داخل الصورة.. خارج الإطار

داخل الصورة.. خارج الإطار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في فرنسا برنامج تلفزيوني ساخر اسمه «الغينيول» ومعناه «الدمية» يقدم يومياً صورة للغبي الذي يحكم العالم متمثلاً بشخصية بوش وإلى جواره الممثل الشهير سلفستر ستالوني الذي يأمره بالقوة على اتخاذ القرارات الحاسمة. وكتاب «داخل الصورة.. خارج الإطار» للكاتب والشاعر ظاعن شاهين الحديث الصدور، يعالج الصورة التي استقاها العالم من السياسة الأميركية التي قادها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

وفي جوهره يريد أن يقول لنا عبر 72 صفحة ما معناه: كيف تمكن هذا الرجل المتوسط الذكاء أن يفرض صورته على العالم؟ بل كيف استسلم العالم بكل استرخاء إلى هذه الصورة؟

تأتي أهمية هذا الكتاب كونه يأتي بعد هدوء العاصفة وأغلقت سيرة حكم بوش لقراءة نتائج هذه السياسة. ومنذ مقدمة الكتاب والتي أطلق عليها المؤلف «دخول» يحدد لنا البصمات التي تركها بوش على الحياة الأمريكية» كل الألوان أصبحت حمراء وزرقاء وكل ألأطعمة أصبحت هامبرغر وأصابع البطاطا وكل السيارات تحولت إلى دوج». وهذه الصورة لم تقتصر على الولايات المتحدة ولكن أريد لها أن تعبر الحدود وترافق الهيمنة العسكرية التي سعى بوش إلى فرضها على العالم.

ولكن السؤال المطروح: هل انتهت هذه الصورة بانتهاء ولاية بوش؟

هذا ما يحاول ظاعن شاهين أن يلقي عليه الضوء لا بعين الاستراتيجي الجامدة بل بعين الكاتب والشاعر والمحلل الذي يرى تجسيد هذه الصورة في الواقع اليومي والمعيشي أكثر مما يراها في النظريات الإعلامية التقليدية. فهو يستعين بالتلسكوب الفلكي للعالم جاليليو لكي يرى فيه هذه الصورة التي قلبت الموازين وكرست سياسة بوش «رئيس ضد العالم». فهو بعد أن أجبر العالم على قبول هذه الصورة، يطلب منه ترديد مقولة جاليليو كما أوردها المؤلف، «الأرض لا تدور».

وينتقل الكاتب إلى حقيقة أن العالم كله يسير وفق هذه الصورة حتى لو انتقدها» أغلبنا يدور في فلك الصورة الأميركية مهما حاول الابتعاد... فالصورة الأميركية عالقة شئنا أم أبينا في الذاكرة والوعي والثقافة، مثلما متسربة في الأكل والشراب..... ».

تمكن بوش أن يفرض هذه الصورة ليس على الذاكرة الأميركية بل على ذاكرة العالم وجزء منها أحداث 11 سبتمبر لاستخدامها غطاءً لاحتلال بلدين هما العراق وأفغانستان. الإعلام الأميركي معروف بتضليل الرأي العام وتسويق الأكاذيب، أبرزها أسلحة الدمار الشامل!

ومعظم المواطنون الأميركيون البسطاء يطرحون هذا السؤال على الدوام: لماذا تتزايد كراهية العالم لأميركا يوماً بعد آخر؟

ثم ينتقل المؤلف إلى السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي التي لا تنفع معها «الرتوش ومساحيق التجميل» لتسويق صورة أميركا وجعلها مقبولة. ويورد المؤلف شواهد تثبت أن بوش رجل سيئ المزاج وجاهل وفي أمس الحاجة لنيل إعجاب والدته.. على حد ديفيد فروم، كاتب خطاباته. و«المجنون» الذي «يتولى إدارة القوة العظمى الوحيدة في العالم «حسب صحيفة الميرر» البريطانية. ويركز المؤلف على اللوبي النفطي شركة هالبرتون وشيفرون الذي قاده بوش مع رموز إدارته ديك تشيني وكونداليزا رايس. ولا يتردد على تسميتها بـ «مملكة بوشستان الأميركية»!

ويستند المؤلف في رسم صورة بوش إلى مقارنته بالرؤساء الأميركيين السابقين، ويستنتج أنه ينتمي إلى «النمط الفاعل السلبي» أمثال ولسون وجونسون ونيكسون.

هل أصبح البيت الأبيض استوديو من استوديوهات هوليود بدخول رونالد ريغان؟

بوش الابن كما يرى المؤلف «استطاع أن يتحايل على الأمة الأميركية ويكسبها مثلما تفعل أفلام هوليود فتحول الصعاليك إلى أبطال». ويستنتج المؤلف بسخرية «هكذا يصنع الأميركيون رئيسهم، يحولون الإعاقة إلى فعل والتأتأة إلى فصاحة وينقلب الأبيض أسود ويتحول الكذب إلى حقيقة».

وفي فصول الكتاب اللاحقة: قل لي ماذا تقرأ.. وراء الأبواب الخلفية، ميكي ماوس والهيبة الأميركية، أوراق أخرى، وكلاب أميركا. يقوم المؤلف بسرد الحقائق والاستشهادات من أجل تدعيم فكرة الصورة التي «فبركتها» الآلة الإعلامية الأميركية. ويطرح أسئلة منطقية مثل: هل كان للقراءة أو المحيط الثقافي العام تأثير على تفكير الرئيس أو صانع القرار؟ ويجيب بروح فكاهية» أخيراً قل لي ماذا يقرأ بوش، أقل لك لماذا حلّ الخراب بالعالم»؟

ومن أجل توضيح الصورة، يضع المؤلف أميركا في صورة ميكي ماوس وبوش في صورة كلبته سبوت.يزخر هذا الكتاب بمعلومات مكثفة وواسعة الاطلاع على كواليس صناعة الصورة، من خلال أبرز رموزها، في أكبر حملة تضليل يشهدها عصرنا. إنها أشبه بالحفريات الهادئة بعيداً عن الرؤية الأيديولوجية. ويمكن القول ان المؤلف تمّكن بأسلوب تحليلي وبعيد عن «اللغة الخشبية» و«القوالب الجاهزة» أن يفك أسرار الصورة التي هيمنت على العالم طيلة ولاية بوش، وما بعدها من خلال إدخالنا إلى «الصورة» ووضعنا فيما بعد «خارج الإطار» دون أن ينسى أن يرفق تحليلاته بروح الفكاهة الذكية أو بالسخرية اللاذعة.

وضع جورج بوش العالم في قبضته بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر عام 2001 وكانت أميركا في ذلك الوقت بحاجة إلى عدو بعد انهيار العدو السوفييتي، فوجد ضالته المنشودة في الحركات الإسلامية المتطرفة. ومنذ ذلك التاريخ تبلورت شخصية بوش الذي أشعل النيران في كل من أفغانستان والعراق. واستطاع من خلال أيديولوجية المحافظين الجدد أن يحبسس أنفاس العالم طيلة عقد من الزمان بحجة محاربة الإرهاب كما نجح في إلحاق نصف العالم وتعليقه بأذيال الولايات المتحدة.

الكتاب: داخل الصورة.. خارج الإطار

تأليف: ظاعن شاهين

الناشر: البيان 2009

الصفحات: 72 صفحة

القطع : الصغير

شاكر نوري

Email