أوراق ملونة من الفن العراقي

أوراق ملونة من الفن العراقي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«شعور غامض آسر، ينساب عبر إيقاع لحظات تبدأ من المجهول ثم تمضي إلى المجهول.. فيما يبدو المرسم، بعد إغماضه للعين وانتباهتها، ساكناً مرمياً وهو يسبح في أنوار الصباح» بهذه الكلمات، يمهد الفنان التشكيلي العراقي، والناقد الفني نوري الراوي لكتاب «أوراق ملونة من الفن العراقي» الذي تضمن مجموعة من الحوارات الهامة التي أجريت معه، خلال أزمنة متباعدة.

والتي لا تحيط بمعالم تجربته الرائدة في الرسم والكتابة فحسب، وإنما تعكس أيضاً، جانباً مهماً من ملامح حركة الفن التشكيلي العراقي المعاصر الذي رافقها نحو سبعين عاماً، وعمل في أهم مفاصلها، وأرخ لها بأكثر من كتاب وبرنامج تلفزيوني ومقال. الشاعر والناقد فاروق يوسف أجرى حواراً مطولاً مع الفنان الراوي الذي أكد فيه أن الرسم والكلمات، جدولان، توازى انسيابهما معاً منذ الغيوم الأولى لطفولته المبكرة، حتى مشارف بياض هذا اليوم. ويشير الراوي إلى أن الكلمة الجميلة كانت تفعل فعل السحر في نفسه منذ انفتاح أكمام الوردة الطفولية في الصف الخامس الابتدائي. ومثل فراشة كان يصطادها في حقول اليقظة من أفواه القارئين ثم يعمد إلى تحنيطها في دفتر الإنشاء المدرسي الذي ما زال يحتفظ به حتى الآن مؤرخاً في عام 1934 .

و يؤكد الفنان الراوي في حواره مع الصحافية منى السعيد أن ثمة خيط غير منظور ظل يربطه بماضي نشأته الأدبيّة. لذا فقد أصبحت لغة التشكيل لديه مطواعة لحمل هذه الشفافية الشعريّة المقرونة بهاجس تحميل كل لمسة لون، وكل لحظة صمت بشحنة من الألق الداخلي الذي لا يناله النضوب، بل تكوكبه حالات من الحب والمكاشفات. إنها وليمة وعد في الغيب يتعذر الوصول إليها من خلال نشوة الروح.

أما في حواره مع هدية حسن فيؤكد نوري الراوي أن عملية الإبداع الفني تشبه تشييداً صامتاً في الدواخل، وهي بهذا الوصف المُبسط، يمكن أن تكون أقرب إلى النمو الوئيد للشُعب المرجانية في أعماق المحيطات.

يقول لماجد السامرائي أن من ينظر إلى أعماله الفنية بعين عابر سبيل وليس بعين المتأمل، قد يتوهم أنه يرسم مكاناً بعينه من هذا العالم، ويفوته أن يقرأ في هذه اللوحات، بأن ما يدركه بالخطأ، ليس «المكان» بدلالاته المفترضة المشهودة، وإنما هو الحالة الذهنية التي تحولت إبداعياً إلى عالم شهادة ترمزت بكل أدوات التعبير، فارتفعت بقوة الفعل الإيحائي إلى مرتبة الصفاء الكلي.

ويعترف للكاتب أموري الرماحي بأن سلسلة أعماله التي أنجزها خلال السنين الأخيرة، قد توحي بأن قرية ما، حلمية بيضاء، تخرج للتو من بين الغيوم وتفاجئنا برؤية معماريّة هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. إنها قرية الطفولة والأحلام والسعادات التي استحالت إلى ذكريات، ذلك لأنها تتألف من عناصر معماريّة مستخلصة من تجربته الرؤيوية للعالم، أما في حواره مع سعد فيؤكد أن أعماله الفنيّة الأخيرة تبدأ بالبهجة وتنتهي إلى الحكمة، ذلك لأن عالمه الفني منسوج من ذات الخيوط السحرية التي تشكلت بها حياته، غير أنها في الوقت ذاته ليست سيرة ذاتية بقدر ما هي بحث واكتشاف لعناصر تختزل رؤيته للحياة وللكون إلى أقصى حد.

فالكتابة والرسم هي سبيله لطرح الأسئلة في عالم مجرد من أي تعرف، ويقول لسوسن الجزراوي أنه ما من فنان عراقي أوسع للمرأة فسحة حياته الفنيّة والوجدانيّة مثلما فعل هو حيال هذا العالم الإنساني الساحر الذي كان وما يزال يعد بألف فردوس أخضر. ويشير إلى أن كل موجة من أمواجه، حملت الأحاسيس المرهفة لهذا الرمز الجميل، ثم رفعه إلى مرتبة التقديس. وفي آخر حوارات الكتاب يقول لسهير السلمان يتحدث عن معايير الجمال في الفن

الكتاب: أوراق ملونة من الفن العراقي

إعداد: نوري الراوي

الناشر: وزارة الثقافة دمشق 2008

الصفحات: 80صفحة

القطع: المتوسط

د. محمود شاهين

Email