فيتنام.. تاريخ حرب مستحيلة 1945-1975

فيتنام.. تاريخ حرب مستحيلة 1945-1975

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهت حرب فيتنام منذ عدة عقود، لكنها لا تزال حتى الآن مثار العديد من النقاشات والجدل. وإذا كان الجميع في الولايات المتحدة من ليبراليين ومحافظين وديمقراطيين وجمهوريين ومؤرخين وخبراء ومواطنين عاديين لا يترددون في القول ان الولايات المتحدة قد خسرت تلك الحرب فإنه لا تزال هناك أقلية تؤكّد عكس ذلك وأنه لم يتم النقاش الحقيقي حول نتيجة تلك الحرب.

في مثل هذا السياق يقدم المؤرخ والباحث «جون برادوس» الذي كتب كثيرا حول فيتنام كتابا جديدا تحت عنوان «فيتنام، تاريخ حرب مستحيلة 1945-1975»إن مؤلف هذا الكتاب يقدم رؤية جديدة حول تلك الحرب ولكن أيضا حول النقاشات الدائرة بصددها. وذلك في منظور محاولة إعادة تقييم لما شكّل المغامرة الأكثر مأساوية بالنسبة للأمة الأميركية في تاريخها الحديث، كما يقول. وهو يعتمد على سنوات طويلة من البحث وعلى مجموعة كبيرة من الوثائق التي رفعت السلطات الأميركية عنها صفة السرية قبل فترة وجيزة وأصبحت بمتناول الباحثين. ولكن يعتمد أيضا على شهادات العديد من الفيتناميين ومن المصادر الدولية الأخرى.

ويعود المؤلف إلى سلسلة طويلة من الأحداث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا ما يبرر اختياره لتاريخ 1945 كمنطلق زمني لبحثه، كما يدل عنوان الكتاب، ووصولا إلى عام 1975، تاريخ الانسحاب الأميركي النهائي بعد توقيع السلام في باريس عام 1972. واعتمادا على ذلك يرى أن تلك الحرب كانت تبدو بالفعل «مستحيلة»، ذلك أنه كانت هناك إمكانيات أخرى كثيرة متاحة. لكن جرى إهمالها أو تجاهلها أو رفضها من قبل أصحاب القرار الأميركيين.

وتتم في هذا السياق محاولة تقديم البراهين على أن الرؤساء الأميركيين ابتداء من ترومان وحتى نيكسون ومرورا بأيزنهاور وكندي وجونسون وإداراتهم جميعا قد تجاهلوا حقائق منطقة جنوب شرق آسيا ولم يبذلوا أي جهد حقيقي من أجل فهمها وبالتالي من أجل تجنّب نشوب تلك الحرب، ثم من أجل تجنّب استمرارها وتصاعدها بعد أن بدأت لتؤدي بحياة الآلاف من البشر.

ويتم في هذا السياق تقديم شرح مسهب ل«كيف ولماذا» كانت الخيارات الأميركية الخاصة بحرب فيتنام تتضاءل عاما بعد عام بينما كانت القرارات تمعن، بالتوازي، في الخطأ؟.

وذلك تحديدا بسبب الأجواء التي خلقتها الحرب الباردة والصراع بين الغرب والشرق، ولكن أيضا وأساسا بسبب الأفكار الخاطئة التي سادت في تلك الفترة حول ثقافة الأعداء الذين كانت تواجههم أميركا في فيتنام وحول تكوينهم النفسي وقدراتهم وأهدافهم. ولكن أيضا الأفكار الخاطئة حول الحلفاء، وليس الأعداء فقط.

ويتبنّى المؤلف في عرضه للظروف التي سبقت نشوب حرب فيتنام وقادت إليها التسلسل التاريخي للأحداث. هكذا تحمل فصول الكتاب عناوين تدل على ذلك التسلسل. مثل «مارس- يوليو 1954: معركة بيان ديان فو» و«لاوس 1961-1964» و«أغسطس 1964، آخر أسرار خليج تونكين» و«ندى المساء 1971-1972»، الخ.

ويعرض المؤلف خلال تحليلاته آراء «مدرستين فكريتين» تسودان في الولايات المتحدة حول حرب فيتنام. الأولى تقدّم الرواية التي يجري تعليمها في المدارس وتتضمّنها الكتب المدرسية حيث تؤكد أن تلم الحرب كانت «سيئة وفي المكان السيئ واللحظة السيئة». وبالتالي كانت النتيجة هي هزيمة الولايات المتحدة وحلفائها وفوز «هوشي منه» وأنصاره من ثوار «الفييتوكنغ» الماركسيين في الحرب الأهلية التي خاضوها.

المدرسة الثانية، الأكثر حداثة زمنيا، تطالب بإعادة النظر في تقييم تلك الحرب عبر دراسة توصيفات المعارك المتوفرة لدى وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» والاعتماد على شهادات عدد هام من الفيتناميين الشماليين، المنتصرين في تلك الحرب.

ويتم التأكيد اعتمادا على هذا كله أن العسكريين الأميركيين قد حققوا نجاحات أكثر بكثير مما يجري الحديث عنه عامة في أميركا اليوم حيث الحديث السائد هو حديث الهزيمة. وأن أكبر تلك النجاحات جرى إحرازها في اللحظة التي تم فيها توقيع اتفاق السلام بباريس والاعتراف بفيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية مع رسم الحدود بينهما.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن ذلك السلام كان في مضمونه الأساسي بمثابة انتصار حققه المعسكر الشيوعي على المعسكر الغربي «الرأسمالي» في ظل الحرب الباردة.

تحليلات «جون برادوس» في هذا الكتاب تذهب بالاتجاه المعاكس لهذه الأطروحة «الثانية» وتميل بالأحرى نحو الأولى. ولا يتردد المؤلف في القول ان الحكومات الأميركية المتعاقبة ارتكبت آنذاك أخطاء فادحة وكثيرة، وأنه ينبغي الاعتراف بذلك. كذلك يشير المؤلف أن العديد من الباحثين، مثله، كانوا قد فهموا «عبثية» تلك الحرب قبل أن يفهمها الساسة في واشنطن.

ويؤكد في هذا السياق أيضا أن فشل أميركا في فيتنام يعود بشكل رئيسي إلى «عدم فهمها للثورة الفيتنامية» التي كانت بجوهرها استكمالا ل«مسيرة طويلة في النضال ضد الاستعمار» وليست مجرد مشروع للاستيلاء على السلطة، كما أراد أن يصوّرها القادة الأميركيون.

في المحصلة يؤكد جون برادوس، أنه ما كان ينبغي أبدا على أميركا أن تخوض مغامرتها الفيتنامية. ذلك أنها كانت تجابه في الحقيقة عدوّا هو«هوشي منه» الذي كان يمثّل في الضمير الفيتنامي نوعا من «جورج واشنطن آسيوي». لكن الإدارات الأميركية أصرت على مشروعها والاستمرار في الحرب. ذلك إلى الفترة التي صاعد الرأي العام الأميركي من إعلان مناهضته لها ونزل عشرات الآلاف من المتظاهرين الأميركيين إلى شوارع المدن الأميركية وهم يهتفون ضدها ويطالبون بالخروج الفوري للجنود الأميركيين من فيتنام.

وكتاب يمزج فيه مؤلفه بين التحليل التاريخي وتوصيف السياق السياسي الدولي والأميركي الداخلي كي يقدّم ما اعتبره نقاد كُثر أحد أكمل الأعمال عن الحرب الأميركية في فيتنام. هذا مع الإشارة إلى التشابه الكبير بين آليات اتخاذ السلطات الأميركية بشن تلك الحرب آنذاك وآليات اتخاذ الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جورج دبليو بوش قرار الحرب ضد العراق. ففي الحالتين كانت هناك خيارات أخرى.

الكتاب: فيتنام: تاريخ حرب مستحيلة 1945-1975

تأليف: جون برادوس

الناشر: جامعة كنساس 2009

الصفحات: 665 صفحة

القطع: المتوسط

Vietnam : the history of an unwinnable war 1945-1925

John Prados

University Press of Kansas 2009

665P.

Email