جادالله جبارة.. فنان سوداني شغفته السينما

جادالله جبارة.. فنان سوداني شغفته السينما

ت + ت - الحجم الطبيعي

شغف جاد الله جبارة (1920 ـ أغسطس 2008) بالسينما إلى حد يصعب تمثيله بأي مجازات ولكن لنقل، على سبيل التدليل، إن الرجل حتى عندما بلغ من العمر كل مبلغ وفقد بصره، لم يجد في ذلك ما يقطع صلته بالفن السابع؛ فالشاهد انه تواجد دائماً في مواقع فيلمه الأخير «البؤساء» لمؤلفه فيكتور هوغو مستعيناً بابنته سارة، التي شقيت كثيراً حتى يعرض الفيلم بكل دور السينما في الخرطوم وفاء لذكرى والدها الذي رحل والفيلم في نهاياته!

حكاية شغف جاد الله جبارة الذي رحل في 12 أغسطس من العام الماضي بالسينما لا تنتهي هنا؛ فمسارات حياته منذ عودته من شمال إفريقيا، حيث كان مقاتلاً في الحرب العالمية الثانية مطلع القرن الماضي، وصولاً إلى تأسيسه لاستوديو «جاد» للأفلام السينمائية بالخرطوم في التسعينات، لا تعوزها التفاصيل المثيرة وربما كان ذلك السبب الذي دفع المصورة الفرنسية فريدريك سيفوينتيس أن تبدل كاميرتها الفوتوغرافية التي جاءت بها لرصد أجواء جماعات التصوف في السودان إلى كاميرا سينمائية للمرة الأولى في مطلع العام الماضي لرصد سيرته، التي هي بطريقة ما سيرة السينما السودانية!

«السينما في السودان: حوارات مع جاد الله جبارة».. هذا هو الاسم الذي اختارته لفيلمها الذي عُرض أخيراً في حفل الذكرى الأولى لجبارة والذي أقامته جامعة الأحفاد بأم درمان وفيه يحكي جبارة، باللغة الانجليزية، ذكرياته مع الكاميرا منذ أن التقط صورة الانجليز في مشهد الجلاء 1956، ثم رفع العلم السوداني إيذاناً بالاستقلال مرورا بالعديد من المواعيد الوثائقية المهمة في التاريخ الحديث للسودان كالزيارات التاريخية لبعض الزعماء وافتتاحات المصانع والمنشآت ووصولاً إلى مشاركاته في مهرجانات دولية عدة وحصوله على جوائز وتكريمات في القاهرة وقرطاج، بوركينا فاسو، طهران وسواها من عواصم المهرجانات السينمائية.

وتستحضر فريدريك سيفوينتيس الأزمنة المتأخرة عبر البوم الصور الفوتوغرافية الخاص بجبارة ذاته إضافة لنماذج من افلامه/ابيض واسود، وبعض إفادات لأناس مقربين منه لكن كاميرتها تنقل أيضاً ما استجد في مدينة الخرطوم، وتعرض للبيت الكبير لجاد الله وأولاده واغلبهم يشتغل بالتصوير، ليبدو الفيلم في النهاية مثل حكاية لزمنين مرّ بهما جبارة ومرت بها أيضاً السينما السودانية.. زمن للعنفوان وزمن للعجز!

في زمنه الشاب طاف جاد الله جبارة بلدان عدة في الغرب والشرق حتى يتعلم السينما بدأ بقبرص، ثم ذهب إلى القاهرة وبعدها إلى الولايات المتحدة حيث درس الإخراج السينمائي في جامعة جنوب كاليفورنيا وحينما عاد إلى بلاده أسهم في تأسيس أول وحدة للإنتاج السينمائي مطالع الأربعينات، وقد تابع مشروعه التوثيقي ليصل به إلى نحو 31 فيلماً وفي العام1980 اتجه للأفلام الروائية الطويلة وبدأها بفيلم «تاجوج» الذي يتناول حكاية حب عذري تشبه قصة «ليلي وقيس» في التراث العربي؛ فتاجوج هي حسناء في منطقة شرق السودان فُتن بها شبان القبيلة لكن هواها عصف أكثر ب«المحلَّق» وقد حاز هذا العمل الرومانسي عدة جوائز!

وانتظر جبارة كثيرا حتى يمكنه طرح فيلمه الطويل الثاني وهو «بركة الشيخ» الذي فرغ منه في 2001 ويتناول مسألة استغلال الدين في اغراض دنيوية إذ يخدع احدهم أهل القرية زاعماً امتلاكه قدرات سحرية تحقق كل أمنياتهم لكن أمره ينكشف في النهاية ويفضح!

أما الفيلم الطويل الثالث فهو «البؤساء» رائعة فيكتور هوغو ولقد رحل جاد الله جبارة قبل أن ينتهي منه لكن ابنته سارة أكملته، مثلما تابعت كتاب سيرته الذاتية «حياتي والسينما» الذي خطه بيده بمعاونة بعض الصحافيين لكنه رحل قبل صدوره!

و جبارة هو الأول في تصوير الفيلم السوداني الأول «آمال وأحلام» وكان من إنتاج الرشيد مهدي الذي رحل هو الآخر في ذات العام 2008، أيضاً كان جبارة المصور الأول لأول تجارب الأغنيات المصورة!

ولعل من المحطات المهمة في سيرته كذلك اشتغاله مراسلا ل«بي.بي.سي» على أيام الاستعمار، ثم وكالة «رويترز»، أيضاً شغله لمنصب المدير العام للإنتاج في اتحاد السينمائيين الأفارقة في واغادوغو، وكان مساهماً فاعلاً في تأسيس وحدة الإنتاج السينمائي والتي حلت محل وحدة أفلام السودان التي كانت تتبع للسلطات الاستعمارية، كما ساهم في تأسيس مؤسسة الدولة للسينما عام 1970.

وعلي الرغم من أن لجبارة العديد من الأبناء من زوجاته الأربع إلا أن علاقته بابنته سارة تبدو متميزة أكثر، وهو ما يبدو في الفيلم والكتاب على السواء.. كانت سارة أصيبت بشلل دائم في قدمها اليسرى عند طفولتها واجتهد جبارة كثيراً في علاجها حتى انه احضر لها «حوض للسباحة» عندما نُصحه احدهم بذلك.

وبالرغم من أن حوض السباحة لم يشف قدمها إلا انه جعل منها بطلة قومية في السباحة والملفت أنها حققت المركز الثاني بالرغم من إعاقتها في سباق «كابري نابلي» بايطاليا ومسافته 63 كيلومتراً أما على الصعيد المحلي فإن سارة احرزت العديد من الجوائز المهمة. وأخيراً انشغلت بالسينما وبالرغم من وجود مشكلات عديدة في هذا الجانب إلا انها تثابر كثيراً حتى تحافظ على ما تركه والده شيخ السينمائيين السودانيين، كما يسميه البعض.. العم جاد الله جبارة.

جادالله في سطور

جاد الله جبارة (1920 ـ أغسطس 2008) مخرج سينمائي طاف في بلدان عدة في الغرب والشرق حتى يتعلم السينما بدأ بقبرص، ثم ذهب إلى القاهرة وبعدها إلى الولايات المتحدة حيث درس الإخراج السينمائي في جامعة جنوب كاليفورنيا وحينما عاد إلى بلاده أسهم في تأسيس أول وحدة للإنتاج السينمائي مطالع الأربعينات، وقد تابع مشروعه التوثيقي ليصل به إلى نحو 31 فيلماً وفي العام 1980 اتجه للأفلام الروائية الطويلة وبدأها بفيلم «تاجوج» و«بركة الشيخ» و«البؤساء» الذي أكملته ابنته سارة.

عصام أبو القاسم

Email