تسعى الأمم إلى تخليد مبدعيها، ليس عبر إطلاق أسمائهم على الشوارع والساحات فحسب، بل إلى الإعلاء من شأنهم عبر تذكارات من شأنها ان تكون موضع تداول بين الناس، ولعل طوابع البريد من أبرز تلك التذكارات التي تنقل صورة المبدع من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن دون عناء كبير وفي ظل طاقة قصوى من مشاعر التقدير الرسمي والشعبي.

لقد كانت طوابع البريد خير رسول يحمل الأخبار داخل مظاريف ورزم وكان أول إصدار لطابع بريدي في إنجلترا عام 1840 وهو يحمل صورة الملكة فيكتوريا ثم في ألمانيا عام 1849 وقد صدر أول طابع في مصر عام 1866 في عهد الحكومة الخديوية، وقد أصبحت هواية جمع الطوابع واحدة من أبرز هوايات الناس، وأنشئت لهذا الغرض جمعيات وهيئات ولها عشاق يطاردون الطوابع القديمة أينما كانت.

طابع البريد يحمل بعضاً من الوظائف فهو بمثابة القيمة المالية الرسمية في بعض الدول، وهو أداة من الأدوات التوثيقية للأحداث والعادات التي تمر على حياة الأمم، وإثبات حالة واقعة على الأرض كتوثيق سلطة دولة، ووسيلة إعلامية وتثقيفية تبرز إنجازات الوطن وتنقل مراحل تطوره للأجيال المقبلة إلى أن انتقلت إلى دعم اقتصادي للسلطان والأفراد حيث إن كثيراً من الدول تعتبر الطابع من الموارد المهمة للخزينة الرسمية.

وللطوابع عدة أنواع، منها الطابع العادي وهو الذي يطبع منه كميات كبيرة ويتم إعادة طباعته باستمرار، والطابع التذكاري الذي يحمل تاريخاً لمناسبة معينة، أو رسماً يخلد شخصية وطنية أو إبداعية، وهو يحمل قيمة مضاعفة نظراً للجهد الاستثنائي في تصميمه، وعادة ما توكل هذه المهمة إلى فنان معروف ليرسم المتنبي مثلاً اعتماداً على خصوبة الخيال، الخيال القادم من أبيات فخره وحماسه واعتزازه بنفسه، ولا يقل محمود درويش شأناً في ذلك وخاصة ان السلطة الفلسطينية أطلقت مؤخراً طابعاً لتخليد ذكراه.

غير ان الطابع البريدي هو المنتج الوحيد الذي كلما كانت فيه أخطاء طباعية كان الطلب عليه أكثر، كون الخطأ الطباعي من النادر حصوله، لذلك فإن الخطأ إن وجد فإنه يزيد من سعر الطابع بين الهواة، ويزيد من الطلب عليه. ولذلك تحصل الهيئات الرسمية على التدقيق قبل فسح الطابع وخاصة تلك الفئة التذكارية لأن قيمتها باقية عبر الزمن، بينما طوابع البريد تتراجع قيمتها في ظل البريد الالكتروني الذي أحال عصر التراسل الورقي إلى المعاش.

hussain@albayan.ae