تيسير السعدي

تيسير السعدي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في باكورة كتبها «تيسير السعدي ممثل بسبعة أصوات» حاولت الناقدة المسرحية د. ميسون علي أن توثق سيرة هذا الفنان المتعدد المواهب، الذي كان واحدا من المؤسسيين الأوائل لفن الإخراج والتمثيل الإذاعي في فترة ما بعد الاستقلال في سوريا، ويضم الكتاب بين دفتيه معلومات وافرة عن نشأة تيسير السعدي، والظروف العامة التي تبلّور وعيه في إطارها، والمؤثرات الفنية التي ألهمت مخيلته، وأهم مراحل تجربته في المسرح والإذاعة والسينما والتلفاز.

وذلك بالتوازي مع مجموعة كبيرة من الصور والوثائق الفوتوغرافية المرفقة في نهاية كل فصل، وقد جمعت الكاتبة معلوماتها ووثائقها من الفنان مباشرة عبر عدد من الجلسات أجرتها معه، امتدت منذ منتصف عام 2007 وحتى مطلع عام 2008 .ومنذ المدخل تناولت المؤلفة صعوبات هذه التجربة بقولها: «وجدت نفسي وأنا في سبيل الكتابة عنه مضطرة إلى ملاحقة الحكاية شفهيا من الفنان تيسير السعدي الذي كان يجهد ذاكرته لاسترجاع ما قدّمه، ثم كان عليّ بعد ذلك إعادة صياغة المعلومات، وترتيب ما اختلط منها بالذكريات والاستطرادات والتداعيات، وتدقيق تاريخ كل عمل، إضافة إلى تدقيق كل ما يتعلق بالسياق الثقافي والاجتماعي والسياسي للفترة التي قدم فيها تيسير السعدي أعماله» (ص18).

أما لماذا هذا الفنان بالذات؟ فقد كتبت المؤلفة تقول: «ما يميز تيسير السعدي أنه ينتمي إلى جيل الرواد الذين أخذوا على عاتقهم تأسيس فن سوري وسط أجواء مجتمعية مغلقة تأثّم الفن..

وتعتبر العمل في الفن شيئا معيبا، ولعل ما أنجزه إلى جانب أبناء جيله لا يقتصر على تمهيد الطريق وتعزيز النظرة المحترمة للفن والفنان في المجتمع وحسب، بل في إنجاز أعمال مازالت حتى الساعة تعد الأكثر إخلاصا للخصوصية السورية» (ص14)، و«أن يلتقي المرء بتيسير ويسمع سيرته ويطلع على أرشيفه الفني، يعني انه يستطيع قراءة تاريخ مدينة دمشق على الصعيد الاجتماعي والسياسي والفني على مدى قرن من الزمان» (17) إذ إن الفنان يبلغ من العمر اليوم الثانية والتسعين.

وُلد تيسير السعدي في حي ساروجة/البحصة عام 1917 أي قبل دخول الأمير فيصل إلى دمشق بعام، وآل السعدي كانوا معروفين بتديّنهم، وبأنهم شيوخ طريقة صوفية، ومنطقة ساروجة في ذاك الزمن كانت تحيط بها المقاهي ودور السينما والمسارح وخيمة الكراكوز التي كان يعمل فيها الكراكوزاتي علي حبيب الذي تتلمذ على يديه رائد المسرح السوري أبو خليل القباني (1832-1902)، وكان المختص في هذا الفن يتقن الموسيقى والأدوار والموشحات.

وقد أورث علي حبيب مهنته لأولاده الثلاثة أبو عادل وأبو خالد وأبو صياح، ووسط هذه الأجواء نشأ تيسير فكان يسمع أصوات المطربين ليلا من منزله، ومنذ طفولته أُغرم بفن الكراكوز وخيال الظل، وتتلمذ على يد الأخوة الثلاثة، إذ كان يحضر باستمرار فصول خيال الظل مذ كان في السابعة من عمره وحتى الرابعة عشر، وقد جذبته كثيرا شخصية المدلّل الذي يحمل اسما عكس مواصفاته، فهو يتيم، عاش طفولة مشرّدة وتجارب بائسة، كان يرويها للأطفال في حفلات بعد الظهر.

في مدرسة اللاييك التي آثر والده تسجيله فيها لأنها علمانية، كان تيسير مبهورا بما يتعلمه من فنون المسرح الغربي والفن التشكيلي والموسيقى الكلاسيكية، إضافة إلى اللغة الفرنسية والمواد الأخرى، والجلوس جنبا إلى جنب مع الفتيات السافرات في فترة ساد فيها الحجاب، وفي هذه المدرسة خاض تيسير تجربته الأولى في المسرح عام 1934.

حيث شارك في عرض «أوديب ملكا» الذي قدمته فرقة «الكوميدي فرانسيز» على مسرح مدرسة اللاييك، ثم ما لبث أن مارس التمثيل في عدة فرق مسرحية للهواة، إلى أن انضم إلى «نادي الفنون الجميلة» الذي كان يديره وصفي المالح، وفي عام 1941 لعب تيسير دور قيس في مسرحية «مجنون ليلى» التي قدمها النادي، وعلى إثر نجاحه أُوفد إلى القاهرة للدراسة في المعهد العالي لفن التمثيل العربي عام 1945.

حيث تسنى له الإطلاع على تجارب مسرحية هامة لجورج أبيض ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسار وفاطمة رشدي، كما عمل في الصالات الفنية كصالة بديعة مصابني وكازينو «دي باري» لمدام مارسيل، إضافة إلى عمله في شركة «لوتس» التي أسستها آسيا داغر وزكي رستم، حيث شارك عام 1946 بفيلم «الهانم» المقتبس عن رواية «بائعة الخبز» ومن إخراج هنري بركات، وقد استفاد تيسير من جميع هذه التجارب وعاد إلى سوريا ليصوغ تجربته الخاصة.

عند عودته من القاهرة إلى دمشق عام 1947 كانت سوريا قد نالت استقلالها، وانتشرت روح الحماس بين أبنائها، فحرص تيسير في نفس العام على تشكيل «الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى» في الإذاعة التي يعتبرها «سينما الأذن»، وعمل في الفرقة بوصفه مخرجا وممثلا، بينما كان رئيسها الكاتب والممثل والصحفي ممتاز الركابي، ومؤلف نصوصها المحامي عبد الهادي الدركزللي، وأمين سرها عباس الحامض.

وموثق أعمالها يوسف فهدة، إلى جانب المونولوجست سامي أبو نادر، والممثلان أنور البابا وعبد السلام أبو الشامات، وبعد فترة وجيزة حلّ الكاتب الشعبي حكمت محسن مكان الدركزللي، كما انضم إليهم الممثلان نجاح حفيظ ورفيق السبيعي، واستمرت الفرقة حتى عام 1972، وقد قدّمت خلال ذلك مئات التمثيليات الإذاعية، إضافة إلى عدد من العروض المسرحية، مثل: «أم كامل في الجبهة» 1948 و«يوم من أيام الثورة» عام 1961.

ويسجّل لصالح «الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى» أنها عكست في أعمالها المتغيرات الاجتماعية والسياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وقدّمت لأول مرة العرض المسرحي المتكامل، بعد أن كان المسرح يُقدّم كفاصل كوميدي قصير يلي فقرات الغناء والرقص والمونولوغ، كما أنها في فترة الخمسينات تأثرت بالأفكار الاشتراكية، وتناولت مشكلات الشرائح الاجتماعية المسحوقة.

الكتاب: تيسير السعدي ممثل بسبعة أصوات

المؤلفة: ميسون علي

الناشر: الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008

الصفحات: 155 صفحة

القطع: المتوسط

تهامة الجندي

Email