مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يهتم وليم نجيب جورج نصار مؤلف كتاب «مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي» بتحديد وتوثيق المعاني والمفاهيم المتصلة بمفهوم الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة في القانون الدولي. ويطاول ذلك مختلف الخروقات وأشكال الجرائم التي تعتبر الأقدم والأهم في المعالجة الدولية.

وتلك التي تمارس بحق الإنسان في المعتقلات والسجون إلى جانب جرائم الإبادة والتعذيب والعبودية والفصل العنصري والاختفاء القَسْري والعنف الجنسي والسجن التعسفي والاضطهاد.

كما يهتم بوصف وتحديد طرق الملاحقة الدولية لهذه الجرائم، وما يتصل بها من أشكال الحماية المطلوبة في أوقات السلم والحرب، ساعياً إلى تبيان حدود الجريمة والعقاب خلال الحروب وما بعدها.

ويقدم المؤلف تحليلاً لأسباب تعطيل مفعول القانون الدولي وفشله في توفير الحماية للإنسان، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، حيث ظهرت المعايير المزدوجة للدولة المؤثرة والفاعلة في التعامل مع مختلف قضايا العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.

وينطلق من افتراض أن القانون الدولي قد تطور إلى الحد الذي يصنف فعلاً الجرائم ضد الإنسانية، ويعتبرها الأكثر خطورة في الممارسات الدولية ويطالب بملاحقة ومحاسبة ومعاقبة مرتكبيها مهما كان شأنهم على رغم أن القوى المنتصرة ترى أن القانون الدولي لا يطالها وبأنها يجب أن تكون محمية من الملاحقة والمحاسبة والعقاب.

ويتطرق المؤلف، من خلال فهم المعنى والمفهوم إلى تناول الملاحقة الدولية لمرتكبي الجرائم الدولية وكيفية تطور هذه الملاحقة إلى درجة الوصول إلى تشكيل المحكمة الجنائية الدولية.

ثم يتحدث عن تلك الجرائم كما يراها ويعرفها القانون الدولي معتبراً أن القانون الدولي قد تطور إلى درجة يمكن فيها للمجتمع الدولي ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وذلك بالرغم من أن بعض القوى العظمى تحاول الإفلات من أحكام القانون الدولي التي شاركت هي في وضعها أساساً ليكون قانوناً لمحاسبة المهزومين، فأصبح الآن قانوناً دولياً لمحاسبة كل المخطئين منتصرين كانوا أم مهزومين حيث إنه أصبح حاجة ملحة دولياً لملاحقة ومحاكمة ومعاقبة كل من يقترف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ويخالف القانون الدولي الإنساني.

وترجع بدايات الحديث عن الجرائم ضد الإنسانية إلى الحرب العالمية الأولى، لكنها لم تصبح جزءا فعلياً من القانون الدولي إلا في الحرب العالمية الثانية وبالتحديد نتيجة الفظائع التي ارتكبت في هذه الحرب، مع أن الجرائم ضد الإنسانية كما هي معروفة اليوم هي ممارسات قديمة موغلة في قدمها في التاريخ لكن محاولة تلمس طريقة لوقفها بدأت في الحرب العالمية الأولى.

ثم تطور هذه المحاولة إلى سعي حقيقي إلى تقنينها ضمن القانون الدولي، لتصبح ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم وملاحقتهم جزأ من القانون الدولي بعد أن كان الحديث عنها مجرد تصورات ليبرالية لما يجب وقفه ولما تجب المعاقبة عليه.

وقد أوردها ميثاق لندن الذي على أساسه قامت محاكم جرائم الحرب الدولية في نورمبورغ وطوكيو، ولإدراجها ضمن الجرائم الدولية اعتمد واضعو هذا الميثاق على التقرير الذي أصدرته لجنة جرائم الحرب بعد الحرب العالمية الأولى وذلك للدلالة على استمرارية العلاقة في القانون الدولي الذي نشأ في أعرافها أساسا حتى لو جاءت مخالفة لهذه الأعراف والقانون في فترة الحروب.

ويورد المؤلف ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي عرف باسم «نظام روما»، ويعتبر أن الجرائم الإنسانية قد ترتكب في أي من النزاعات المسلحة، وقد ترتكب من قبل الدولة ضد مواطنيها، وهو بهذا المعنى طوّر مفهوم الجرائم الدولية لتشمل ملاحقة مقترفيها حتى لو كان ذلك قد تم داخل الدولة ضد مواطنيها، وضمن ما تعتبره من أمورها السيادية.

وتعني الجرائم ضد الإنسانية تلك الجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، وبشكل منهجي وضمن خطة للاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد ضد الطرف الآخر، وذلك بمشاركة مع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو الديني أو العرقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسباب أخرى من الاختلاف.

وغالباً ما ترتكب هذه الأفعال ضمن تعليمات يصدرها القائمون على مجريات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، ولكن ينفذها الأفراد. وفي كل الحالات، يكون الجميع مذنبين، من مصدري التعليمات إلى المحرضين، إلى المقترفين بشكل مباشر، إلى الساكتين عنها على الرغم علمهم بخطورتها، وبأنها تمارس بشكل منهجي ضد أفراد من جماعة أخرى.

ولا شك في أن تطبيق القانون الدولي يحتاج إلى الإدارة السياسية للمجتمع الدولي، الذي تتحكم بقراراته الفعلية الدول الكبرى، وخاصة الدولة الأعظم، وهي الولايات المتحدة، التي تستطيع أن تمنع تنفيذ أحكام القانون الدولي عندما ترى أن الأمر سيمس مصالحها أو مصالح حلفائها المقربين، أو تفرض تطبيقه بشدة عندما ترى أن هذا لا يمس مصالحها، وأن مصلحتها هنا الظهور بمظهر الدولة التي تحترم القانون الدولي وتسعى إلى تطبيقه بشكل دقيق، ليسود النظام في المجتمع الدولي.

ويبدو أن مثل الولايات المتحدة هو الأبرز في مجال الوقوف أمام القانون الدولي لمنع ملاحقة جنودها أو موظفيها الرسميين أو مواطنيها العاديين، ممن اقترفوا جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.

ولكنها ليست الوحيدة في هذا المجال، فالكثير من الدول ترى أن ملاحقة مواطنيها على المستوى الدولي هو انتهاك لسيادتها، وتحتفظ لنفسها بحق محاكمة أي منهم، ممن اقترف أياً من هذه الجرائم الدولية، رغم أن العديد من النظم القانونية الجنائية الوطنية لا تحتوي على قواعد تهدف إلى مقاضاة مثل هؤلاء المجرمين.

وهي بالأساس لم تستقبل الاتفاقيات الدولية الخاصة بالقانون الدولي الإنساني ضمن نظامها القانوني الوطني. ويلاحظ بشكل واضح التأخر في استقبال هذه الاتفاقيات من قبل معظم النظم القانونية الوطنية، مما يعيق أي توجه لدى هذه الدول لتقوم فعلاً بملاحقة مواطنيها الذين ارتكبوا جرائم دولية تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.

الكتاب: مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

تأليف: وليم نجيب جورج نصار

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2009

الصفحات: 543 صفحة

القطع: الكبير

عمر كوش

Email