جماليات

الفانوس .. شعلة من ذكريات الأمس

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اجتاح الفانوس الصيني البلاستيك لسنوات طويلة الأسواق المصرية حيث كان الفانوس المفضل لدى الأطفال على اختلاف أشكاله وألوانه وأحجامه الصغيرة والأغاني التي يرددها.

والتي كانت تتواكب مع أحدث الأغاني الموجودة في الأسواق، لكن هذا العام يبدو أن الفانوس المصري التقليدي الذي يضيء بالشمعة وتتم صناعته من الصاج الذهبي والزجاج الملون المنقوش والذي يمثل أحد الفنون التراثية، بدأ في استرداد مكانته، فالإقبال عليه أنعش صناعته التي عادت قوية، فهذا الإقبال لم يعد مقصوراً على الأطفال بل امتد للكبار الذين يشترون الأحجام الكبيرة منه لتزين به مداخل العمارات أو الشرفات أو الشركات أو المنازل كنوع من الديكور.قد تجولنا في أماكن صناعة الفوانيس في حي السيدة زينب ومصر القديمة وتحت الربع بشارع المعز لدين الله الفاطمي الشهير بالجمالية، لنتعرف على مراحل وطرائف وجديد هذه الصناعة الشعبية بالدرجة الأولى، والمتوارثة منذ العصر الفاطمي.

حيث كانت الفوانيس هي مصدر الإضاءة الأساسية في البيوت والشوارع والمحال وغيرها، لكن بداية نتعرف على ارتباط الفانوس بشهر رمضان والذي جاء صدفة طريفة، ففي عام 358 هجرية أمر القائد جوهر الصقلي بخروج جموع أهالي القاهرة، لاستقبال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي من الجيزة إلى قصر الحكم في الجمالية، وكان قدومه ليلاً ولم تكن الطرقات مضاءة، فحمل الأهالي الفوانيس والمشاعل والمباخر.

وكان بالصدفة بداية شهر رمضان، ومن هنا جاء هذا الارتباط، ويقال أيضاً ان الخليفة كان عندما يخرج لاستطلاع رؤية هلال رمضان، يسلك موكبه الطريق من باب النصر إلى بوابة الفتوح إلى باب الذهب، وكانت تحفه العربات الصغيرة المضاءة بالشموع، كما تحمل جموع الأهالي الفوانيس المضاءة.

كما أن قاضي القضاة الأربعة، يصعد إلى قمة مئذنة جامع أحمد بن طولون، لاستطلاع رؤية هلال شهر رمضان، وأثناء سير الموكب كانت جموع الأهالي تترقب لمعرفة نتيجة الاستطلاع، وهم يحملون الفوانيس، وعندما تثبت الرؤية يدور مناد في البلاد معلناً صيام صيام، كما حكم قاضي الإسلام.

لكن الفانوس بشكله الحالي لم يظهر إلا منذ مئة عام أو يزيد قليلاً (أي في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن العشرين) مع بعض الاختلافات البسيطة، وكان فانوس المسحراتي ذو القاعدة الصغيرة والأبواب الكبيرة هو أول الأشكال.

يعتقد الكثيرون أن صناعة الفوانيس مهنة موسمية تستمر شهراً أو شهرين فقط، هكذا يقول محمد أبو عيسى صاحب مصنع لتصنيع الفوانيس بمنطقة السيدة زينب، ويؤكد أن تصنيع الفوانيس يبدأ بعد عيد الفطر المبارك مباشرة، ويستمر طوال العام حتى حلول شهر رمضان فيتم عرض الفوانيس وبيعها، وأن هناك زبوناً له طوال العام، حيث تطلبه الفنادق والمقاهي والمحلات على سبيل الزينة والديكور.

ومن الأشكال التي يصنعها أبو عيسى الفانوس الرباعي الشكل المتوسط الحجم، له باب ذو مفصلة واحدة يُفتح ويغلق لوضع الشمعة بداخله، وأيضاً يصنع الفانوس الكبير (أبو الولاد) وهو فانوس مربع عدل وفي أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجماً.

والفانوس المقرنص الذي تكون جوانبه على شكل المقرنصات الموجودة بالمساجد، وهناك من الفوانيس ما يتخذ شكل الترام والقطار والمركب والمرجيحة وهذه يعلق بها عدد من فوانيس البز الصغيرة لتدور حولها مشابهة لمراجيح الموالد والمواسم والأعياد، وأحدث هذه الأنواع الشويبسى والشمامة.

أما مصنع أولاد جميل بمنطقة تحت الربع بالقرب من باب زويلة فيصنع نوعاً واحداً من الفوانيس، يطلق عليه الفانوس الصاروخ، وهو عبارة عن فانوس عملاق أقل حجم منه يصل طوله إلى متر ونصف المتر، لكن هناك أحجاماً تصل إلى عشرة أمتار، ولا يتعامل مصنع الجميل إلا مع الفنادق والمطاعم السياحية والخيم الرمضانية التي تستخدم هذه الفوانيس العملاقة في تزيين واجهتها احتفاءً بالشهر الكريم.

يقول المعلم حسن جميل إن تصنيع الفانوس الصاروخ يتطلب مواصفات خاصة لأنه يتميز بضخامة حجمه، وبه شغل صاج عال ويحتوي على زجاج مزركش وملون.

ويقول محمد رزق تاجر فوانيس بمنطقة تحت الربع إن الفانوس الصاج التقليدي يكسب لارتباطه بالتاريخ والتراث الشعبي، وهو يبعث الإحساس بالجو النفسي لرمضان لأنه ارتبط وجدانياً بكل رب أسرة مصرية، ثم إنه يعبر عن الأصالة والتاريخ، لذا على الرغم من تكدس الفوانيس المستوردة في المحلات إلا أن الإقبال على الفانوس التقليدي لا يزال قوياً.

ويرى أن أبرز أشكال الفانوس الرمضاني والتي تجد إقبالاً كبيراً عليها الفانوس الذي يأخذ شكل هلال أو قبة جامع مصنوعة من رقائق الصفيح والزجاج الذي يتم صبغه والرسم عليه يدوياً.

ويقول المعلم بدوي صاحب ورشة صناعة فوانيس في منطقة بركة الفيل إن الفانوس المصري لا يزال على القمة فهو يصنع من الصاج والزجاج الملون بأشكاله العديدة ومنقوش عليه الآيات القرآنية.

ويؤكد بدوي أن قيمة الفانوس لم تنقرض، حيث لا تزال موجودة في الفانوس الكبير والذي لا يمكن تصنيعه من البلاستيك لأن منظره لن يكون جميلاً.

ويشير إلى أن أسماء الفوانيس تتحدد حسب أشكالها وأنواعها وأحجامها، ويعتبر الفانوس المربع البلدي والمسدس وفانوس فاروق من أقدم الأنواع وهي الأقل سعراً في السوق.

محمد الحمامصي

Email