«لتحرير عقولنا من هيمنة المستعمر علينا ألاّ نرى تجاربنا الشخصية كجزر صغيرة منفصلة عن غيرها من التفاعلات» قول نادى به الروائي والمسرحي الكيني نغوغي وا ثيونغو، الذي يعتبر أهم كاتب في كينيا ويحظى بشعبية واسعة كمناضل سياسي ومسؤول عن إعادة المنهج الدراسي إلى لغته الأصلية بعد خروج المستعمر. كما يعتبر أول من كتب رواية باللغة الانجليزية من شرق افريقيا.

ولد ثيونغو عام 1938 في ليمورو وينتمي إلى قبيلة كيغويو التي تشكل النسبة الغالبة من سكان كينيا، وهو الابن الخامس من الزوجة الثالثة لوالده. وبعد دراسته في المدارس التبشيرية، أكمل دراسته الجامعية في أوغندا وتخرج عام 1963، وعمل كصحافي إلى حين في نيروبي، ثم تابع دراساته العليا في جامعة ليدس في لندن وأول كتاب أصدره كان مسرحية «الناسك الأسود» عام 1962 التي عرضت في كمبالا، ثم نشر بعد عامين خلال دراسته في بريطانيا روايته الأولى «لا تبك، أيها الطفل» التي حققت له شهرة واسعة في بلده وخارجها، وفي العام التالي نشر رواية جديدة بعنوان «النهر بينهما» ومحورها ثورة المتمرد ماو ماو التي بدأت عام 1952 واستمرت لمدة أربع سنوات. وفي عام 1967 نشر رواية «حبة قمح» التي استوحى قصتها من الإنجيل عن التضحية بالنفس لولادة جديدة.

وفي روايته «لا تبك، أيها الطفل» يتناول محورين أساسيين، هما أهمية التعليم لبناء مستقبل الإنسان ومقاومة المستعمر دون مهادنة. واعتمد في كتابته للرواية الأسلوب الخاص ببناء شخصية البطل منذ طفولته وحتى مرحلة نضجه من خلال رصد وتطور الجانب النفسي والأخلاقي وتأثير المجتمع المحيط في به.

تبدأ الرواية بالمنعطف الأول في حياة البطل الفتى نجوروغي البالغ من العمر تسع سنوات، والذي يتمثل في اقتراح والدته عليه في الذهاب إلى المدرسة، لتفتح هذه الأمنية أمام الفتى عالما جديدا. وفي اليوم الدراسي الأول يذهب مع التلميذة مويهاكي ابنة الإقطاعي جاكوبو المالك الوحيد في المنطقة من البشرة السوداء. وتنشأ بين الطفلين صداقة متينة تستمر حتى مرحلة نضجهما.

يعمل والد نجوروغي الذي يدعى نغوثو لدى السيد الأبيض هولاندس الإقطاعي الثري. وعمله عنده ليس عن طيب خاطر بل بهدف البقاء بالقرب من أرض أسلافه التي سلبها منهم المستعمر الأجنبي، وكان مؤمنا بعودة الأرض إلى أهلها الأصليين، ولم يكلّ أبدا من رواية قصص بطولات الأسلاف لأبنائه.

كان بورو الابن البكر لنغوثو يتفاعل مع تلك القصص ويرى أن التمرد والقوة هما الوسيلة الوحيدة لطرد المستعمر. وبعد خدمته في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية وجد نفسه بلا عمل أو أي اعتبار، وأدرك جميع الشبان الذين حاربوا معه أنهم كانوا مجرد أداة في يد المستعمر التي استغنى عنها بعد تحقيق غايته.

يشكل هؤلاء الشبان مجموعة تمرد في نيروبي، لينتقلوا بعدها إلى قرية أسرته وينظمون إضرابا للعمال بهدف رفع أجورهم ومساواتها مع البيض. يجبر بورو والده على الاختيار بين الانضمام إلى الإضراب أو الخضوع للمستعمر، وبلا تردد يختار حرية بلده.

وحينما يحاول المالك جاكوبو صديق الانجليز تهدئة العمال وإقناعهم بإنهاء الإضراب، يفقد نغوثو أعصابه ويتهجم عليه متهما إياه بالخيانة. وبذا بدأت القطيعة بين العائلتين، وإن استمرت الصداقة بين الطفلين الذين كانا يلتقيان في فترة الصيف إذ كان نغوروغي خلال تلك الفترة قد انتقل إلى المرحلة الإعدادية في حين ذهبت مويهاكي إلى مدرسة داخلية.

وفي السنوات التالية تنشط حركة ماو ماو للتمرد، وتزداد أعمال العنف والإرهاب، ويتناقل التلاميذ قصصا عن تلك الحركة ويتساءل نغوروغي إن كانت عائلته مشاركة فيها. ومع اضطراب الوضع يتحول جاكوبو إلى رئيس للمنطقة لقمع حركات التمرد، أما الملاك البريطانيون فتحولوا من مزارعين إلى مسؤولين وضباط يطاردون قادة الحركة.

ينضم بورو وشقيقه كوري إلى الحركة، وعلى الرغم من رفض نغوثو الانضمام إليها، إلا أن ذلك لم يحمه من القبض عليه وعلى ابنه نجوروغي الذي سحب من صفه في مدرسة الثانوية وكان في التاسعة عشرة من عمره، حيث عذب كلاهما للاعتراف باسم قاتل جاكوبو قبل إطلاق سراحهما، ليفارق والده الحياة بعد اعتلال صحته.

وما إن تمضي بضعة أشهر حتى يقتل بورو المالك هولاندس، فيتم القبض عليه وإعدامه. ينهار نغوروغي ويحاول الانتحار بعد أن فقد كل شيء حتى صداقة مويهاكي التي عاملته بجفاء بعد موت والدها. تنجح والدته في إنقاذه في اللحظات الأخيرة فيعود إلى البيت مدركا أنه بات المسؤول عن حياة ما تبقى من أفراد أسرته.

الكتاب: لا تبك أيها الطفل

تأليف: نغوغي وا ثيونغو

الناشر: هاينمان - لندن1988

الصفحات: 144 صفحة