لكل أمة لغتها ولنا العربية، ولكل شعب آثاره وللأردنيين البتراء. وحدها البتراء العربية من بين كل الآثار لن تهبك نفسها مهما حاولت.. حتى لو سعيت في رحابها حافي القدمين، حاسر الرأس، مبهورا بانسيابها الغامض ولكن الشفاف.
«البترا» ليست بخيلة، فهي ستفتح لك ذراعيها في حب صحراوي آسر.. ستغمرك وأنت تتدفق في سيقها.. تأسرك بموسيقى غامضة.. وردية بصخرها، حمراء بسمائها، شقراء بشمسها، شقية بغموضها الضارب في عمق 400 ق.م. هي من هي، تلك التي أَمّتْ عالم الكبار قديما وسحرتهم حديثا.. عاصمة من صخر، سطّر العرب الأنباط مجدها فامتدتْ من ساحل عسقلان في فلسطين غربا وحتى صحراء بلاد الشام شرقا، منذ 400 ق م وحتى 106 م. وهي من هي، عروس من خجل، اختبأت منذ نظم الأنباط فتنتها خلف جبال منيعة متراصة، خجلا حينا، وحرصا حينا آخر.. هي التي ستتمنع على عاشقها قليلا ولكنها ستسمح له برؤية شيء من أسرارها بعد أن يفتح سيقها فجأة لزواره عن خزنة صخرية هي القلب لكنها تتوهج وردية تحت أشعة الشمس الذهبية.
اكتشفها العالم الغربي تحديدا عام 1812م على يد المستشرق السويسري يوهان لودفيج بيركاردت ووثقها في كتابه باسم رحلات في سوريا والديار المقدسة على صور للبتراء. ولم تمض سوى سنين قليلة حتى رسم ديفيد روبرتس «الليثوغرافيا» الخاصة للبتراء ومنطقة وادي موسى أثناء زيارته عام 1839 بالتزامن مع رحلات المستشرقين للعالم العربي في القرن التاسع عشر، حيث تجاوز عدد لوحاته العشرين لوحة ليثوغرافية طبع العديد منها مما أعطى البتراء شهره عالمية. ولأن أصحابها كانوا يعشقون بتراءهم، عمدوا بعد أن أصبحوا سادة الأرض إلى تزيين مدينتهم بالقصور والمعابد والأقواس.- يقطعون الصحراء حاملين الذهب والفضة والحجارة الكريمة والبهارات والأخشاب الثمينة من بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية ويحملون البخور والمر من حضرموت.
حالم كالسائر في نومه، ولكن بكامل وعيه، ستنطلق من بوابة مدخل المدينة.. سيبدو الوادي رحبا ومفتوحا.. أنت الآن عند باب السيق. هنا تحديدا سيسألك أحدهم بلطف ما إذا كنت سعيدا بزيارتك للبتراء.. لن تجيب ففي عينيك الجواب.. سيعرف ذلك تماما لهذا سيسألك مجددا وبلطف اشد: هل كنت أحد المصوتين لها لتكون إحدى عجائب الدنيا السبع؟ قبل فترة غير بعيدة، قامت اللجنة التي شكلتها منظمة «عجائب الدنيا السبع الجديدة» بإعلان البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة في حفل رسمي أقيم في البرتغال، بعد أن كانت اللجنة قد اختارت في العام 2005م واحدا وعشرين موقعا أثريا عبر العالم للمنافسة في المرحلة النهائية من المسابقة.
في حينه لا تكاد تدخل زقاقا في الأردن ولا تجد فيه شيئا يدعوك إلى التصويت للبتراء، ولكن ما إنْ انتهت المسابقة، وفاز الأردنيون، بأنْ جعلوا البتراء عجيبة من عجائب الدنيا السبع، وذهبوا إلى بيوتهم، نسوا كل ما سبق، وكأنْ الهدف من مسابقة العجائب تلك هي الفوز بالمسابقة في تلك الليلة فقط.
يقول مرشدون سياحيون: إن البنية التحتية للأماكن السياحية في المملكة لا تحتاج فقط إلى مزيد من الغرف الفندقية والمرافق السياحية الأخرى، بل تحتاج إلى حمامات.. مجرد حمامات إذا ما احتاج السائح هناك إلى قضاء حاجته ان يجدها دون ان يضطر إلى الهرولة في الصحراء.
لقمان اسكندر



