوبار باشا؟

مذكرات نوبار باشا؟

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«مذكرات نوبار باشا» نشرتها مكتبة لبنان في بيروت عام 1983 باللغة الفرنسية التي كتبها بها صاحبها وقد استغرق في كتابتها مدة ثلاث سنوات ونصف السنة (1890 ـ مايو 1894) واختصت بالفترة (1842 ـ 1879) بعد قصة سردها ميريت بطرس غالي في مقدمته الطويلة بشأن تأخير النشر، وفي أثناء ذلك تمكن البعض من الاطلاع على المخطوط.

ورغم الأهمية البالغة للمذكرات فإنها لم تترجم كاملة إلى اللغة العربية إلا أخيرا، وإن كان قد تعرض لها بشكل مختصر د.أحمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه «عصر حككيان» الذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب عام 1990، وفي العام التالي صدر عن مؤسسة أخبار اليوم كتاب «نوبار في مصر» .حيث قام الكاتب الصحافي نبيل زكي بعرض وتقديم المذكرات، مستخدما طريقة الاختزال واللقطات السريعة، وبالتالي أصبح من الضروري أن تتم ترجمة المذكرات كاملة، لما في ذلك من فائدة تعم على المتخصصين والدارسين والقراء.وعندما كان يتم إعداد العدة لتأسيس مركز الدراسات التاريخية بدار الشروق أدخل المؤرخ الكبير د. يونان لبيب رزق مقرر اللجنة العلمية للمركز المذكرات السياسية تحت نشاطه ورشح «مذكرات نوبار» بعد أن قام بترجمتها جارو طبقيان، وتولت د.إلهام ذهني مراجعتها لتكون من بين إصدارات المركز الذي رأى أن تسبق المذكرات دراسة تحليلية تحتاج إليها المذكرات،.

بالإضافة إلى تعليق يتخذ مكانه في هوامش صفحات هذه المذكرات بجوار الهوامش الموجودة الخاصة بملاحظات كاتب المقدمة وبوغوص نوبار وناشر النص الفرنسي والتي تحمل أرقاما، وعلى ذلك اختيرت الحروف الأبجدية للتعليق على معلومات يحتاج النص لها وأيضا يتطلب الأمر ضبطها وتصحيحها ووكلت تلك المهمة إلى د. لطيفة سالم.

إن ما كتبه نوبار باشا من مذكرات يعد أمرا غير مألوف في تلك الفترة المبكرة، وبالطبع فإن ذلك يرجع إلى نوعية شخصيته من حيث ثقافته وحرصه الشديد على اقتناء المعرفة وكثرة سفرياته لأوروبا، وعلاقاته بذوي المستوى الرفيع فيها، مما جعله يتذوق فن السياسة، ويجيد ألاعيبها أيضا فإن تشربه لمبادئ إصلاحية مكنه من مواجهه السلطة، إذ اتبع سياسة لها طابعها الخاص معها ذلك الطابع الذي ينفرد به عن غيره.

وقد طرحت د.لطيفة محمد سالم في دراستها حول المذكرات بدا فيها وهو في عمر يناهز الخامسة والستين ولم يكن قد اعتزل العمل السياسي بعد، واشتملت على الفترة الممتدة منذ عام 1842 وحتى عام 1879 أي سبعة وثلاثين عاما تغطي المدة من قدومه لمصر إلى عزل الخديوي إسماعيل، إذن فإنه بعد مرور تلك السنوات استحضر وقائع مضى عليها الكثير، ومن هذا المنطق ينطبق عليها مسمى ذكريات.

وترى د.لطيفة أنه على رغم محاولات نوبار اتباع الترتيب الزمني، فإنه لا يتقيد تماما بذلك يعود إلى الخلف ليسبح مع تيار الذكريات، ثم يشير إلى ما سوف يحدث وذلك بصدد موضوع معين، نظرا لتشابه ظروفه، ويعلل عدم التزامه بالتدريج بأنه لا يقوم بكتابة نص تاريخي، ومما يلاحظ أن ارتباط الأحداث بالسنوات غير مكتمل، إذ تتداخل الأولى بعد أن تتوه منه الثانية، ويقر بهذا فيذكر أنه يستطرد ويبعد أحيانا عن ترتيب الوقائع.

وذلك على رغم تدخل ابنه بوغوص وكاتب مقدمة المذكرات في ضبط الأحداث مع تاريخها، كذلك فإن نوبار يعترف بأن ذكرياته غير دقيقة، فو لا يجزم برأي، وإنما يعرض الاحتمالات، حتى عندما يستنتج رأيا يردفه بأنه لا يتعدى أن يكون افتراضا شخصيا، وكثيرا ما يعرض أكثر من رواية للحدث، ويقول إنه لا يدري أي واحدة هي الصحيحة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه نوعا من الأمانة في الكتابة.

وعلى أي حال فإن هناك رأيا آخر وهو الشائع حاليا يطلق على اليوميات والذكريات مذكرات وبناء على هذا التشابك، فإن ذكريات نوبار باشا تدخل تحت المذكرات ذلك الاسم الذي جرى على الألسنة واختاره من وقع عليهم مهمة النشر للنص الفرنسي الأصلي.

ومن المؤكد أن للمذكرات أهميتها العلمية فلها المكانة بين المصادر التي يعتمد عليها في الكتابة التاريخية، ولكن لابد من أن تخضع لمنهج البحث التاريخي.

المؤلف في سطور

بوغوص نوبار باشا (1825 - 1899) هو أول رئيس لوزراء مصر، شغل هذا المنصب ثلاث مرات، ولد نوبار في سميرنا في يناير 1825 لتاجر أرمني يدعى موغرديتش الذي كان متزوجاً من قريبة لبوغوص بك يوسفيان الذي كان وزيراً ذا نفوذ في حكومة محمد على باشا، وتعهد بوغوص بك نوبار بالرعاية وأرسله ضمن بعثات محمد على إلى فيفي ثم تولوز في فرنسا لكي يتتلمذ لدى اليسوعيين (الجيزويت) مما أكسبه اتقاناً حاذقاً للغة الفرنسية.

عاد إلى مصر قبيل بلوغه الثامنة عشرة، ثم تدرب لمدة 18 شهراً كسكرتير لبوغوص بك، الذي كان وقتها وزيراً لكل من التجارة والعلاقات الخارجية، بعد ذلك في عام 1845 انتقل ليصبح سكرتيراً لإبراهيم باشا وريث العرش المنتظر، وصحبه في مهمة خاصة إلى أوروبا.

استدعاء الأحداث

يؤكد نوبار أنه يستدعي الأحداث والشخصيات التي كان لها التأثير في تحول مصر أولا، ثم تطورها ثانيا، وهو يكرر جملة (عندما أعود بالذاكرة ) وبأنه يتعجل هذه الذكريات التي بدأت تصير مؤلمة، حيث إنه عندما يتذكرها تصيبه بالحزن والاكتئاب، ويجد صعوبة جمة في كتابتها وروايتها بشكل يكون واضحا للآخرين، ثم يذكر أن ما يقوم به قد أدى الغرض منه ونال مكافآته، إذ استطاع أن يصف تركيبة مصر وطبيعة إدارتها في ظل إرهاصات نفسية مضطربة تتصرف دون رقيب.

الكتاب: مذكرات نوبار باشا

تأليف : نوبار باشا

الناشر : دار الشروق القاهرة 2009

الصفحات : 729 صفحة

القطع : المتوسط

محمد الحمامصي

Email