سميرة مخملباف.. ساندريللا السينما الإيرانية

سميرة مخملباف.. ساندريللا السينما الإيرانية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من «التفاحة» (1998) إلى «الخامسة عصراً» (2003)، استطاعت المخرجة الايرانية الشابة سميرة مخملباف أن تشق طريقها نحو السينما العالمية لأن موضوعات أفلامها تثير الجدل في المجتمع الايراني الحديث، واستطاعت أن تتربع على عرش السينما الحديثة وهي اليوم لم تتجاوز عامها الثلاثين بعد!

سميرة من مواليد 15 فبراير عام 1980، وهي ابنة المخرج الجدلي محسن مخملباف الذي بدأ حياته عضواً في تنظيم مسلح معارض للشاه والملكية في إيران ليتولى بعد الثورة مهمة أسلمة السينما في بلاده، لكن الحال انتهى بمحسن إلى الخروج في أفلامه عن كل قناعاته، ووضع رصيد الثورة الثقافي في ميزان النقد الحاد واللاذع، سميرة كذلك هي تربية زوجة محسن المخرجة الإيرانية مرضية مشكيني التي لا تقل شأناً عن زوجها. في الخامسة عشرة من عمرها قررت سميرة هجرة التعليم، تركت المدرسة لأنها وجدت في مدرسيها عدم كفاءة، بعد ذلك عكفت على دراسة ذاتية للسينما نظرياً وعملياً، بشرت بموهبة تمثيلية فذة عندما شاركت في فيلم من إخراج والدها وهو (سائق الدراجة).

درست سميرة علم الاجتماع والموسيقى، وفي السابعة عشرة من عمرها فجرت قنبلتها الأولى من خلال كتابة وإخراج فيلمها الأول (التفاحة) الذي سيعرفه العالم وسيحصد عشرات الجوائز لتكر بعدها السبحة بمجموعة من الأفلام أثارت دهشة سينمائيي العالم الحر بقدرة هذه الصبية على البحث والتنقيب وتقديم كل ما هو مختلف.

لأفلام سميرة حساسية مفرطة لما يدور حولها من أحداث وقدرة هائلة على الإدلاء بشهادتها على العصر في زمن فضل فيه الكثيرون السكوت، قصص هذه الشابة ترصد أي انفلات من عقال العقل والرشد الإنساني بلغة خالية من التنميق والزخرفة، تسبر الواقع المعاش بممثلين هواة، فلا وجود للبطل في مدرسة سميرة، البطل هو القصة نفسها التي تروي ما يجري في قالب تشكيلي يحتوي رسائل أخلاقية واضحة بعيدة كل البعد عن المبالغة أو مبدأ الفنتازيا التي تقدم الأخلاق في إطار أسطوري.

أكاد أجزم أن سميرة هي مهندسة بارعة في انتقاء أماكن التصوير، حيث تغدو الأمكنة في أفلامها جزءاً مهماً في صناعة الحدث دون اللجوء إلى خدعة الصدفة الهوليودية للانتقال من حيز مكاني إلى آخر. في إحدى مقابلاتها مع التلفزيون الرسمي في بلادها قالت سميرة إنها تدرب المكان على ألفة عناصر الفيلم كافة قبل البدء بالتصوير، فالمكان هنا هو أحد شخصيات الفيلم وليس حاضناً لأحداثه.

نادراً ما ترى ممثلاً مشهوراً في أفلام سميرة، فهي تفضل اللجوء إلى أناس عايشوا الحدث وفي هذا تقول سميرة إن أي ممثل حتى لو كان عالمياً وحاصلاً على أكثر من أوسكار فانه لن يستطع التعبير عن فرحة عارمة كما يفعل أب بسيط حين يستقبل ابنه العائد من الجبهة سالماً.

في أحد أفلامها اضطر ممثلاً شاباً للمشي أربعة كيلو مترات بين قريتين (مشاها حقيقة) فقط لتصوير مشهد وصوله متعباً!... هذه الرؤية الثاقبة والعميقة للنفس البشرية تراها حاضرة في كل أفلام مخملباف الابنة، وربما تكون هي السمة الأبرز في تفرد إبداعاتها بالصدمة والدهشة وجرعات الأمل.

كان بإمكان سميرة أن تفعل ما فعله الكثيرون، كان بإمكانها التمترس خلف رصيد والدها، تقف خلف عدسته ترى بعينه، تفكر وتخرج وتبدع بأسلوبه لكنها لما فعلت وقررت خوض عالم السينما برؤية خاصة وخطوات ذاتية أهم سماتها أنها واسعة وسريعة وجنونية، نعم جنونية!؟

أدهشت سميرة أبيها وكبار السينمائيين عندما حرثت المجتمع الإيراني بحثاً عن قصة تستحق التجسيد، بالفعل وجدت ضالتها، انعزلت لكتابة السيناريو وتدريب أدوات المخرج تهيئتها لشيء مختلف. هذا المختلف كان فيلم التفاحة، أبطال الفيلم هم أصحاب القصة الحقيقيون، لم يسبق لهم الوقوف أمام كاميرا من قبل وهنا يكمن جنون سميرة بالتوأمة بين الوثائقي والاختياري.

الفيلم يروي قصة واقعية لأب احتجز ابنتيه في قبو المنزل مدة 12 عاماً خوفاً عليهن كما قال، لكن الجيران يفضحون الموضوع ليحاكم الأب وتخرج الفتاتان من عالمهما الضيق إلى عالم أوسع دون خبرة تذكر غير سلاح الاكتشاف، من هنا يبدأ الفيلم وتبدأ مغامرة الفتاتان وكيف استطاعتا التكيف مع محيطهن الجديد.

من يرى الفيلم يرى حجم الجهد الذي بذلته سميرة في تدريب هذه العائلة على إعادة سرد قصتها، نجحت المغامرة بكل المقاييس وسريعاً احتل فيلم التفاحة حديث الكبار من مخرجين ونقاد وغدت سميرة المخرجة الأصغر سناً في العالم التي تشارك في مهرجان كان السينمائي ليحصد التفاحة جائزة التحكيم الخاصة بالمهرجان.

بعد ذلك تنقل فيلم التفاحة وفيلم السبورة الذي كان الثاني لسميرة في أروقة أكثر من مئة مهرجان دولي لتحصد سميرة جوائز التحكيم والجمهور في مهرجاني كان ولوكارنو في سويسرا، جائزة مهرجان لندن في بريطانيا وساوبالو في البرازيل وجائزة أفضل مخرج شاب في مهرجان بلد الوليد في اسبانيا، كل هذا التتويج انتهى بسميرة عضواً في لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان كان، هكذا حجزت سميرة مقعداً لها في حافلة الكبار وهي لم تعبر ربيعها التاسع والعشرين.

قبل فترة ليست بالوجيزة تناقل المهتمون بالسينما الإيرانية خبر حصول عائلة مخملباف على الجنسية الفرنسية، فبعد صناعة الأب محسن لفيلم (السفر إلى قندهار) رحلت العائلة إلى أفغانستان، محسن والزوجة المخرجة مرضية والمخرجة الابنة سميرة وأخيها ميثم مخرج فيلم (كوالبس) وأختها حنا مخرجة فيلم (تهاوى بوذا من الحياء)، عائلة المخرجين هذه أخذت على عاتقها مهمة إعادة إحياء السينما الأفغانية، لكن التفجير الذي استهدف أحد أماكن التصوير الخاص بسميرة اضطر الجميع للرحيل، ليس إلى إيران طبعاً بل إلى فرنسا. اليوم وبعد أن أصبحت عائلة مخملباف فرنسية الجنسية يبقى السؤال: كم خسر الشرق في غياب هؤلاء وكم كسب الغرب؟!

عبدالقادر طافش

Email