يعقوب الشاروني: الطفل العربي ذكاؤه فطري

يعقوب الشاروني: الطفل العربي ذكاؤه فطري

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر يعقوب الشاروني واحدا من رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي بامتياز حيث أنجز تراثا كبيرا حتى الآن تجاوز حوالي 400 كتاب في هذا المجال، يستلهم موضوعاته من المجتمعات العربية محاولا الابتعاد عن قصص الخرافة والشعوذة ومصححا العادات الخاطئة والشائعة في يوميات الأسرة العربية.

يمثل الشاروني حالة استثنائية في الساحة الإبداعية، فهذا الأديب ترك القضاء وذهب إلى الأدب حتى لا يفرغ قلبه من الإحساس والعاطفة، كما يتمنى أن تنشأ أحزاب للحب والرومانسية إلى جانب الأحزاب السياسية والاجتماعية، معتبرا أن أول جائزة أدبية تسلمها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت نقطة انطلاقي. مؤخرا تم تكريم يعقوب الشاروني في ايطاليا لدى مشاركته في احتفالية كبرى نظمتها 280 مدرسة ايطالية بمناسبة صدور الترجمة الايطالية لروايته «كنز جزيرة عروس البحر»، «مسارات» التقت الأديب يعقوب الشاروني وتحدث فيه عن القضايا التي تشغل اهتماماته. وفيما يلي نص الحوار: ماذا عن تكريمك أخيرًا في ايطاليا بمناسبة صدور روايتك «كنز جزيرة عروس البحر» وتوزيعها على أطفال المدارس بإيطاليا؟

اعتبره دفعة للأمام، يتوافق أيضاً مع صدور كتاب آخر لي هو «سر الجدة وبركة الطيب»، وكنت أتمنى حينما تم ترجمة رواية «كنز جزيرة عروس البحر» مع تزامن نشرها في مصر، لكن الناشر المصري للأسف انشغل بالمشروع القومي للكتب، ولم يستطع طبع الكتاب، وأرجو أن يتم ذلك قريبا.

قيل عنك إنك كاتب شعبي ولست أديبًا عندما اتخذت من الحكايات الشعبية مادة لأعمالك؟

لقد هوجمت فعلاً عن قصص «أجمل الحكايات الشعبية» لكن الدراسات التحليلية التي تناولت عملي أثبتت أنه ليس من القصص الشعبية أو «ألف ليلة وليلة» ولم أنقل الحكايات عن لسان الرواة، فقد استخدمت فقط المادة كما استخدمت الصحراء والبيئة والتاريخ في أعمالي، لكن بأسلوبي ورؤيتي الأدبية الخاصة في إنتاج هذا العمل، والدليل أنه فاز بجائزة الآفاق الجديدة في معرض بولونيا الدولي بإيطاليا.

كيف بدأت علاقتك بأدب الطفل؟

بدأت برواية قصص كنت أنسجها من خيالي لزملائي في المدرسة الابتدائية، كانوا يلتفون حولي في شغف لأحكي لهم الحكايات التي كنت أستفيد منها حول أسئلتهم لي عن حبكة الرواية والأحداث، ولم أنس حبي لهذه الساعات التي كنت أقضيها بينهم أقص عليهم روايات كأحدب نوتردام والحرب والسلام والحوت الأبيض من الروايات العالمية، وكلها كتب من مكتبة المدرسة التي كنت أقضي فيها بين الحصص ووقت الفسحة.

وماذا عن علاقتك بالمسرح والموسيقى والسينما؟

البداية كانت مع المسرح، وتعلقت كثيرا بالتمثيل والإخراج، كنت وأخواتي والجيران نقوم بالتأليف والتمثيل لبعض الحكايات التي نعرفها في منزلنا بالدور الأرضي، وقد فزت بأول جائزة في حياتي عام 1960 تسلمتها من الرئيس جمال عبدالناصر شخصيًا تعزيزًا لي للمواصلة، تقدم لهذه المسابقة نحو 200 مسرحية أخرى، وقال لي توفيق الحكيم »المسرح أفادك كثيرًا يا يعقوب فهو بارز في العديد من أعمالك الأدبية، وسوف تكون بدايتك الصحيحة للإبداع والفكر«، ويظهر تأثري بالحكيم في أعمالي للطفل من حيث الحوار والتقدم بالأحداث..

بالرغم من وجود أدباء ومبدعين في شتى المجالات في أوساط القضاة لكنك تخليت عن منصبك القضائي لماذا؟

وجدت نفسي كل يوم أواجه عملا يحتاج لكل كياني، فالعمل القضائي يحتاج لتفان وتفريغ القلب من الخيال والإحساس العاطفي الرقيق، فالقضايا اليومية أصبحت تقتل في هذه المشاعر والانفعالات.

وبعد أن ظفرت المسرحيتان »أبطال بلدنا« و»جنينية المحطة« بالجوائز الأولى أردت التأكيد أن قراري بالتخلي عن منصب رئيس محكمة في هذا الوقت هو قرار سليم، والذي لاقى معارضة شديدة من حولي، خاصة أخي الأكبر يوسف، بعدها أكد صحة قراري من خلال الأطفال الذين شاركوني حكاياتي.

فقد كان حضورهم يزداد يومًا بعد يوم ليصل عددهم الأسبوعي 1000 طفل مع أبائهم، كذلك الاستفتاء أثناء مهرجان القراءة للجميع العام 91 اختاروني الأطفال كأحسن مؤلف لآداب الأطفال، وفي كل مرة كان تكريم الأطفال يحفزني على المواصلة، حتى اليوم أشعر أني لا أستطيع التخلي عن حاجتي إليهم وحاجتهم لي، فهي رابطة أشعر بها في أعماقي تمنحني الحياة كل يوم.

في الصحراء

كثير من الأدباء يفضلون الكتابة بعيدا عن الضجيج فهل تكتب أعمالك بمنزلك بالقاهرة؟

الأجواء في القاهرة صعبة للغاية فلا أستطيع التفرغ للكتابة نتيجة الازدحام في حياتي، أحيانًا أسافر إلى ابني في أميركا حيث لديه منزل خاص يطل على غابة، وفي غرفتي الخاصة أعمل منذ الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساء، ولا يقتحم المكان أي كائن حتى أفرغ تمامًا، وأحيانا أذهب إلى منزلي بالإسكندرية، لا استقبل أية تليفونات أو زوار، فقط أنا وأعمالي، حتى انتهي منها.

آفاق جديدة

كيف كانت بداية نشر أعمالك من قصص الأطفال؟

أول كتاب تم نشره العام 1959، من ثم توسعت بعدما تعرفت إلى الناشر اللبناني صاحب دار مكتبة لبنان ودار أبو الهول، وقد صدر لي عنها 50 عنوانًا ما بين تأليف وإعادة صياغة للقصص المترجمة.

هل الحب والرومانسية يمثلان جزءا مهما من كتاباتك؟

إننا في ظل المجتمعات الشرقية والعادات نتجنب الحديث عن الحب والرومانسية، والتي يتوق أطفالنا للشعور بها، فلا أرى عيبا في قصص الحب والرومانسية للأطفال، فهم يشاهدونها في دراما الكبار.

ونحن تربينا على قصص الجمال النائم وست الحسن وغيرها، فعبرت عن الحب والرومانسية حتى أصبحت أمنيتي وجود حزب للحب والرومانسية إلى جانب الأحزاب السياسية والاجتماعية في كل دول الشرق العربي ونسميه حزب »الحب والسعادة« لأطفالنا في العالم العربي، فقط نحتاج لصياغة تصل لأطفالنا عن الحب بما يتوافق مع سماتنا الشرقية ومجتمعاتنا العربية.

كيف أثرت البيئة الشرقية وعادات المجتمع العربي في أدب الشاروني؟

تعلمت أن الطفل على استعداد أن يتقبل أي موضوع نقدمه له بشرط أن نعرف كيف نقدمه، والطفل العربي ذكاؤه فطري، فهو يتلقى من بيئته وسمات المجتمع من حوله، لذلك كانت أعمالي لنقل الاتجاهات والقيم والأفكار والسلوك الذي يتناسب مع العادات الأصيلة والأخلاق الحميدة في قالب فني وليس حشوًا زائدا لا يتحمله الطفل، وتلك مشكلة ثقافة المجتمع العربي مع أطفالنا، حيث إنهم يكرهون الكتاب أثناء الدراسة، وهذه رسالتي ككاتب أطفال لنقل حضارتنا العربية للغرب، وليس العكس، فتكون القيم الراسخة لدينا هي عاداتنا وسماتنا التي تفخر بها في مواجهة الثقافات الأخرى.

بين الولد والبنت

ما الأخطاء الشائعة في عاداتنا العربية التي تناولتها أعمالك الأدبية؟

الفروق في مجتمعاتنا العربية بين الولد والبنت، حرصت في كتاباتي على إعطاء الفتى والفتاة أدوارًا متوازنة، وعلى تأكيد عدم التفاوت بين قدرات البنت والولد، فالصورة التي تقدم فيها الفتاة في أدب الأطفال كثيرًا ما تؤثر بعمق في الصورة التي ترسمها لنفسها في الحياة الاجتماعية واليومية،.

كما تجنبت أي موقف يؤكد فائدة اللجوء للشعوذة والسحر، فلم أقدم عملا فيه ساحر أو ضارب رمل، فقصص الخرافة نغرزها بالخطأ في أطفالنا، ويكفي انتشار السحر على نطاق واسع بين أكثر الفئات تعليمًا، حيث يلجأون للخرافة للبحث عن ثروة ضائعة أو تائهة وغيرها من العادات الخاطئة، كما تناولت معالجة أمر بالغ الأهمية في الشريعة الإسلامية عن قضية الرضاعة، وكيف تصبح أزمة إذا اكتشف شاب وفتاة أنهم أخوة بالرضاعة، وكيف بإمكان ذلك هدم الأسرة نتيجة لشائعة يطلقها البعض أن الزوجين أخوة بالرضاعة.

ما أبرز دراساتك عن مشكلات الطفل؟

نظرة المجتمع لأطفالنا والاحتياجات الخاصة وأطفال الشوارع وعمالة الأطفال، وصور التميز بين ولد والبنت، كما في »سر الاختفاء العجيب«، كما قدمت دراسات تحليلية حول هذه المنافسات وشاركت بعدة مؤتمرات دولية ومحلية لإيجاد حلول لهذه المشكلات، أو محاولة تغيير النظرة في مجتمعاتنا إلى هؤلاء الصغار، والحلول لا تأتي فقط بالدراسات بل بتطبيقها، وهذا ما يجب أن تساهم به الحكومات إلى جانب المجتمع الأهلي حتى يأمن هؤلاء الصغار ويستقر بهم الحال، ولا نفاجأ بفئات من المجرمين والفساد في مجتمعاتنا.

مرآة المجتمع

ما الذي يجب أن يكون عليه كاتب الأطفال في الوطن العربي، وهل أنت فنان أم رجل تربية أم رجل سياسة؟

لا أعتقد أنه يمكن فصل الفنان الذي يكتب للطفل عن السياسة والاقتصاد والاجتماع؛ فالأديب كل هؤلاء، لأنه ينقل ثقافة وتاريخا وفكرا، وهو من خلال ذلك مرآة المجتمع وسياساته واعتقاداته، ونجاح كاتب الأطفال يعتمد على أن يرى الطفولة كاملة في حيويتها ومشكلاتها، حتى يساهم في تقدم الحضارة والتأثير في نضوج ونمو أطفالها.

الجوائز والأوسمة

حصل يعقوب الشاروني على العديد من الجوائز خلال مسيرته الأدبية أبرزها: جائزة الدولة الخاصة في الأدب من الرئيس - جمال عبد الناصر وجائزة أحسن كاتب أطفال عن قصته «سر الاختفاء العجيب» وجائزة أفضل كاتب للأطفال عن مجموع مؤلفاته من المجلس الأعلى للثقافة كما حصل كتابه «أجمل الحكايات الشعبية» على الجائزة الكبرى لمعرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال لأحسن كتاب أطفال على مستوى العالم، وهو الكتاب نفسه الذي فاز عنه المؤلف بالجائزة الخاصة لمسابقة سوزان مبارك لأدب وثقافة الطفل العام 2002.

Email