تجارة العبيد في إفريقيا

تجارة العبيد في إفريقيا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الأرض التي بشرت بالحرية مارست أبشع أشكال العبودية، كصورة معبرة عن السير عكس مجرى الارتقاء التاريخي للجنس البشري يتناول كتاب «تجارة العبيد في إفريقيا» لمؤلفته عايدة العزب موسى جريمة تجارة الرقيق التي عانت منها القارة الإفريقية منذ القرن الخامس عشر ولمدة أربعة عقود.

تلك الجريمة التي ضربت القارة الإفريقية وأوقفت نموها الحضاري وأفسدت نسيجها الاجتماعي وخلقت لدى شعوبها عقدة التدني. لقد كانت تجارة العبيد واسترقاق ملايين البشر من الأفارقة أمراً ذا أهمية كبيرة في بناء امبراطوريات الدول الاستعمارية وإنتاج الثروات التي فجرت الثورة الصناعية بها فيما بعد. تتساءل الكاتبة في البداية لماذا عبيد إفريقيا بالذات؟. في الوقت الذي اكتشفت فيه أميركا، ومع بداية تعميرها، ظهر أن الإفريقي هو الأكثر قوة ومقاومة وقدرة على العمل الشاق وتحمل الظروف المناخية المتشابهة بين إفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية.

هذا في الوقت الذي تم فيه استعباد الهنود الحمر والآسيويين. وكان أغلبية العبيد الهنود ينقلون إلى جزر الهند الغربية، وتم شحن الكثير منهم في سفن إلى مستعمرتي نيويورك ونيوانجلاند. لقد كانت أكثر المناطق كثافة من السكان الهنود هي مناطق المكسيك وبيرو وبوليفيا حالياً، ويتم أسرهم ومن ثم بيعهم عبيداً، ولكن لسوء حظ الذين اشتروهم كانوا يهربون إلى قبائلهم، وبمساعدة عناصر محلية.

كما أن القبائل ذات القوة والعصبية الكبيرة والتي تتميز بالاعتداد بالنفس والتي كانت تسيطر على حدود أميركا الشمالية طوال مرحلة الاستعمار، لم تسمح أو تتحمل أن يستعبد أياً من أبنائها. وبالتالي صار امتلاك العبيد من الزنوج مطلباً ملحاً في النصف الغربي من القارة طوال مرحلة الاستعمار.

إن الظروف غير الإنسانية التي كان يعيشها الرقيق كانت تحتم إبقائهم في أقصى ظروف المعاناة من حيث المأكل والملبس والرعاية الصحية، جعلت من الضروري أن يقوموا بمحاولات للتمرد، كانت تواجه بقمع وحشي. وتمثلت مظاهر التمرد في التراخي في العمل أو الهروب أو حرق المزارع أو اغتيال المشرفين أو رفض الإنجاب، والتمرد المسلح كحالة معبرة عن العصيان.

وهو ما حدث في العديد من دول القارة الأميركية مثل كوبا وجامايكا والبرازيل والمكسيك وغواتيمالا ونيكاراغوا وفنزويلا وهاييتي، في الأعوام 1553 و1548 و1655 و1831. وقد كانت أول ثورات العبيد في الولايات المتحدة في عام 1526 جنوب كارولينا، وفرجينيا عام 1663 وهي الثورة التي اشترك فيها البيض من خدم المنازل مع الزنوج الأفارقة.

لقد بدأت تجارة الرقيق الإفريقي ما بين المشترين الأوروبيين والباعة الأفارقة. وكانت التجارة مقتصرة على المراكز التجارية الساحلية، حيث يتم جلب العبيد الأسرى من الداخل بواسطة الوكلاء الأفارقة ويباعون بالشروط المتفق عليها ويتسلمون الأسلحة الأوروبية وأسياخ الحديد والنحاس وأوعية القصدير والملابس والمشروبات الكحولية، في مقابل الذهب والعاج والعبيد.

لم يكن الرق ظاهرة جديدة على المجتمعات الإفريقية والأوروبية فقد اشتغلت المجتمعات الإفريقية منذ قرون بتجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى إلى أوروبا الرومانية والشرق الأوسط، ولكنه كان نشاطاً عارضا غير منظم، كان الهدف منه تزويد أمم البحر المتوسط التجارية بالجنود وخدم المنزل والعمالة الزراعية.

وكثيراً ما حدثت تحالفات ما بين الحكام أو القادة المحليين وتجار العبيد، وخاصة القراصنة البحريين، في إطار صفقات يتم بموجبها مساعدة القادة المحليين في إخماد الثورات أو قمع التمرد أو استعادة السلطة، وذلك في مقابل استرقاق الأسرى من الأعداء، وهذا ما حدث بالتحالف مع حكام سيراليون وبنين ومونوموتابا (زيمبابوي حالياً).

لقد انقسم عصر الاستعمار الأوروبي في إفريقيا إلى مرحلتين، الأولى: مرحلة الاستعمار التجاري الذي اقتصر على احتلال عد من الموانئ والمحطات التجارية على طول الساحل البحري، والثانية: المرحلة الاستعمارية التي صاحبت الثورة الصناعية في غرب أوروبا والتي أدت إلى عدم اكتفاء الدول الاستعمارية باحتلال سواحل القارة بل بدأت بالتوغل في الداخل الإفريقي. لقد استهدفت المرحلة الأولي تجارة الرقيق وترحيلهم للعمل في أوروبا والعالم الجديد، واستهدفت المرحلة الثانية استعباد الأفارقة في أرض إفريقيا لاستخراج المود الأولية الطبيعية.

وإذا كانت المرحلة الأولى شهدت مآسي تجارة الرقيق فإن المرحلة الثانية شهدت مآسي الممارسة العنصرية وأهمها ما حدث في الكونغو (أرض المطاط) وهو ما نجم عنه تناقص عدد السكان أو فقدان البشر بسبب أعمال القتل، والجوع والمرض، والأمراض البسيطة والأوبئة، ونقص عدد المواليد حيث كان الرجال يعملون في الغابة والنساء بالأكواخ يعانون من الجوع، كما كان الرعب من القتل دافعاً لتوقف الأسر عن الإنجاب.

ثم تتحدث المؤلفة عن مرسوم حظر الرق والذي أصدره البرلمان البريطاني في أغسطس عام 1833 والذي نص على عتق الرقيق وتعويض الملاك، وأن يكون العتق تدريجيا بحيث تختلف مدة التدرج ما بين الرقيق في المزارع والرقيق بالمنازل، كما نص المرسوم على عتق الأطفال دون السادسة.

وترى الكاتبة أن منع بريطانيا لتلك التجارة وتحريك أسطولها لهذا الغرض وضبط تهريب العبيد إلى أميركا، يرجع إلى عاملين أولهما: تحول الرأسمالية الأوروبية من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية، وبالتالي تحولت الدول الأوروبية من دول تستعبد إفريقيا إلى دول استعمارية تحتل الدول الإفريقية وتستغل ثرواتها.

وهذا ما يتطلب بقاء الأيدي العاملة في داخل إفريقيا، ويعني الاحتفاظ بالثروات الإفريقية البشرية والطبيعية في مزارعها ومناجمها تحت الإدارة الاستعمارية ، وثانيهما: أن الولايات المتحدة كانت قد نالت استقلالها عن بريطانيا بعد حرب الاستقلال وبالتالي ليس هناك من سبب لأن تحمي بريطانيا تجارة العبيد إلى الولايات المتحدة، فهي لن تستفيد من وجودهم هناك.

ثم تناقش المؤلفة مسألة التعويضات عن الرق والتي تم إثارتها في مؤتمرات مناهضة العنصرية والتعويضات والتي انعقدت في أبوجا- نيجيريا 1993، وأكرا- غانا 1999، ودربان- جنوب إفريقيا 2001، وكانت ترتكز تلك المؤتمرات في مطالبتها بالتعويض على أن الخطف الجماعي واسترقاق الأفارقة كان من أكبر الجرائم الجماعية في تاريخ البشرية.

وأنه حتى الآن لم يتم دفع تعويضات من مرتكبي هذا الأمر لمن عانوا منه. إن كل نتائج الجريمة بقيت شاملة سواء في ثروات الأحفاد والخلفاء من الأوروبيين، أو في شكل الإفقار لإفريقيا والأحفاد والخلفاء من الإفريقيين، وبالتالي فإن قضية التعويض مؤكدة بلا شك.

إن السوابق التاريخية في تعويض الحكومات عن جرائم سابقة يعد منطلقاً لتنفيذ هذا الالتزام القانوني. فقد عوضت حكومات ألمانيا والنمسا اليهود عن جرائم النازي، وعوضت الحكومة الأميركية اليابان عن ضحايا الحرب العالمية الثانية، وعوضت اليابان كوريا عن الجرائم التي حدثت أثناء احتلالها، وعوضت مصر عن ممتلكات البريطانيين التي تم الاستيلاء عليها في ظل قوانين التأميم في الستينات، وهو ما يعد دليلاً على فعالية ونفاذ مبدأ التعويض عن الأضرار، وإن شئنا الدقة عن الجرائم الدولية، وهو ما يقره القانون الدولي.

المؤلفة في سطور

عايدة العزب موسى كاتبة مصرية متخصصة في الشأن الإفريقي، لها العديد من المساهمات في المؤتمرات والندوات في هذا الصدد، كما تدور كتاباتها في الجرائد والمجلات المصرية والعربية في نفس الموضوع. لها العديد من الكتب مثل: شخصيات إفريقية في السياسة والفن، والعبودية في إفريقيا والتاريخ المفقود، والمسلمون وتاريخ الرق في إفريقيا، العلاقات العربية- الإفريقية والتصوف الإسلامي.

محمد جمعة

الكتاب: تجارة العبيد في إفريقيا

تأليف: عايدة العزب موسى

الناشر: مكتبة الشروق الدولية القاهرة2007

الصفحات: 262 صفحة

القطع: الكبير

Email