مستشرقة إيطالية ترجمت الأدب العربي من الفرات والنيل إلى المغرب وإن كانت البداية من فلسطين. أثار فضولها خلال دراستها الجامعية ما كانت تسمعه في الإعلام عن الصراع بين اليهود والإسلام والقضية الفلسطينية. هذا الفضول رسم ملامح مستقبلها.

بدأت رحلتها نحو محاولة فهم أسباب الصراع والخلاف بشأن القضية، لينتهي بها المطاف لأن تكون من الرواد القلائل الذين أخذوا على عاتقهم جزءا من هموم العالم العربي. ولمعرفة تفاصيل رحلة الدكتورة إيزابيلا كاميرا، التي آلت على نفسها ترجمة أدبنا العربي إلى الإيطالية، والتزمت بدورها في نقل حضارة وثقافة العرب إلى الغرب وبالتحديد إلى بلدها إيطاليا من خلال ترجمة الأدب العربي، التقت بها «مسارات» خلال زيارتها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في الدورة الثالثة لملتقى الشارقة للرواية تحت شعار (صورة الأنا والآخر في الرواية).

وكانت المبادرة لها في القول «الأنا والآخر في الرواية، بحث الملتقى. ولكن الأهم والضروري : الأنا والآخر في حوار الحضارات» وتتابع، «لماذا علينا التواصل مع من لديهم فكر وحضارة مختلفة؟ بالطبع لتغيير الصورة النمطية الراسخة في أذهانهم. وذلك لأسباب مختلفة ولكن الأهم كيف نغير الصورة؟ والجواب من خلال الثقافة والأدب. رجال السياسة لا يعرفون ذلك ولا يهتمون».

الثورة الجزائرية وطه حسين

وفي إطار حوار الحضارات تقول إن دور الترجمة في غاية الأهمية إذ يقدم للقارئ الغربي العادي الكتب الجيدة. وتذكر أنها خلال دراستها في الجامعة حاولت البحث عن أي كتاب من الأدب العربي في إيطاليا ولم تعثر إلا على نصوص عن الثورة الجزائرية في الستينات، وكتاب «الأيام» لطه حسين.

ولدى سؤالها عن أسباب اختيارها لدراسة اللغة العربية قالت، «كانت البداية بسبب فضولي عما كنت أسمعه في الإعلام عن القضية الفلسطينية، وكنت أتساءل من هم وما هي قضيتهم. كان ذلك في بداية السبعينات». وأول رواية قامت بترجمتها كانت للأديب الشهيد غسان كنفاني «رجال تحت الشمس»، وهي من فتحت لها الباب لولوج عوالم الأدب العربي.

كما قادها شغفها الشديد بأعمال هذا الأديب إلى كتاب آخرين ترجمت بعض أعمالهم، منهم عبدالرحمن منيف وفؤاد التكرلي وعليا ممدوح ومحمد شكري وسعدالله ونوس وجمال الغيطاني وإبراهيم الكوني وأدوار خراط، ومي تلمساني وإميل حبيبي ولطيفة الزيات وتوفيق فياض وليلى عثمان.

ومن الكاتبات المعاصرات أبدت إعجابها بالأديبة هدى بركات والأعمال السابقة للروائية غادة السمان وسميرة عزام التي أشادت بإنسانيتها ونبلها، كما أبدت اهتمامها بدراسة السيرة الذاتية لعدد من الأدباء، منهم الكاتبة اليمنية ناديا كوكباني. وتوضح أن السيرة الذاتية تساعد على فهم عالم مختلف بالتفكير والحضارة، لا سيما وأن الكاتبات تطرح أفكارها بعيدا عن النمطية لآلية تفكير الرجال وهي ترفض السكوت على المستور كما يقال.

في الغرب يفضلون أدب المرأة الشرقية

وتقول إنهم في الغرب يفضلون قراءة أدب المرأة الشرقية لكونها تكتب عن صراعها مع المجتمع والرجل الشرقي بعيدا عن التفكير النمطي. وفي هذا الإطار تؤكد أن اختيار الأعمال للترجمة مسؤولية كبيرة، فلا بد من الحذر في انتقاء الأعمال كي لا يتم نقل صورة مشوهة لا تمثل حقيقة الحضارة والثقافة أو ربما تخدم مصالح جهات محددة،. وتوضح أن ما تبحث عنه دائما هو التيمة التي تقدم صورة إنسانية ذات مضمون عميق عام وخاص في ذات الوقت.

وتضيف أن الكتّاب العرب المعروفين حاليا في إيطاليا وبالتحديد بين الأكاديميين المختصين فقط، هم عبدالرحمن منيف والشاعر محمود درويش وطاهر بن جلون. أما ما يعرفه الإيطاليون عامة عن الأدب العربي فهو «ألف ليلة وليلة» والقرآن والقليل من أعمال طاهر بن جلون الذي يكتب بالفرنسية.

وعن رأيها في الرواية العربية ومقارنتها بأعمال الغرب تقول، «الأدباء العرب يطيلون ويسهبون في سرد غير مبرر يدفع القارئ إلى الملل، وفي أحيان كثيرة عندما أقوم بترجمة إحدى الروايات المختارة، أتصل بالأديب وآخذ الإذن منه لاختصار بعض المقاطع. أعتقد أن سبب هذه المشكلة هو عدم توفر المحررين المختصين في الجانب التقني من الرواية في دور النشر العربية، على عكس دور النشر الأوروبية».

لغات العالم لا تقتصر على الانجليزية والفرنسية

وأسوة بجميع من تبنوا مبادرات فردية في نقل الثقافة العربية إلى الغرب أمثال آلن روجر والدكتورة سلمى الجيوسي وغيرهم، تعتب كاميرا على المؤسسات والحكومات العربية لتقصيرها في دعم المشاريع التي تهدف إلى تقديم صورة مشرقة ومشرفة عن العرب. كما تسلط الضوء على زاوية أخرى في طي الإهمال والتجاهل أيضا، وهي أن اهتمام العرب وإن كان محدودا ينحصر في اللغتين الانجليزية والفرنسية فقط. وهذا غير سليم في رأيها نظرا لأن الدول الأوربية تضم لغات عديدة كالإيطالية والألمانية والاسبانية والبرتغالية وغير ذلك.

وتعرب عن أسفها لكون بعض دور النشر في الغرب تقدم أعمالا عربية تجارية لا تمت بصلة للأدب العربي أو لثقافة بلدانه، مما يعني ضرورة مضاعفة الجهود في هذا الإطار. إلى جانب أن المستشرقين في الماضي ترجموا أعمالا نمطية لا تعكس الصورة الصحيحة إضافة إلى أن تعاملهم مع الترجمة كان أكاديميا مجردا من اللمسات الأدبية وخصوصية أسلوب الكاتب. كما قالت إنها يئست من تغيير نمطية تفكير جيلها في إيطاليا، إلا أنها شديدة التفاؤل بشأن الأجيال الجديدة الأكثر انفتاحا على الحضارات الأخرى.

نحن بدأنا .. والعرب يتابعون

وتقول للأسف العرب أبطال في إضاعة الفرص الثمينة، فعلى سبيل المثال قدمت شركة أوروبية خاصة عام 1994 مشروع «ذاكرة المتوسط» لترجمة عدد من الأعمال العربية إلى اللغات الأوروبية، كالأسبانية والبولونية والسويدية وغيرها. وتذكر أن مجموعة المترجمين كانت تجتمع وغالبا في مدرسة الترجمة في طليطلة لتختار الروايات.

وتوضح أن هذا المشروع استمر لمدة ست سنوات، وتم ترجمة 10 كتب إلى الإيطالية و8 أو 9 إلى الفرنسية و4 أو 5 إلى اللغات الأخرى. بعد ذلك صرحت الشركة أن دورها انتهى عند هذا الحد وبما معناه: نحن بدأنا والعرب يتابعون. كان ذلك في عام 2000 وسرعان ما قامت كاميرا بزيارة لعدد من البلدان العربية من ضمنها منطقة الخليج لمتابعة المشروع من الطرف الآخر، لكن الجميع اكتفى بعبارات الإشادة والتقدير. وهكذا ضاعت فرصة ثمينة، كما هو الحال مع معرض فرانكفورت للكتاب.

أي الكتب العربية ستحظى بقارئ إيطالي؟

وحينما سئلت عن مشاريعها المستقبلية بشأن الترجمة قالت، «توقفت عن الترجمة.. تعبت كثيرا من العمل بمفردي لمدة 30 عاما. هذا العمل يتطلب الكثير من الجهد والوقت. فالترجمة والدراسة الأكاديمية تختلف كثيرا عن ترجمة الأدب، لاسيما إلى اللغة الإيطالية».

ومن الصعوبات التي واجهتها أيضا في رحلة الترجمة، محاولات إقناع دور النشر بطبع الأعمال والترويج لها، وإقناع الصحفيين في الكتابة عنها، هذا إلى جانب المعاناة في التعامل مع الأدباء أنفسهم. وتقول، « إنهم يعتقدون أن هذا العمل لا يستغرق وقتا وجهدا مضنيا، ويستمرون في الاتصال واللوم بصورة ملحة. وبعد ذلك يطلبون منا ترجمة أعمالهم الأخرى وإن لم نفعل يغضبون إلى حد القطيعة. لكننا نعلم أن ذلك يعد جزءا من نرجسية معظم الكتاب في مختلف أنحاء العالم».

وتوضح أنه من الممكن للدول العربية أن تقوم بمبادراتها الخاصة وما تحتاجه هو ميزانية لدعم مشروع الترجمة، أو ربما دعم الكتب المترجمة عن العربية كي تباع بأسعار تشجع الإنسان العادي على شرائها.

مائة عام على الثقافة الفلسطينية

وعن آخر مشروع أنجزته، قالت إنها أصدرت في نوفمبر عام 2007 كتابا بعنوان «مائة عام على الثقافة الفلسطينية»، وقد لقي رواجا واسعا في الشارع الإيطالي ونفد من الأسواق بسرعة، وصدرت الطبعة الثانية في مارس 2008 وبيع منها ما يقارب من 3000 نسخة. كما ترجمت مؤخرا رواية لعبد الرحمن منيف «الأشجار وقتل مرزوق» لشدة إعجابها بالعمل. كما نشرت كتابا بعنوان «تاريخ الأدب العربي من النهضة وحتى يومنا هذا»، إلى جانب نشرها مجموعة قصص لإبراهيم الكوني والتي ترجمتها بمساعدة زميلة لها.

وتضيف أنها تشرف حاليا على سلسلة «كتاب عرب معاصرون» التي تصدرها دار نشر جوفينس، وهي من كبرى دور النشر التي استطاعت بعد جهود وعناء، إقناعها بمثل هذا المشروع حيث نشرا معا ما يقارب من 40 رواية تضم أعمالا لحنا مينا وبهاء طاهر وابراهيم الكوني وإدوار خراط.

ومن إصدارات الدار عام 2000 كتاب (روز / زهور عربية) الذي ترجمت فيه قصص قصيرة لكل من الأديبات السعوديات، خيرية السقاف وبدرية البشر وفوزية الجار الله وفوزية البكر وليلى الأحيدب وهناء حجازي وشريفة الشملان وأميمة الخميس، وهو أول كتاب للأدب السعودي ينشر في إيطاليا.

حصة الأسد لإيطاليا في جوائز الترجمة من العربية

* جائزة البحر المتوسط

حاز الناشر الايطالي «بيوفينوس» على جائزة البحر المتوسط التي منحت لأول مرة جوائز للترجمة عام 2007، لجهوده في نقل الأدب العربي إلى اللغة الايطالية، علما أن مؤسسة البحر المتوسط أنشئت عام 1979 ويترأسها ميكيلي كاباسو وتحتل منصب منسقة الجائزة دينا أبورشيد، وقيمة الجائزة التي منحت للناشر 3000 يورو.

* جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة

فازت الدكتورة كلاوديا ماريا تريسو أستاذة اللغة العربية بجامعة تورين بإيطاليا بجائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة عام 2008، لترجمتها كتاب رحلة ابن بطوطة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» إلى الإيطالية. وقد أسست هذه الجائزة في 31 أكتوبر 2006م، وهي جائزة تقديرية عالمية تمنح سنوياً للأعمال المتميزة، في مجال الترجمة. وتبلغ قيمة الجائزة 500 ألف ريال سعودي.

* جائزة ابن خلدون - سنجور للترجمة

وتنظمها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في تونس والمنظمة الدولية للفرنكوفونيّة )دةئ( للترجمة من العربية إلى الفرنسية في العلوم الإنسانية. وتبلغ قيمة الجائزة 10 آلاف دولار وفاز فيها مركز البحث والتنسيق العلمي (سركوس) بالمغرب، على ترجمته من العربية إلى الفرنسية لكتاب الأستاذ محمد عابد الجابري «العقل السياسي في الإسلام أمس واليوم». وقد أنجز ترجمة الكتاب كل من بوسيف الواسطي وعبد الهادي الإدريسي ومحمد الزوكاري بإشراف ومراجعة أحمد محفوظ مدير المركز.

رواية جزائرية تحصد جوائز إيطالية

حقق الروائي والباحث الجزائري المقيم في روما عمارة لخوص شهرة كبيرة في إيطاليا، بعد نشر روايته «كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضّك» التي أعاد كتابتها بالإيطالية عام 2007. حصدت روايته جوائز عديدة مما دفع صاحب دار النشر /د إلى الإقدام على المغامرة وتأسيس أول دار نشر باللغة العربية في إيطاليا، تحمل اسم (شرق/غرب) وليكون «لخوص» مدير تحرير الدار الجديدة.

تتناول رواية «كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك؟» موضوعين اثنين هما العنصرية والذاكرة، وتتكون من أصوات متعددة تعيش في عمارة في قلب العاصمة روما، بما يوحي بالمأساة التي يرغب الشاب الهولندي يوهان فان مارتن في تحويلها إلى فيلم سنيمائي وفق طريقة الواقعية الجديدة التي صنعت مجد السينما الإيطالية. وكل صوت في الرواية يحكي قصته، وقصة الشخص الآخر الذي ارتبط به بعلاقة ما، ويقدم ملامح الشخص الآخر، أو الحقيقة التي قد يخفيها الشخص عن نفسه.

رشا المالح