«الأسود، تاريخ لون» كتاب جديد لمؤلفه ميشال باستورو، بعد كتابه السابق «الأزرق، تاريخ لون». ويشير المؤلف بداية إلى أن الأسود كان لفترة طويلة من الزمن بمثابة «لون كامل الحقوق» بين الألوان في الغرب، بل وكان «القطب القوي» في منظومات الألوان كلها.
لكن هذه المكانة اهتزت مع ملامح العصور الحديثة حيث ان اختراع المطبعة وانتشار الصور المنقوشة أعطاه، إلى جانب الأبيض، مكانة «على حدة». بعد عدة عقود وضع نيوتن، مع اكتشافه للطيف اللوني منظومة جديدة للألوان لا مكان فيها لا للأسود ولا للأبيض. هكذا لمدة ثلاثة قرون لاحقة لم يعودا «بين الألوان».يؤكد ميشال باستورو أن «اللون الأسود» ارتبط لدى القدماء بـ «الخصب» إذ امتزج مع الأرض «الخصبة بالتعريف». هكذا مثلا كان طائر الغراب الأسود رمزا للتسامي والقداسة وكان القدماء في أوروبا يحرصون على استخدام الرخام الأسود في التماثيل لجعلها «أكثر نبلا». ويؤكد المؤلف أن الربط بين اللون الأسود والموت والخطيئة هو «اختراع مسيحي» في أوروبا حيث لم يكن الربط قائما من قبل. يفتح المؤلف هنا قوسين كي يشير إلى أنه يمكن لأي لون أن يرمز لشيء ولعكسه بنفس الوقت.
ويشير تاريخ اللون الأسود، كما يقدمه ميشال باستورو أنه قد عرف «أكثر فتراته قتامة» في أوروبا بعد عام 1000 حيث كانت الكنيسة الكاثوليكية تمارس سطوتها. ولقد شاعت أجواء من الخوف والرعب ليجسد اللون الأسود «الجحيم والشيطان» المجسّدان في تماثيل حيوانات «سوداء». كذلك أصبح «الدب» أحد تجسيدات الشيطان بينما كان الناس يأكلون لحمه ويشربون دمه قبل التوجه لخوض المعارك. وكان الهر الأسود ؟ قبل تدجينه آنذاك- هو أيضا أحد رموز الشر.
لكن حدث انعطاف كبير في تاريخ اللون الأسود بأوروبا منذ حوالي القرن الخامس عشر حيث «خرج من الغابة» كي يأخذ مرتبة متقدمة داخل منظومة الألوان. كانت الخطوات الأولى في هذا التوجه الجديد قد تمثّلت في اعتبار «الأسود» كمضاد لـ «اللون». وكانت الأخلاق الاجتماعية قد بدأت تنظر إلى اللون كرمز لـ «الفوضى». ويشير المؤلف هنا إلى «جدل فلسفي» عرفته العصور الوسطى الأوروبية حول مسألة اعتبار اللون كـ «مادة» أو اعتباره كـ «نور»؟
أما السود، الأفارقة السود، فيؤكد ميشال باستورو أنهم ليسوا «سودا» سوى منذ القرن الثامن عشر، إذ كان يتم نعت البشر قبل ذلك بالمعتقد الديني خاصة. لكن أدب الرحلات هو الذي أدخل، إلى حد كبير، الحكم على الناس من خلال لون بشرتهم. في المحصلة غدا الأسود رمزا للأخلاق والنبالة وجذب إليه أيضا ممثلي العدالة والفضاء. ويشير المؤلف هنا إلى «ملكة سبأ» التي ظهرت في الصور وهي ببشرة من لون خشب الأبنوس الأسود. وجاء الإصلاح البروتستانتي كي يكبح كل الألوان.
فضيلة الأسود
اكتسب «الأسود»، عبر معارضته مع الألوان، قدرا كبيرا من «الاحترام» والمكانة الأخلاقية التي تحتوي على فضيلة. بدأت الظاهرة في إيطاليا بعد وباء الطاعون الذي ضربها عام 1348 عندما جرى منع الأطباء بارتداء الألبسة الزرقاء أو الحمراء فتحوّلوا نحو الأسود. وتبعهم بعد ذلك الأمراء في حاشية قصر «بورغونيا» الأقوى في أوروبا خلال القرن الخامس عشر. ووصلت «موضة» اللون الأسود إلى فرنسا عام 1390 عندما تزوّج أحد أبناء الملك شارل السادس من وريثة سلالة فسكونتي التي كانت ترتدي ذلك «اللون» في قصر ميلانو.
المؤلف في سطور
ميشال باستورو، مؤرخ فرنسي مختص تحديدا بتاريخ الألوان والرموز، وهو مدير للدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا وفي مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية.قدّم ما يزيد على 40 كتابا من بينها: «تاريخ الأقمشة المخططة، المقلّمة» و«تاريخ الألبسة المخططة» و«الأزرق، تاريخ لون» و«تاريخ رمزي للعصور الوسطى الغربية» و«الدب: قصة ملك مخلوع»، الخ.
الكتاب: تاريخ اللون الاسود
تأليف: ميشال باستورو
الناشر: سويل - باريس 2008
الصفحات: 210صفحة
القطع: المتوسط
Noir, histoire d'une couleur
Michel Pastoureau
Seuil - Paris 2008
P.210

