المئة عام القادمة

المئة عام القادمة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان جورج فريدمان، الكاتب والإعلامي الأميركي الشهير، قد قدّم في عام 2004 كتاباً حول «الحرب السرية لأميركا» عالج فيه ما أسماه «الصراع العالمي المخبوء بين أميركا وأعدائها».

وشرح ما اعتبره الأسباب التي قادت إلى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن على ضوء العلاقات التي أقامتها الولايات المتحدة مع بلدان الشرق الأوسط.وفي هذا الكتاب الجديد «المئة عام القادمة» يقدم جورج فريدمان «توقعاته بالنسبة للقرن الحادي والعشرين». إنه يرى أن بولندة وتركيا والمكسيك سوف تصبح قوى عالمية كبرى جديدة في نهايات هذا القرن. ويشير إلى أنه لا ينبغي القلق من قوة الصين وروسيا ذلك أن هذين البلدين سوف تتضاءل قوتهما في نفس المنظور على غرار المصير الذي كانت قد عرفته الأنظمة الشيوعية السابقة، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي.

ولا يتردد فريدمان في القول أن «الحرب» التي خاضتها الولايات المتحدة ضد ما أسمته ل«الإرهاب الدولي» سوف تكون مجرّد أثر بعد عين، إذ سوف تنمحي من الذاكرة تقريبا.

إن المؤلف يقدّم «قراءاته» للمئة عام القادمة في 13 فصلا بالإضافة إلى مقدمة تحمل عنوان: «مقدمة للعصر الأميركي»

. يحمل الفصل الأول عنوان: «فجر العصر الأميركي» ثم تتوالى الفصول للبحث في «الزلزال: الحرب بين الولايات المتحدة والمتطرفين» ثم «حروب السكان والحواسيب والثقافات» و«الصين عام 2020: نمر من ورق» و«روسيا 2020: الجولة الثانية» و«القوة الأميركية وأزمات سنوات 2030» و«عوالم جديدة صاعدة» و«سنوات 2040: التمهيد للحرب» و«التحضير للحرب» و«سيناريوهات حرب عالمية» و«سنوات 2060: العقد الذهبي» ويحمل الفصل الأخير عنوان: «سنوات 2080: الولايات المتحدة والمكسيك والصراع من أجل الهيمنة العالمية».

وفي هذه الفصول كلها يستخدم المؤلف خبرته الطويلة في تدريس النظريات السياسية وفي تقديم الاستشارات للقوات المسلّحة الأميركية حول مسائل الأمن القومي، ليقدّم مجموعة من «القراءات» التي تتعارض، إلى هذا الحد أو ذاك، مع مؤشرات الحقبة الحاضرة، مثل اعتباره أن الازدهار الاقتصادي لروسيا والصعود الكبير للصين ليس سوى «مرحلة عابرة» وسيخبو بعدها «بريقهما» الراهن.

ويشابه بين بدايات هذا القرن الحادي والعشرين مع ما كانت قد عرفته بدايات القرن الماضي (العشرين) الذي عرف حربين عالميتين وعشرات الحروب الأخرى.

يقول: «يبدو لي أن العالم الذي نعيش فيه اليوم شبيه بما كان قد عرفته بدايات القرن العشرين».وبالإضافة إلى توقّع «انهيار» الصين وروسيا، ينبئنا جورج فريدمان أن التقهقر الديموغرافي الذي يعرفه العديد من بلدان العالم المتقدمة اليوم، وبالتوازي مع زيادة كبيرة في متوسط عمر الإنسان بحكم ما حققه العلم والتكنولوجيات من تقدّم، سيواجه أولئك الذين وُلدوا ما بين عام 1970 وعام 1990 «فوضى كبيرة على صعيد الضرائب».

ولا يستبعد المؤلف أن تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى الدخول في «معركة» من أجل استقدام يد عاملة مطلوبة أكثر فأكثر. هذا إلى جانب التأكيد أنه إذا كان يجري اليوم «طرد» اللاجئين بأعداد كبيرة على الحدود الأميركية، فإنه اعتبارا من موعد 20 عاما منذ الآن سوف سيتم تبنّي سياسة تشجيع المهاجرين، بما في ذلك تقديم الكثير من التسهيلات، مثل تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، لكل من يُبدي الرغبة في القدوم إلى بلاد العم سام.

ومنذ البداية يعود المؤلف بقارئه إلى عام 1900 حيث كانت «لندن هي عاصمة العالم» و«أوروبا كانت تعيش بسلام وتنعم بالازدهار». لكن مثل تلك الصورة تغيّرت تماما منذ عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى .

حيث كانت القارّة القديمة قد عرفت مقتل الملايين من أبنائها. وكان لا بد من تدخّل الجيش الأميركي من أجل وضع نهاية للحرب. لكن لم تكن أميركا سوى عبارة عن «بلد محيطي يدور في تلك القوة الأميركية».

ونقلة أخرى يقوم بها المؤلف لرسم صورة أوروبا عام 1940 ثم عام 1960 حيث كانت «الولايات المتحدة قد أثبتت نفسها باعتبارها القوة العظمى على الصعيد العالمي».

وآنذاك كانت البدايات الحقيقية ل«العصر الأميركي» ليخبو بالمقابل «نجم» أوروبا. وبهذا المعنى كانت الحرب العالمية الثانية هي «المعركة النهائية الحاسمة بالنسبة للعصر القديم»، كما يكتب المؤلف.

أما البداية الفعلية للعصر الأميركي فيتم تحديدها في شهر ديسمبر- كانون الأول 2001، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ل«تبقى الولايات المتحدة هي القوة الكونية الوحيدة».

وكانت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 هي بمثابة «الزلزال» الذي حاولت أميركا بعده أن تؤسس ل«إستراتيجية شاملة» تؤمن سيطرتها على العالم عبر قوة الجيش الأميركي. وخاصة قوى سلاحه البحري في «فترة ما بعد الصدمة». وجاءت في مثل ذلك السياق «حرب الثقافات».

وإذا كان جورج فرديمان يرى انحسار قوة الصين وروسيا ابتداء من عام 2020 فإنه يتنبأ لأميركا بسلسلة من الأزمات اعتبارا من عقد الثلاثينات القادم. وهي أزمات يحددها بخمس دورات متعاقبة سيبرز بعدها «عالم جديد». وتأتي جدّته من بروز قوى جديدة يتم تحديدها بتركيا وبولندة.

وعندها سينطرح السؤال التالي: «ماذا سيكون عليه ميزان القوى في علاقات الولايات المتحدة ببقية العالم»؟ كما نقرأ. وعبر محاولة الإجابة عليه يتم القول أن أفق حرب جديدة سيلوح في الأفق على قاعدة تحالفات ستقوم آنذاك وسيكون على الجميع أن يتهيئوا لذلك.

وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب يشرح المؤلف كيف أن المكسيك منذ الآن وحتى عام 2080 ستشكل التهديد الأكبر للولايات المتحدة أولا بسبب قربها الجغرافي وثانيا بكونها المصدر الأساسي لليد العاملة. والنتيجة هي «مواجهة جديّة بين الولايات المتحدة بين المكسيك التي تتعاظم قوتها ونزعتها التسلطية» وكتاب ليس جديرا بالقراءة فحسب، ولكن بالترجمة ووضعه بين يدي أصحاب القرار.

الكتاب: المئة عام القادمة

تأليف: جورج فريدمان

الناشر: دوبلداي نيويورك لندن 2009

الصفحات: 253 صفحة

القطع: المتوسط

The next 100 years

George Friedman

Doubleday - New York، London 2009

253.P

Email