الرسم المعاصر في العراق

الرسم المعاصر في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسعى عادل كامل في كتابه «الرسم المعاصر في العراق» الإحاطة بواقع الحركة الفنية التشكيلية بالعراق؛منذ مراحل التأسيس وحتى الآن. فيُورد أنَّ هناك أكثر من ألفي رسام ونحات ومصوِّر زيتي لغاية2001. والرسم في العراق كما في الأقطار العربية الأخرى، تأثَّر بالأساليب الأوروبية، وبعد عام 1958 تبلور اتجَّاهٌ تعبيري ارتبط بالواقع الفعلي للناس- مثلاً؛ عند عطا صبري، وخالد الجادر، وهو اتجاهٌ لا يمكن تسميته بالتعبيرية لمدرسة، ولكنَّه ينتمي إليها أكثر من انتمائه إلى مدرسة أخرى، وبالتأكيد ظهر هذا الاتجاه قبل سنوات 1958 في أعمال جواد سليم، محمود صبري، شاكر حسن، وخالد الرحال.

قام المؤلِّف باستعراض أسماء وقراءة أعمال الفنانين العراقيين الذين وصل عددهم في كتابه هذا إلى نحو(500) خمسمئة فنان تشكيلي منهم؛ جواد سليم الذي تأثَّر بكلٍ من هنري مور وبيكاسو وجان ميرو، وبالفن العربي القديم، والإسلامي- فن الواسطي بشكل خاص. وشاكر حسن الذي يُعتبر من أكثر الفنانين العراقيين بحثاً عن المضامين الفكرية، ومحمود صبري الذي يُقرِّر أنَّ عمله(الشهيد/ ثورة الجزائر) من أهم الأعمال الفنية العربية.

وفائق حسن الذي كان رائداً للواقعية في الفن التشكيلي، وحافظ الدروبي أغزر الرسامين نتاجاً، وأكثرهم قلقاً وحباً للمغامرة الأسلوبية، وعطا صبري، وخالد الجادر، ومحمد على شاكر، وغالب الناهي وإسماعيل الشيخلي، وكاظم حيدر، وإسماعيل فتاح، وضياء العزاوي الذي كان اختياره للمعلَّقات كجزءٍ من التراث الأدبي للأمَّة، إنَّما كان تعبيراً عن التزامه باستلهام الموروث والاستعانة به كرمزٍ نجدِّد به ذاكرتنا، كون هذه الأعمال تريد تخلق اتجاهاً إلى جعل الموروث الأدبي، والشعري بشكل خاص مادةً تشكيلية تعالج بشكل معاصر.

ثمَّ يذهب عادل كامل إلى قراءة أعمال رافع الناصري حيث يرسم ما لم يعد مرئياً، يضع المخفي إلى جانب الظاهر لكي يحافظ على قانون الانبثاق، فهو فنان منذ عاد من الصين- جاء ليرسم الومضة، ويتمسَّك في امتدادها وعلى مدى أربعين سنة من عطائه، فالومضة عنده امتلكت زمنها لكي لا تكون مستقبلاً ماضياً، أو ماضياً ممتداً إلا داخل النص، فالفن عنده سيغدو علاقة في الزمن، والتسامي الذي يخص الموقف والأسلوب والشخصية، لأنَّه كان يمسخ المسافة؛دهشةَ الومضة وسرَّها.

في قراءته لأعمال نوري الراوي 1925- يرى أنَّه في بداياته تأثَّر بأساتذته جواد سليم وفائق حسن، ولكن تأثير جواد سليم دفعه لفهم ذاته تجاه المرئيات، فاخترع لعبته على طريقته فانحاز للماضي (القرية)، وللطفولة(البراءة)، وأغفل عالم المدينة النثري لصالح الشعر، وصوَّر الأسطورة على إنَّها مشاهد الحياة الواقعية للذاكرة، ومنح الشعر في الرسم طاقةً الموسيقى على التعبير، وجعل المرأة رمزاً للخصب المرتجى.

ثمَّ يُخبرنا عادل كامل بأن جبرا إبراهيم جبرا كما كان شاعراً وروائياً وقاصاً فقد بدأ حياته رساماً، وليس مصادفةً أن يأتي جبرا إلى بغداد في نهاية الأربعينيات، ويلتقي جواد سليم ويتعرَّف على أبرز الفنانين ويشاركهم همومهم الإبداعية، فالأعمال التي رسمها وهي قليلة إلا إنَّه لا يمكن نسيانها، وقد رسمها في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كان جبرا عضواً مؤسِّساً وفعالاً في جماعة بغداد للفن الحديث التي كان جواد سليم محورها ومؤسسها. أما إسماعيل الشيخلي وهو من الرواد، فهو ممَّن تمسَّك بشيءٍ اسمه(الفن) والذي أخلص له أكثر من نصف قرن، وهذا يذكِّرنا بالأجداد الأفذاذ حيث يشكِّل أحد أركان الحداثة العراقية العربية.

لقد صوَّر الشيخلي العادات الاجتماعية، والحياة الروحية للناس، وبالمعنى العظيم للواقعية، فلم يجرِّب الأساليب الأوروبية أو يتَّخذ منها أسلوباً، بل رسم شخصيته ذات الجذور الواقعية وبمنطق الخطاب الحديث. ثمَّ نذهب إلى التجريبية التي(فائق حسن) أحد روادها، فنقرأ عن فرج باصات، خالد النائب، خالد البصام، فرج عبو، فاضل عباس، نزيهة رشيد، قحطان المدفعي، قتيبة الشيخ نوري، قاسم ناجي، بهجت عبوش، هيثم فتح الله، نزيهة سليم، منى شمس الدين، نجاة حداد، نزهة الخليفة، ليزا فتاح الترك، مهدي مطشر.

ثمَّ يعرض عادل كامل للجانب الاجتماعي والبعد النفسي في أعمال الفنانين العراقيين، وللمخيلة وأثرها في العمل الإبداعي، وللجانب السياسي، وجماليات الطبيعة فيذكر ابتسام حسين نصرت التي ارتبطت تجربتها بعالم المدينة، ومهين الصراف التي استلهمت من الطبيعة موضوعات خطابها الجمالي، وزينب مهدي، وبهية حكيم، وخضر جرجيس، وابتسام شبر، وليلى العطار التي يعتبرها أسطورةً كان فنُّها يوحي باغترابٍ، وبحزنٍ عميق، الأمر الذي جعلها تتَّخذ من الطبيعة موضوعاً للخلاص، فهي تذكِّرنا برومانسية معاصرة للشقاء الذي تعاني منه النفس في عزلتها الاجتماعية والنفسية والفلسفية.

ورافع الناصري الذي كما يرى عادل كامل أنَّ رسوماته لا تعمل كمصابيح في ليلٍ مظلم، على الرغم من أنَّها تجذبنا إليها كبرقٍ لايحدث إلا كتراكم يختفي. إنَّه يرسم ما لم يعد مرئياً؛ إنَّه يضع المخفي إلى جانب الظاهر لكي يحافظ على قانون الانبثاق. كذلك ماضي حسن الذي يحمل جينات وراثة مليار سنة تخص خلايا الحس والوعي، ليصوِّر وليعبِّر عن خزين لايفارق الومضات الخفية داخل الوعي البشري؟!.

وإسماعيل فتَّاح الترك الذي منح النحت العراقي القديم- جيل التأسيس- شرعية صياغة الخطاب الذي لا يتقاطع مع الحداثة، وفي الوقت نفسه لا ينسحب لحلول أحادية، ويرى أنَّه سيكون الجسر الأكثر دينامية بين الرواد وتجارب الألفية الثالثة. ذلك لأنَّ أشخاصه- منحوتاته- هم الأكثر تعرُّضاً للحذف، الخارجون من مدافن ومعابد قديمة لايؤدُّون أدواراً هامشية، فالاغتراب الذي سكنهم لا يجعل منهم علامات آثارية، أو رموزاً تعويضية، بل جعلهم أكثر صلةً بالإنسان الذي لايُقهر. إنَّ منحوتاته تريد أن تتكلَّم، لأنَّ الخامات لاتخفي الصمت الجليل الذي لا ينتظر الشرح أو التأويل.

أنور محمد

تجارب رائدة

الكثير من أعمال الفنانين في جملتها خاضعة لواقع اجتماعي، لكن الحقيقة التي تبقى واضحة هي أنَّ التمرَّد ضدَّ ذوق هذا الواقع الاجتماعي هو الذي أسهم بخلق هذه التجارب الرائدة، وضمَّنها هدفاً تجاوز الرؤية الآنية؛ لصالح رؤية ترتبط نظرياً وعملياً بأجيال طليعية، أو برؤيةٍ لاتتحدَّد بجعل الفن مجرَّد ترف أو لأغراض تزيينية. لذا وبرأيه؛تحتَّم على جيل الرواد ومن ثمَّ الأجيال التالية أن يفكِّروا بخلق أسسٍ نظرية سليمة لفنِّهم، لا تنفصل عن أفكار الحركة الوطنية والقومية.

المؤلف في سطور

عادل كامل ناقد وفنان عراقي أكمل دراسته في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة ـ بغداد 1966 ـ 1977. له العديد من المؤلفات أهمها: على هامش الحركة التشكيلية في العراق والمصادر الأساسية للفنان التشكيلي المعاصر في العراق والموسوعة الصغيرة والحرمة التشكيلية المعاصرة في العراق /مرحلة الرواد والفن التشكيلي المعاصر في مرحلة الستينات وفرج عبو/ دارسة/ 1984 وحاضر النقد التشكيلي في العراق/ الموسوعة الصغيرة والحداثة في التشكيل. العراقي/ الموسوعة الصغيرة والتشكيل العراقي ـ التأسيس والتنوع كما له العديد من الروايات والقصص.

الكتاب: الرسم المعاصر في العراق

تأليف: عادل كامل

الناشر: وزارة الثقافة/ دمشق 2008

الصفحات: 726 صفحة

القطع: الكبير

Email