المجتمع العربي المعاصر

المجتمع العربي المعاصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا الكتاب هو تطوير لعمل سابق للمؤلف الدكتور حليم بركات حول «المجتمع العربي المعاصر.. بحث استطلاعي اجتماعي» ولكنه يتجاوزه ويعيد صياغته. وهو يهدف في صيغته الجديدة كما القديمة الى تقديم صورة شاملة للمجتمع العربي خلال القرن العشرين دون أن يهمل تعقيداته وخصوصيات أجزائه وتحولاته وبناه الظاهرة والخفية وتناقضاته وعلاقاته بذاته والآخر وموقعه في التاريخ الحديث على نحو يقدم المؤلف من خلاله تحليل اجتماعي نظري لواقع المجتمع العربي بما يجعل من الكتاب مرجعاً علمياً شاملاً يساهم في فهمه على حقيقته وتغييره في آنٍ معاً.

وينطلق المؤلف في تناوله لموضوعه بدءاً من مقولة المجتمع العربي ككل وليس من المقولة السياسية التي تنظر اليه على أنه مجموعة من الدول المستقلة التي تزداد تشديدا على هوياتها المتفردة وخاصة في الأزمات. وعلى ذلك يبحث الكتاب في مجموعة من القضايا التي تطرحها مهمات التعامل مع معضلات التنوع والاندماج الاجتماعي السياسي داخل كل بلد عربي وفيما بين البلدان العربية وهو نتيجة ما يزيد على ثلاثة عقود صرفها المؤلف بالمواظبة على إجراء الأبحاث والدراسات الاجتماعية والثقافية.

ويصر المؤلف في تناوله ذاك على الاعتراف بوجود مختلف النزاعات والتوجهات التي تتجاذب العرب بين الوحدة والانكفاء الذاتي بين التقليد والحداثة بين المطلق المقدس والنسبي العلماني بين الغرب والشرق، وبين المستقبل والماضي وبين الخاص والعام وبين الانتماء الى الجماعة والانتماء الى الأمة.

ويتناول المؤلف هذه القضايا في سياقها الاجتماعي والتاريخي مقدما تفسيرا بنائيا لها حيث يركز على دراسة البنية الطبقية والاختلاف في أنماط المعيشة وما يترتب على ذلك من تنوع في التنظيم الاجتماعي وفي الثقافة وعلى المؤسسات الاجتماعية بما فيها العائلة والدين والسياسية ويسعى من ثم الى دراسة الثقافة بمختلف تشعباتها وتنوعاتها ثم يتناول أخيرا قضايا مستقبلية تتعلق بالتغيير التجاوزي وخلال كل ذلك يقصد إلى تلمس مختلف جوانب التحولات في البنى الاجتماعية كما في الحياة الثقافية.

وقد قسم المؤلف كتابه الى أربعة أقسام تناول في الأول والثاني منها مسألة الاندماج الاجتماعي والسياسي فبحث في ضرورة حصول وعي جديد بأهمية ما يسميه وحدوية التعدد بغية تجاوز الانقسامات والتجزئة بأشكالها التقليدية والحديثة بينما ركز في القسم الثالث على مهمة تحقيق تعددية الواحدة عن طريق إلغاء تمركز السلطة والثروة في أيدي قلة من الأفراد والجماعات على حساب الآخرين والمجتمع والتشديد بدلا من ذلك على ضرورة إعادة توزيع السلطة والثروة وترسيخ قيم المساواة والعدالة والحرية والعلاقات الأفقية التي تنزع نحو روح التعادل والزمالة كبديل للعلاقات العمودية الفوقية السائدة في الوقت الحاضر والمتسمة بالحد من الحريات والعدالة الاجتماعية.

فيما تناول في القسم الرابع مكونات الثقافة العربية من قيم وإبداع وفكر مستعرضا جدلية القيم الاجتماعية لجهة مصادرها وتوجهاتها وعلاقة الثقافة الإبداعية بالواقع الاجتماعي.

وفي رصده لأوضاع المجتمع العربي وخصائصه، فإن من بين ما يشير اليه المؤلف أنه فيما يحتل هذا المجتمع موقعا مركزيا استراتيجيا في خريطة العالم الجغرافية والحضارية، فإنه على صعيد آخر هامشي قليل الفعل كثير الانفعال بين مجتمعات العالم الحديث.

ويذكر في معرض تحليله أنه اكتشف أن بين أهم مصادر الإحباطات لعربية عدم التمكن من العمل الفريقي في حل المشكلات المستعصية حيث إن الكثير من التغيير الذي حدث بسرعة مذهلة طيلة القرن العشرين تم لنا دون مساهمة فعالة من قبلنا حتى أصبحنا نحس وكأننا لا نملك نقاط ثبات نرتكز إليها وأن أقدامنا لا تطأ أرضا صلبة، على نحو يجعل المؤلف يقرر أن المجتمع العربي يعيش لزمن طويل في حالة مواجهة وصراع بين قوى متعددة متناقضة وهو منذ قرن ونصف على الأقل يختبر ولادة عسيرة ويعيش حقبة النهوض بعد نوم عميق لعدة قرون مظلمة.

ويخلص المؤلف إلى أن مهمات التغيير تقتضي العمل على تجاوز حالة الاغتراب التي نعانيها على صعيد الأفراد والجماعات والمجتمع من خلال فصل استشرافي للمستقبل وهو ما يسميه نهاية قرن بداية قرن : التغيير التجاوزي أو التغيير الثوري الشامل على نحو يمكننا من اجتياز المرحلة الانتقالية المحبطة التي عاشها المجتمع العربي ولا يزال يعيشها منذ فترة طويلة مليئة بالكفاح المرير لم نتمكن خلالها من أن نتحرر فعلا من ثقافة الماضي كما لم نقترب كثيرا من تصوراتنا المستقبلية لأنفسنا وللإنسانية ونحن جزء مهم من تاريخنا وإسهاماتنا الحضارية لذلك ما نزال نعيش واقعا مأساويا يتجاذبه الماضي والمستقبل والأمل والخيبة دون استقرار.

وفي تحديده لمقومات هذه العملية من التغيير يشير المؤلف إلى أنها عملية تحول جذري في البنى والأوضاع والعلاقات القائمة واستبدال نظام بآخر وتجاوز لحالة الاغتراب الذي نعيشه على صعيد الأفراد والجماعات والمجتمع أو الأمة ككل، أي الانتقال من مرحلة الانفعال الى مرحلة الفعل بالتاريخ ومن مرحلة التأقلم الى مرحل صنع التغيير الثوري الشامل حسب ما نريده لأنفسنا خلال قرن من الكفاح المضني بذلك يصبح لنا، حسبما يذهب المؤلف، محور وإرادة ورؤية.

ومن أجل رسم إطار عام لعملية التغيير التجاوزي في المجتمع العربي في نهاية القرن العشرين ودخول القرن الحادي والعشرين يتوقف المؤلف عند جوانب أساسية من الواقع العربي الحاضر أي حالة الاغتراب وأزمة المجتمع المدني ومسألة العولمة وفشل مختلف نماذج ومخططات التنمية الاقتصادية التقليدية ومشاريعها الاعتباطية تمهيدا لتقديم تصور بديل للمستقبل العربي يستند الى مقولات التحول الثوري والتنمية البشرية المستدامة عن طريق تنشيط المجتمع المدني الذي هو في صلب قيام ديمقراطية تنبثق عن الواقع الاجتماعي العربي وتوازن بين الحرية والعدالة الاجتماعية.

الكتاب: المجتمع العربي المعاصر

تأليف: د. حليم بركات

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2008

الصفحات: 638 صفحة

القطع: الكب

ألفت عبد الله

Email