حياة

فن الوشم.. ثقافة الشعوب في أسطورة الألم

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الوشّامة الريفية تعتمد الوجه واليدين مكاناً لإبراز مفاتن المرأة، ولاتزال نساء الريف والقرى يحتفطن بأوشام العرس والصبا على وجوههن وحواجبهن وذقونهنّ، اما الرجال فيمكن أن يمارسوا الوشم كعلاج من أمراض الصداع وربما الحسد، ومناطق الصدغ هي الأكثر جاذبية في حفر الوشم بالإبرة والرماد كما هو معروف.

بين الزينة والطب والرمز الديني والزهو والجمال والموضة والطوطم ودفع الحسد امتدت رحلة «التاتو» لمئات السنوات في مسار طويل من الرمز، رافقت الإنسان البدائي منذ عصوره الأولى وسلكت معه دروب الحفر على اللحم عبر تاريخ طويل من التأويل، لتعبّر مرة عن ذهنية دينية فطرية وتارة عن اكتساب وراثي طوطمي قبيلي، وبين هذا وذاك ظل الإنسان اسيراً لفكرة الخوف من الطبيعة والمجهول، باحثاً عن الحماية الذاتية في مفترقات حياته الطويلة.«التاتو» .. هو الوشم ..فن الحفر على اللحم .. بدا عفوياً وفطرياً بأسبابه القديمة واستمر إلى عصرنا الحاضر ولكن ليست للفطرة فيه مكان.

تحول من تعويذة إلى فن، ومن تطبيب إلى مغالاة شكلية، ومن طوطم قبلي إلى مظاهرة تشكيلية، ومن رمز تعبيري إلى شكل فضائحي. فالقديم البدائي اضحى موضة الشعوب في عصر العولمة بتجلياته العلمية الكبرى، وظل «التاتو» شكلاً يقيم علاقته النفسية في اشكاله المختلفة على أجساد النساء والرجال. فمن الحفر على اللحم إلى الطبع عليه، ومن الغرز المؤلم إلى اللصق السريع، ومن أماكن محددة في جسم الانسان إلى انتشاره في كل مكان، وهو ما جعل مصممي الأزياء المحدثين أن يتعاملوا مع هذه الموضة الساحقة إلى ابتكار أزياء نسائية تبرز مفاتن الأجساد وعلامات التاتو في أدق المناطق حظراً وأغراء وإثارة !

تاريخ الحفر على اللحم تساعدنا الحفريات على ايجاد تخمينات أولية في نشوء الظواهر الانسانية وتتبع مراحل صيرورتها، فالتاتو ظاهرة بشرية تشكلت مع تشكل فطري لمخاوف الانسان القديم من الطبيعة والأمراض والشياطين. ولم تكن منذ الأزل وحتى اليوم حكراً على شعب أو حضارة معينة، بل كانت الحضارات المتعاقبة والشعوب المختلفة تمارس التاتو على نحو له أسبابه الكثيرة فبقي مرتبطا بشكل أو بآخر بثقافة المجتمع الخاصة به.فقد ارتبط في بالديانات القديمة التي اعتبرته كرمز لديانتها وآلهتها كما عرف كوسيلة لمحاربة الشيطان والقضاء على السحر الأسود.أما القبائل الإفريقية فقد كان الوشم الطريقة الوحيدة للتمييز بين قبائلها. في حين كانوا في غينيا يلجأوون إلى تلوين اجسادهم كتعبير عن حالة معينة أو ايصال رسالة تعبر عن شيء ما.

وكان للبحارة دور كبير في نشر هذا النمط الغريب عبر ترحالهم في أعالي البحار ومعايشتهم للشعوب المتناثرة بين الجزر والغابات واكتسابهم المعرفة الأولية في استيعاب الرمز الديني والاجتماعي لوضع الوشم، فقد كان بمثابة القوة التي تساعدهم على تخطي المصاعب ومخاطر الإبحار فمثلا رسم «الديك» على القدمين كان يحمي البحار من الغرق ؛.

وكان البحار والمستكشف البريطاني (جيمس كوك) قد أدخل الوشم إلى أوروبا في العام 1771 بعد عودته من البحار الجنوبية، حيث شاهد سكان جزر تاهيتي يمارسون فن الوشم وقال: « إنهم يلونون اجسادهم باستخدام ادوات صغيرة مصنوعه من العظم مقطعه على شكل اسنان صغيرة حيث يملأون الثلم «الفجوات» الناتجه بخليط اسود او ازرق داكن معد من دخان جوزة غنية بالزيت» .

الرمز ينتقل

يعود تاريخ فن الوشم إلى أكثر من خمسة آلاف عام ، وبحسب الحفريات فقد عثر على رجل من العصر الجليدي يُعتقد أنه يبلغ من العمر 5300 عاما في النمسا وخلف إحدى ركبتيه وجد وشم على هيئة صليب صغير.وربما مارس قدماء المصريين فن الرسم على الجسد بين عامي 2000 و4000 قبل الميلاد.

وفي نفس الفترة الزمنية انتشر في الصين واليابان.وفي العام 1100 قبل الميلاد انتقل هذا الفن من اليابان إلى الفلبين ونيوزيلندا. أما الرومان فاستخدموه لتمييز عبيدهم وحيواناتهم والدنمركيون والاسكندنافيون غطوا اجسامهم برموز قبلية وشارات اسرية تعبّر عن النوع القبيلي الذي ينتمون اليه وغالبا ما تكون العلامات لرموز حيوانية معروفة.

وعرف «التاتو» أيضاً في اليابان في القرن السادس قبل الميلاد وكذلك عرف في الصين و الهند وكان الاغريق و الرومان يقومون بوشم أرقائهم والمجرمين..وقد انتشر هذا الفن جنوبي آسيا إلى الصين واليابان وروما ثم انتقل إلى الفلبين وجزر الباسيفيك ليصل اخيرا إلى نيوزيلندا...على إن اليابانيين استعملوه كوسيلة للفنون الشعبية والقصص التي ترمز إلى الاخلاقيات .

وفي سنة 2000 قبل الميلاد كانت الموضة ان يحلي الانسان جسمه بصور القصص المختلفة ولكن سرعان ما اختفت هذه العادة بعد ظهور الطباعة.ثم لبثت ان ظهرت عادة الوشم في اليابان مرة ثانية، ولكن بطريقة فنية استعملت فيها الالوان الزاهية لرسم صور العفاريت والحيوانات المختلفة وغالبا ما كان ذلك يغطي الجسم كله.اما سكان جزر بحر الجنوب فقد استعملوا الوشم كوسيلة للزينة وكعلامات مميزة للقبائل المختلفة. كما استخدم الإغريق وشماً سرياً على جواسيسهم لتمييزهم عن غيرهم.

ومن الغريب ان الوشم قد انتشر بين الطبقات الارستقراطية في اوربا في العصور الوسطى وزين به بعض الحكام اجسامهم مثل الملك ادورد السابع والملك جورج الخامس من ملوك انجلترا ونيكولا الثاني ملك اسبانيا كما استعملته ايضا ليدي (راندولف تشرتشل) فقد كانت تتحلى ذراعه بافعى، وفي بلدان كالسويد فان للوشم مواسم يظهر فيها على اجساد الفتيات المراهقات كوسيلة من وسائل منافسة للرجل.

الدين والطوطم

ارتبط الوشم بالديانات الوثنية التي انتشرت شرقاً وغرباً كحامل لرموزها الدينية وأشكال آلهتها كما استخدم كتعويذة ضد الموت وضد العين الشريرة، وللحماية من السحر، كما عرفته العقائد البدائية كقربان فداء النفس أمام الآلهة، واستخدمه العرب كوسيلة للزينة وللتجميل ورمز للتميز في الانتماء إلى القبيلة، واستخدمه المصريون القدماء كعلاج ظناً منهم أنه يمنع الحسد ويرتبط الوشم بالمعتقدات والخرافات.ويرى البعض ان هذه الظاهرة، ارتبطت منذ مئات السنين بأفراد العصابات والبحارة.

وعنهم انتقلت إلى بعض الفنانين المهووسين ومغني الروك، الذين بدورهم نشروا هذه الظاهرة أخيراً، من خلال ظهور صورهم في الصحف والمجلات، ومن خلال حفلاتهم التي كانوا يقيمونها وهم أشباه عراة، وأجسادهم مطلية بأنواع مختلفة من رسومات الوشم الأمر الذي أدى إلى قبول الفكرة بين أوساط الشباب والمراهقين والإعجاب بها، وقيامهم بمحاولات تقليدها من دون تفكير، حتى أصبحت هذه الظاهرة موضة عارمة، وتجارة رائجة رابحة لبعض فناني الوشم.

الفن السلتي

يسمونه الفن «السلتي» نسبة إلى الثقافة السلتية التي تميزت بها اسكتلندا وايرلندا وويلز، ولم تكن التسمية عابرة في ميزان النقد العام، فالتاتو أولاً واخيراً هو رسم على الجلد البشري سواء كان بالحفر او او الطبع.

لذا برع التاتويون في ايجاد الصور المعبّرة التي تنحو إلى تفصيل الحالة المراد رسمها بقوة تأويلها ورمزيتها، وتختلف رسومات وألوان الوشم باختلاف الأذواق والتقاليد، فقد يكون الوشم على شكل العقارب والأفاعي وبعض الطيور الجارحة، أو يكون على شكل رسومات تجريدية أو تشكيلية، أو أشكال هندسية معينة أو رسومات رمزية معينة.

وان معظم التصاميم هذه الايام لا تنطوي على مدلولات ثقافية بارزه الا ان بعض الناس يحرص على وشم يرمز إلى مجتمعاتهم وثقافاتهم بعينها فما زال بعض الاسكتلنديين يفضلون الاشكال المعبرة وشعارات العائلة وهو تقليد قديم والماووريون يَشِمون انفسهم بتصاميم مرتبطة بشعائر دينية وثنية ثقافية مع بعض الاشكال التي ترمز إلى رتبة الشخص في القبيلة ؛على أن الانسان الريفي الذي كانت تعوزه الدقة والخيال في الرسم لم يعد يفكر بإيجاد تناصات رسمية في جسد الانسان.

فالريفيون لاسيما في مناطقنا العربية يعتبرون الوشم نوعاً من التطبيب الشعبي وفي أحيان زينة للمرأة، فالريفية بطبعها فقيرة، لذلك تلجأ إلى الوشم، والوشّامة الريفية تعتمد الوجه واليدين مكاناً لإبراز مفاتن المرأة، ولاتزال نساء الريف والقرى يحتفطن بأوشام العرس والصبا على وجوههن وحواجبهن وذقونهنّ، اما الرجال فيمكن أن يمارسوا الوشم كعلاج من أمراض الصداع وربما الحسد، ومناطق الصدغ هي الأكثر جاذبية في حفر الوشم بالإبرة والرماد كما هو معروف.

الحنّاء وشم العروس

الكثير من الشباب يَشِمون سواعدهم بعبارات او رسوم تعبر عن معاناة عاطفية في أغلب الأحيان واجتماعية في احيان أخرى فثمة من يحفر على ساعده اسم حبيبته أو يرسم قلباً يخترقه سهم، او عبارة قصيرة تشي بالحال التعيسة ( غدار يا زمن) وهناك من يسبغ على نفسه صفات بطولية (سبع الليل) (الأسد) (الغضنفر) فالغاية تبرر الوسيلة، والألم مشروع عندما يلجأ المرء إلى وشم نفسه بطريقة حفر الإبرة وما تتركه من آلام لاسيما اذا عرفنا ان الوشّام يغرز طرف الإبرة ثلاثة آلاف مرة في الدقيقة؟؟

بالمقابل تعتبره بعض الفتيات طريقة من طرق كثيرة لإظهار الأنوثة والإغراء سواء عن طريق رسومات صغيرة توحي بالدلال والرقة والدلع أو عن طريق تصحيح أو تجميل بعض الملامح في الوجه كالحاجبين أو الشفتين، وهذا يشيع بين فتيات المدن أكثر من شيوعه بين فتيات الريف.

فالظاهرة عند الفتاة العربية هي واحدة من أساليب إظهار الجمال والأنوثة حيث ما زالت الفتيات والنساء العربيات يطبعن أيديهن وأقدامهن ومناطق أخرى في الجسم برسوم الوشم وخاصة (بالحناء) فالوشم هو بمثابة حلي للفقيرات، ورموزه تحمل الكثير من الدلالات الاجتماعية والدينية.

وما زالت ظاهرة الوشم بالحناء متداولة في أغلب البلاد العربية خصوصاً في طقوس واحتفالات الزواج حيث توشم العروس وقريباتها وصديقاتها ليلة العرس، وتحاول من تضع الوشم إتقان الرسم على الكفين والبطن وأسفل القدم وبعض أجزاء الوجه لتغدو العروس أكثر زينة وجمالاً.

الوشم الذكي

طور علماء أميركيون وشماً (ذكياً) يبين لمرضى السكري مستوى الجلوكوز في الدم، وينبههم إذا هبط إلى مستويات خطيرة. وسيساعد الوشم أيضاً مرضى السكري على تجنب طريقة فحص الدم المتبعة حالياً التي تتضمن وخز الإصبع بشكل منتظم. وقد طور الوشم الخاص فريق مشترك من جامعتي (تكساس آي أند أم) و(بين ستيت) في الولايات المتحدة. ويتكون الوشم من حبات من (جلوكول بوليثيلين) المغطاة بجزيئات فسفورية.

وبما أن الجلوكوز يملك قابلية لدفع الجزيئات الفسفورية، فإن مستوى الجزيئات هذه يسجل ارتفاعاً عندما يكون الجلوكوز هابطاً. ويمكن قياس مستوى الجزيئات الفسفورية باستخدام جهاز شبيه بالساعة يمكن لمستخدميه قراءة مستوى الجلوكوز في أجسامهم.

الرياضيون في ظاهرة« التاتو»

طغتْ في الأونة الأخيرة على الملاعب الأوروبية ظاهرة وضع التاتو على أجساد اللاعبين وخاصة في رياضة كرة القدم، لتشكل ظاهرة غريبة من نوعها على الرياضين اللذين دائماً ما كانوا يتابهون بأجسادهم المفتولة بالعضلات والرشاقة.

وكان أولهم ديفيد بكهام الذي جلس ست ساعات تحت أيدي أشهر مصمم وشم في العالم من أجل تزيين جسده بتلك الرسومات والكتابات.ويبدو أنّ النجم الإنجليزي ديفيد بيكهام لاعب ميلان الإيطالي نال النصيب الأكبر من الاستحواذ على عدسات المصورين والكاميرات، إذ أنه دائماً ما يُكتب عنه في المجلات والصحف عن أخر تقليعاته والمكان الجديد الذي يضع فيه وشماً جديداً على جسده.

فلم يترك النجم الإنجليزي مكاناً في جسده بدون أن يضع فيه وشماً فقد وضع على رقبته وصدره وقدمه وكتفيه ويديه، لا بل تطاول به الأمر مؤخراً إلى أن يضع وشماً على مؤخرته! كم ان اللاعب البرازيلي «دانيل ألفيس» قام بوضع وشم على ذراعة يحمل صورة صديقته التي تدعي مودينا في تعبيرٍ منه عن قوة العلاقة التي تربطهما معاً، و هناك الكثير من النجوم الذين يوشمون صور لأفراد عائلاتهم سواء الزوجة أو الأبناء.

واللافت ان اللاعب دييغو مارادانو وضع وشماً على ذراعه عبارة عن صورة للمناضل اللاتيني الشهير «جيفارا» الذي دفنته المخابرات الأمريكية في مكان مجهول قبل أن تكتشف عظامه قبل سنوات.

روبي كين

شوهد الوشم الذي يضعه على يده اليمنى لأول فرة في نهائيات كأس العالم 2002 التي أقيمت في اليابان، وتحديداً في لقاء المنتخب الأبرلندي مع المنتخب العربي السعودي، إذ قام بعد نهاية المبارة برفع قميصه ليظهر للمشاهدين ماذا وشم على كتفه!

البرتغالي سيماو سايروزا

يبدو أن العشق الذي يكنه اللاعب البرتغالي لأبنائه لم يعرف كيف يظهره لهم إلاّ عن طريق الوشم، إذ وضع على كلتا يديه أسماء أطفاله، فعلى اليد اليمنى كتب أسم طفلته «مريان» وعلى اليسرى كتب اسم أبنه« مارتيم».

السويدي زلاتان إبراهيموفيتش

لاعب سويدي يلعب لفريق «أنتر ميلان» الإيطالي أي أنّ لغته الأصلية ليست العربية، كما أنه يعيش ويلعب في بلد لغته الإيطالية، ورغم ذلك فقد التقطت عدسات المصورين صورة لوشم وضعه على ذراعه مكتوب بالعربية «أبراهيموفيتش» وهو الأمر الذي ظل دون تفسير، كيف ولماذا وضع اللاعب السويدي مثل هذا الوشم باللغة العربية؟

الوشم والمرضى والسلوك المنحرف

أكدت دراسة علمية حديثة، أجريت في جامعة روتشيستر في نيويورك، أن الشبان الموشومين هم أكثر عرضه لأنماط سلوكية خطرة، كالتدخين وتعاطي المخدرات والكحول والدخول في علاقات جنسية غير طبيعية والانضمام إلى صفوف العصابات الخطيرة، والاشتباك في المعارك والغياب عن المدرسة الخ وقال الطبيب (تيموثي روبرتس) الاختصاصي في طب المراهقين: إن الوشم نفسه لا يسبب السلوك المنحرف.

ولكن الأشخاص الذين يشمون أنفسهم يجنحون إلى التورط في أنماط سلوك خطيرة، هذا إضافة إلى أن الوشم بحد ذاته كثيرا ما يكون السبب في الإصابة بمرض فقدان المناعة، أو التهاب الكبد أو الأمراض المعدية الأخرى، وذلك بسبب عدم مراعاة القواعد الصحية لمن يزاول هذه المهنة.

وارد بدر السالم

Email