أساطير الزهور..لغة رمزية ومفردات برائحة الأزل

أساطير الزهور..لغة رمزية ومفردات برائحة الأزل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول المثل الصيني: «إذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشتر بثمنه زهرة، فإذا كان الخبز غذاء للجسد فالزهر غذاء للروح»، ربما تكون هناك أمثال كثيرة عند الشعوب كافة شبيهة بهذا المثل.

وتدور في الفلك ذاته، وتعبر عن علاقة أزلية بين الإنسان وعالم الأزهار والنبات حتى عندما كان الكائن البشري مجرد فكرة مطلقة، فالأسطورة تقول إن الإنسان غادر عالم ما قبل الأرض وسكن الأرض عبر معادلة شكلت النباتات الطرف الأهم فيها وكانت مسبباً لفكرة الوجود الذي نحن عليه اليوم.على طول التاريخ نسج الإنسان أساطير عدة حول علاقته بالزهور، حتى أني أكاد أن أجزم أن كل زهرة وأينما وجدت توجد وراءها أسطورة ما، والأهمية تكمن بما بعد الأسطورة وما تحمل في طياتها من معان وحكم ونصح نستعين بها عندما يتحدث عن الحب والكره والوفاء والخيانة والصداقة والتضحية، وكل ما يدور في عالم الماورائيات الخاص بالجنس الآدمي.

أساطير الأزهار.. رموز ومعان

علاقة الزهور بالأساطير علاقة قديمة قدم الإنسان نفسه، ففي الثقافات القديمة ارتبطت الأزهار بالرموز ارتباطاً وثيقاً فكان زهر الغار رمزاً للنصر، والزيتون رمزاً للسلام، وزهرة الشوك رمزاً للآلام في أقسى صورها، وزهرة الياسمين غدت رمزاً للطهارة لارتباطها بأم السيد المسيح مريم العذراء عليها السلام.

ثالوث الإنسان ـ الزهر ـ الأسطورة شكل ثقافة رمزية شكلية أعادت صياغة الرمز كلغة خطاب صامت بين أبناء البشر أهم وسائله الرمز والكناية، فزهرة الجلاديسون التي أخذت اسمها من اللاتينية وتعني السيف كون أوراقها حادة كالسيف كانت عند الرومان رمزاً للمحاربين، واليوم تحمل مغزى أكثر تجدداً، فإذا ما أرسلتها إلى شخص ما فكأنك تقول له «لقد طعنتني».

تقول الأسطورة إن الراعي كروكوس أحب حورية اسمها سميكلاكس وهام بها، وإن الآلهة تأثرت لهذا الحب وخافت على الراعي من الموت فحولته إلى زهرة زعفران، والمعروف أن زهرة الزعفران هي زهرة أبدية تنمو في كل الفصول ولا تموت، وتبادل أزهار الزعفران اليوم يعني أن العلاقة بين من يتهادونها علاقة أبدية.

الباحث في هذا يجد لغة الزهور تطورت تطوراً هائلاً ربما تعجز لغتنا نحن البشر عن نحت عبارات مكثفة على هذه الهيئة، لنأخذ الزنبق مثلاً وهي الأقرب إلى قلب الرجل وأسطورتها جاءت من بلاد الاناضول أو تركيا اليوم، أسطورة الزنبق تعبر عن رفضنا نحن البشر لتقبل فكرة موت من نحب، إذ أن الأمير إنهار وانتحر برمي نفسه من فوق أحد الجبال ليتحول جسده إلى أزهار زنبق تملأ الجبال في كل بقاع المعمورة.

نقرأ أيضاً في أساطير الزهور القادمة من شبه الجزيرة الكورية قصة مسبوكة بعناية عجنت الحب العفوي بالطفولة والبراءة، فالصبي الصغير كيم عاش مع والده المريض في كوخ فقير، كل يوم كان كيم يصلي لروح الجبل كي ينقذ روح والده من الفناء، ذات يوم وهو يصلي غلبه النوم فظهر له روح الجبل وقاده إلى مكان تنمو فيه أزهار الجنسنج، أخذها كيم وصنع منها شرابا، أعطاه لوالده فشفي من مرضه، حتى يومنا هذا يشرب الناس في تلك البلاد شراب الجنسنج التي تأخذ جذورها هيئة جسد الإنسان المريض.

من بلادنا العربية تأتي أسطورة زهر الرمان التي ترتبط بحقبة ما بعد الخلق، وتقول الأسطورة أن آدم عندما قرر البحث عن أمنا حواء حمل معه الكثير من زهر الرمان لأنها تحافظ على الشباب، والهدف كان أن تتعرف عليه حواء عندما تراه، اليوم يقول خبراء التغذية إن شراب الرمان يحافظ على نضارة البشرة، ويزيد القدرة الجنسية عند الإنسان، وفي التراث الأوروبي يقال للشخص الذي يحلم بزهرة الرمان إن الحب في طريقه إلى قلبه.

لم تكن الأزهار وحدها هي من صنعت منظومة الرموز والاستعارات هذه، الأعشاب أيضاً شكلت حلقة مهمة من زنجير الأسطورة وعلاقتها.

أعشاب البقدونس مثلاً تذكر بوفرة عندما يتعلق الأمر بكل ما يمت إلى الموت والقيامة في بلاد اليونان، وكل من يزور اليونان سيرى القبور وقد زينت بأكاليل من أعشاب البقدونس، وهناك مصطلح يوناني يقول «هذا الشخص قريب من البقدونس» وهذا يعني أنه مريض جداً وقريب من الموت.

نبات الدبق يرمز في لغة الزهور إلى الخصوبة والخلود، وهذه الفكرة جاءت من أساطير الشعوب الاسكندنافية التي تعتبر الدبق نباتاً مقدساً لأن الإله بالدور حصل على الخلود عندما أكل غصناً من نبات الدبق، في الأسطورة اليونانية يرتبط الدبق بالبطل الأسطوري إيناس وقصة حمله للغصن الذهبي المشبوك بالدبق، واليوم يضع الاسكندنافيون نبات الدبق حول الصور والتذكارات للتعبير على أنها خالدة.

كثيرة هي أساطير الزهور والنباتات وتستحق البحث لجمعها في كتاب واحد لأننا من حيث ندري أو لا ندري فهي تشكل انطلاقة للكثير من سلوكياتنا اليومية، كما أنها تحتل قدراً كبيراً من تعبيرنا عن الهوية الوطنية، فالكثير من الدول تتخذ أزهاراً معينة كرمز وطني.

اليابان اختارت زهرة الكرز كزهرة وطنية بينما فضلت باكستان زهرة الياسمين ومصر زهرة اللوتس، في الأردن تحظى زهرة السوسن بأهمية خاصة، أما عباد الشمس فهي الزهرة الوطنية في أوكرانيا، ومع أن أسطورة زهرة التوليب هي أسطورة فارسية بالأصل إلا أنها الزهرة الوطنية في هولندا، روسيا فعلت الشيء نفسه مع زهر البابونج وكوريا الشمالية اختارت أهم أزهار الجبال وهي الآزاليا.

لكل بلد أساطيره، لكن لفرنسا الفضل الكبير في تكوين لغة زهرية عالمية من خلال جمع مفردات الزهور في القرن السابع عشر، فاليوم يمكننا إرسال رسائل عدة ومفهومة دون كتابة كلمة واحدة، لكن كون لكل زهرة أكثر من معنى وأكثر من استعارة يبقى لكل شعب لغته الزهرية الخاصة القائمة على أساطيره وتاريخه الشفوي.

عبدالقادر طافش

Email