أدب

الصداقة في ميزان الأدباء والفلاسفة والمفكرين

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غمرتنا في بدايات قراءاتنا روايات الصداقة المثالية القائمة على الحب والتفاني والإخلاص، فربما مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تتمتع برومانسية عالية، لهذا جاءت معظم النتاجات الأدبية تكرس هذه القيمة الاجتماعية وتفرز لها من اهتماماتها الحيز الواضح، ولعل مشهد تبادل قطرات من الدماء بين الأصدقاء هو من أكثر المشاهد الرومانسية إثارة وبقاء في الذاكرة.

الصداقة من الفطرة إلى الفلسفة حظيت الصداقة بنصيب وافر من اهتمامات الأدباء والمفكرين والمثقفين والفلاسفة وعلماء النفس، بوصفها جسراً يمر عبره الآخرون في علاقاتهم اليومية وينشئون أدق الجماليات من خلال التواصل النفسي والفكري والأخلاقي والروحي لمشوار حياتي طويل، والصداقة بين الناس فطرية في أساسها، فالمجتمع لا يستطيع العيش الا بوجود جسر المحبة. والتفاهم مع الآخرين؛ لهذا توفرت في الأدبيات المختلفة حقائق كثيرة عن الصداقة وحِكَم وأمثال وحكايات وقصص وشواهد عبّرت عن هذه القيمة الإجتماعية والروحية، فقد خصص ابن المقفع في كتاب «الأدب الكبير» باباً بعنوان - معاملة الصديق- ركز فيه على آداب التعامل مع الصديق وأهمية الصداقة والأصدقاء.

وترجع أهمية رسالة «الصداقة والصديق» لأبي حيان التوحيدي إلى أنه قد لخص بأكمله موضوع الصداقة وجمع العديد من الأقوال المأثورة في الصداقة؛ بغض النظر عما ورد فيه من آراء قاسية بحق الصديق والصداقة؛ وفي التراث اليوناني يعرّف أرسطو الصداقة بأنها حد وسط بين خلقين فالصديق هو الشخص الذي يعرف كيف يكون مقبولا من الآخرين كما ينبغي. أما الشخص الذي يبالغ حتى يكون مقبولا من الجميع للدرجة التي تجعله لا يعارض أي شيء فهو المساير وعلى الضد فالشخص الذي لا يكترث بالقبول من الآخرين فهو الشرس والصعب في المعيشة ويضيف أرسطو إلى تعريف الصداقة أنها عطف متبادل بين شخصين حيث يريد كل منهما الخير للآخر، وقال مرة عندما سئل عن الصديق إنه انسان، هو أنت.. إلا أنه بالشخص غيرك،.

ويميز أرسطو بين ثلاثة أنواع للصداقة وهي صداقة المنفعة وصداقة اللذة وصداقة الفضيلة فصداقة المنفعة هي صداقة عرضية تنقطع بانقطاع الفائدة، أما صداقة اللذة فنتعقد وتنحل بسهولة بعد إشباع اللذة أو تغير طبيعتها، لكن صداقة الفضيلة فهي أفضل صداقة وتقوم على أساس تشابه الفضيلة وهي الأكثر بقاء ويعتقد أرسطو أن الصداقة أكمل ما تكون عندما تتوافر لها الأسس الثلاثة (المنفعة-اللذة-الفضيلة) .

الجسر الطويل

جسر الصداقة يبدأ ولا ينتهي. جسر طويل يمتد من الطفولة وإلى مراحل متأخرة من الأعمار، ولنا في صداقاتنا الشخصية ما يشير الى ذلك، على أن تكون أسسها صحيحة وبالمتوالية التي ذكرها أرسطو وغيره من الفلاسفة الذين اكتسبوا الخبرات العميقة في فهم النفس البشرية، ولعل الطفولة هي المفتاح الأول في تهيئة المرء لأن يندمج اجتماعياً مع أقرانه في الشارع والمدرسة لاكتساب شيء من المهارات الشخصية والتعود على نمط علاقات جديدة؛

ويشير عالم النفس (ابشتين) إلى أن صداقات الأطفال تسهم إسهاما بارزا في ارتقاء المهارات الاجتماعية والقيم الأخلاقية وزيادة على هذا تمدهم بإدراك واقعي لذواتهم بالمقارنة بالآخرين كما تبصرهم بمعايير السلوك الاجتماعي الملائم في مختلف المواقف، أما عند المراهقين فقد تنهض الصداقة بوظائف مختلفة فمن خلالها يتعلمون كيفية المشاركة مع الآخرين في الاهتمامات والإفصاح عن المشاعر والأفكار وتكوين علاقات تتسم بالثقة المتبادلة مع أقرانهم ومن وظائف الصداقة الأساسية إتاحة الفرصة أمام الأطفال لتعليم المهارات الاجتماعية إذ تقتضي المهارة الاجتماعية توافر القدرة على التخاطب الناجح مع الأطفال الآخرين.

يستلزم بدوره قدرة الطفل على تخيل نفسه كما يراه أقرانه في موقف التفاعل.ولكن الأسرة قد لا تهيئ فرص تعلم تلك المهارات لأنها تجعل التخاطب أبسط ما ينبغي لأطفالها حيث يدرك الوالدان بحكم خبرتهما مع الطفل حاجاته ومطالبه ثم يقومان بتلبية تلك الحاجات قبل أن يعبر الطفل لفظيا عنها. وبالطبع لا يكون التفاعل بتلك السهولة في جماعات الأطفال حيث لا يجد الطفل أمامه إلا محاولة التعبير عن رغباته بصورة يفهمها أقرانه.

الصداقة في مفهوماتها المختلفة

من السهل جداً أن نضع أي تعريف للصداقة، فهي بالتالي علاقة اجتماعية بين الأشخاص قوامها المحبة والفهم المشترك والتأثير المتبادل والميل الى المشاركة في الاهتمامات المتعددة بين أطراف الصداقة وتعد الصداقة مصدرا لكثير من المشاعر الإيجابية السارة أو غير السارة، وقد يحددها التقارب العمري في معظم الحالات مع توافر قدر من التماثل فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات والاهتمامات والظروف الاجتماعية، وهناك من يقرّب الصداقة الى الحب مع اختلاف الظروف المنطقية بين الحالتين .

كما صورها عالم النفس «دافيز» عندما رأى أن الحب والصداقة يتشابهان في وجوه عديدة غير أنهما يختلفان في مظاهر أساسية تجعل من الحب علاقة أعمق إلا أنها أقل استقرارا ويعبر دافيز عن العلاقة بين المفهومين في جملة موجزة يشير فيها إلى أن الحب صداقة (إذ يستوعب كل مكونات الصداقة) ولكنه يزيد عليها بمجموعتين من الخصائص وهما الشغف والعناية، أما الخصائص المشتركة بين الحب والصداقة فهي في رأيه الاستمتاع برفقة الطرف الآخر. وتقبل الطرف الآخر كما هو.

والثقة في حرص كل طرف على مصالح الطرف الآخر.واحترام الصديق أو الحبيب والاعتقاد في حسن تصرفه.والمساعدة عند الحاجة.وفهم شخصية الطرف الآخر واتجاهاته وتفضيلاته ودوافع سلوكه.والتلقائية وشعور كل طرف بأنه على طبيعته في وجود الآخر والإفصاح عن الخبرات والمشاعر الشخصية.

الصداقة لفظ بلا معنى!

بين مد وجزر وصعود وهبوط وآراء شتى تتفق ولا تتفق على الصديق تظل رحلة الصداقة منذ قديم الزمان وحتى أفول البشرية، ويظل العلماء والخبراء والفلاسفة والمتدينون يقولون ما في جعبتهم من أقوال، كلما كانت التجارب في الحياة ساخنة، ولنا في السلف البعيد ما نستنير به من حكم ومزايا وأقوال، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه» وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً «استأنسوا بالوحدة عن جلساء السوء» وقد سئل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «كم صديقا لك؟

قال لا أدري الآن! لأن الدنيا مقبلة علي والناس كلهم أصدقائي وإنما أعرف ذلك إذا أدبرت عني فخير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان عنك» كما قال في مناسبة أخرى «من صاحب الانذال حقر ومن جالس العلماء وقر» وقال روح بن زنباع عن الصديق «انه لفظ بلا معنى» وعلق على هذا التعريف أبو حيان فقال «أي هو شيء عزيز وكأنه ليس بموجود» وتتماهى حكمة عربية جميلة لتوقير الصديق مهما يكن «صداقة زائفة شر من عداوة سافرة» وسئل ديوجانس عما ينبغي للرجل ان يتحفظ منه فقال: «حسد الأصدقاء ومكر الأعداء» كما قال «فأما الصديق الذي هو انسان مثلك فقلما تجده.

فإن وجدته لم يف لك بما يفي به العقل، فاكبحوا عنتكم عن الصديق الذي يكون من لحم ودم، فإنه يغضب فيفرط، ويرضى فيسرف، ويحسن فيعدد، ويسيء فيشجع، ويشكك فيضل» وسئل أبو حيان عن أطول الناس سفرا فقال: «من سافر في طلب صديق» وكان افلاطون صاحب القول «صديق كل امرئ عقله» أما سقراط فهو القائل «مما يدل على عقل صديقك ونصيحته لك انه يدلك على عيوبك، وينفيها عنك ويعظك بالحسنى ويتعظ بها منك، ويزجرك عن السيئة وينزجر عنها لك».

الصداقة في الأمثال والأقوال

أمثال وحكم وأقوال ملأت ذاكرة البشرية منذ فجر تقاربها وتعارفها عن الصداقة والصديق، فالصاحب للصاحب كالرقعة للثوب كما يقولون، لكن الصديق المزيف كالظل يمشي ورائي عندما أكون في الشمس ويختفي عندما أكون في الظلام كما قال أحدهم. ويذكر أحد الحكماء «اهتم بالرفيق قبل الطريق» إشارة لاختيار الصديق المناسب في السفر الطويل، كما قيل أيضاً «شر البلاد بلادٌ لا صديق فيها.

وصديقك مَن صَدَقَكَ لا مَن صدّقكَ؛ والصديق وقت الضيق؛ كما جاء في الأمثال. وبين المتشائم من حقيقة الصداقة والمتفائل بها تُقال أقوالٌ كثيرة، فصحبة السوء مفسدة للأخلاق؛ واعرف صاحبك ثم اتركه؛ بل هناك مَن بالغ في الحط من قيمة الصداقة» اللهم قِني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم» و«احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة».

و«الصديق إما ينفع وإما يشفع» لكن الناس لبعضها كما درج هذا القول العربي المعروف، والناس تتقاسم الرخاء والشدة «عليك بالاخوان فإنهم في الرخاء زينة وفي البلاء عُدّة» وعند الشدائد تُعرف الاخوان. وغيرها من الأقوال التي يمكن للمرء أن يقولها كلما وجد الحاجة النفسية ملحة لأن يستحضر من الأمثال والحكم ما يتوازن مع حالته النفسية وموقف الآخرين منها.

الصديق والصداقة في أمثال الشعوب

إذا تشاجر صديقان من أصدقائك فلا تحكم بينهما لئلا تخسر أحدهما، وإذا تشاجر عدوان من أعدائك فاحكم بينهما لأنك ستكسب أحدهما. «مثل صيني» إذا أمعنت في الغياب عن أصدقائك بادروا إلى نسيانك. «مثل أميركي» لك أن تصادق الذئاب إذا كانت فأسك حاضرة. «مثل روسي» الأصدقاء ثلاثة: صديق يحبك، وصديق يكرهك، وصديق يغار منك. «مثل إيطالي».

الصداقة الحقيقية لا تتجمد في الشتاء «مثل الماني» الصداقة ارض نزرعها بأيدينا «مثل يوناني» من يبحث عن صديق بلا عيب، يبقى بلا صديق. «مثل تركي» الصداقة غالبا ما تنتنهي الى حب، ولكن قلما يتنهي الحب الى صداقة «مثل انجليزي» .

أقوال الحكماء والأدباء في الصديق والصداقة

من لم يكن صديقاً لنفسه كان عدواً للناس «جبران خليل جبران»

متى أصبح صديقك مثلك بمنـزلة نفسك فقل عرفت الصداقة. «ميخائيل نعيمة»

قل لي من تعاشر أقل لك من أنت «سرفانتس» أيتها الصداقة لولاك لكان المرء وحيدا وبفضلك يستطيع المرء ان يضاعف نفسه وان يحيا في نفوس الآخرين. «فولتير» لُُم صديقك سرا وامدحه امام الآخرين «ليوناردو دافنشي» .

ننتظر ثمرات الطبيعة من فصل الى فصل، بينما نقطف ثمرات الصداقة كل لحظة «ديموفيل» الصداقة الحقيقية كالصحة الجيدة، قلما تعرف قيمتها الا بعد فقدها «كولتون» انت تملك اصدقاء، اذن انت غني «بلوطس» الصداقة الحقيقية نبات بطيء النمو. «سكوت» صداقة الرجل للمرأة صداقتان، صداقة تزيد الفرح، وصداقة تخفف الحزن إلى النصف. «فانسيس بيكون».

الصداقة الوجه الآخر غير البراق للحب ولكنه الوجه الذي لا يصدأ. «ميلتون» مزج السياسة بالصداقة غالبا ما يشكل خاتمة للصداقة. «ديو هرست» ليس هناك منظر أشد قتامة من الصواب عندما لا يكون في جانبنا. «إبراهام لنكولن» كن صادقا مع نفسك تكن صادقا مع الناس. «شكسبير» إذا عجز القلب عن احتواء الصدق عجز اللسان عن قول الحق «عباس العقاد»

الصداقة في الشعر العربي

سَـلامٌ عَلى الدُّنْيـا إِذَا لَمْ يَكُـنْ بِـهَا

صَـدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَـا

«الشافعي»

لا شَيْءَ فِي الدُّنْيـا أَحَـبُّ لِنَاظِـرِي

مِـنْ مَنْظَـرِ الخِـلاَّنِ والأَصْحَـابِ

وأَلَـذُّ مُوسِيقَـى تَسُـر مَسَامِعِـي

صَوْتُ البَشِيـرِ بِعَـوْدَةِ الأَحْبَـابِ

«الشاعر القروي»

عاشِـرْ أُنَاسـاً بِالـذَّكَـاءِ تَمَيَّـزُوا

وَاخْتَـرْ صَدِيقَكَ مِنْ ذَوِي الأَخْـلاقِ

«جميل الزهاوي»

أُصَـادِقُ نَفْـسَ المَـرْءِ قَبْلَ جِسْمِـهِ

وأَعْرِفُـهَا فِـي فِعْلِـهِ وَالتَّكَلُّــمِ

وأَحْلُـمُ عَـنْ خِلِّـي وأَعْلَـمُ أَنَّـهُ

مَتَى أَجْزِهِ حِلْمـاً عَلى الجَهْلِ يَنْـدَمِ

«الـمتنبـي»

مديحة يسري صادقتْ زوجها بعد الطلاق حتى وفاته

بعد الطلاق من زوجي محمد فوزي قمت بالاتصال به وقلت له لقد كنا قبل الزواج أصدقاء وأريد أن نظل أصدقاء ومن أجل تأكيد هذه الصداقة مطلوب منك هكذا قلت له أن تدعوني الليلة على العشاء أو أنا أوجه لك هذه الدعوة فقال لي أنت تقتلينني بأخلاقك وأرسلت لبعض الصحافيين ليحضروا العشاء وأكدت لهم في وجوده أننا أصدقاء وبيننا ابننا الجميل (عمرو) وبعد انصرافهم طلبت منه أن يظل (عمرو) يعيش معي ووافق وتنازلت له عن كل حقوقي المالية.. وهكذا ظللنا أصدقاء حتى آخر يوم في عمره ونحن في منتهى الوفاق والسعادة والصداقة.

حامل المسك

روي عن أبى موسى في صحيح البخاري:

‏مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن ‏يحذيك ‏وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة

تراجع الصداقة في أميركا

في دراسة أميركية أجريت عام 2006 أكدت تراجع في عدد ونوعية الصداقات عند الأميركيين وأظهرت الدراسة أن 25% من الأميركيين ليس عندهم أصدقاء مقربون يثقون بهم ومتوسط عدد الأصدقاء للشخص تراجع إلى اثنين فقط.

وارد بدر السالم

Email