أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق

أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقدم كتاب «أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق» لمؤلفه الدكتور فالح حنظل تفاصيل عن فترة حرجة في تاريخ العراق الحديث، من خلال رواية شاهد على الأحداث يحاول أن يعرضها لنا كما رآها ولمسها مستعرضا المصرع المأساوي الدامي للعائلة المالكة في العراق صباح يوم 14 يوليو 1958 في بغداد.

بحكم متابعة المؤلف لما جرى من خلال موقعه كضابط في الجيش العراقي كان يعمل في الحرس الملكي في ذلك الحين وواحد من الضباط الذين صادفهم الحظ الوجود في قصر الرحاب مقر الأمير عبدالإله الوصي على العرش في العراق الذي حدثت فيه المذبحة صبيحة يوم الانقلاب. وبعد أن يستعرض المؤلف الظروف التي أدت إلى ذاك اليوم «المشؤوم» يقدم وصفا مسهبا لتلك الساعات الرهيبة التي غيرت المشهد السياسي، ففيما كان معظم أهالي بغداد لا يزالون يغطون في نومهم في الخامسة والنصف صباحا كانت الحركة على أشدها في منطقة وزارة الدفاع حيث تم احتلال المبنى خلال أقل من نصف ساعة. ثم توجهت قوة مهاجمة إلى قصر الرحاب بعد ذلك بربع الساعة.

وبعد ذلك مباشرة فتح عناصر القوة المهاجمة نيران أسلحتهم الرشاشة باتجاه القصر وأصابت رشفة الإطلاق الأولى نافذة غرفة نوم الأمير عبد الإله وخرج الملك وهو لا يزال في ملابس النوم وخرجت الأميرات وتجمعن حول الأمير خائفات ووقف الجميع في البهو الداخلي للطابق العلوي واتجه الأمير ووقف قرب النافذة يتطلع إلى القوة المهاجمة، ثم تم الطلب إلى الملك والأميرات عدم البقاء في الحجرات الأمامية والذهاب جميعا إلى غرفة الوالدة الملكة نفيسة حيث توجه الملك ونزلت الأميرات خلفه إلى الطابق الأرضي.

يؤكد المؤلف أن الأمير حاول الاتصال مع رئيس أركان الجيش الفريق الركن رفيق عارف، في تلك الأثناء باشر جنود القوة بالمهاجمة إطلاق نيران بنادقهم باتجاه سور القصر الخارجي وفجأة، وبعد تجاوز السادسة والنصف صباحا، توقف إطلاق النار من المهاجمين ولبثوا في أماكنهم.

وبعد دقائق كانت الأسرة المالكة تستمع إلى إذاعة صوت بغداد وصوت المذيع الجديد العقيد الركن عبد السلام محمد عارف وهو يعلن للشعب بشائر الثورة بالبيان «رقم واحد» مبشرا بقيام الجمهورية بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم. في هذه اللحظات كان الهاتف يرن وسط تحذير بالهرب ومغادرة القصر.

ويرسم لنا الدكتور فالح حنظل صورة دقيقة تكاد ترصد تطورات كل ثانية، حيث يذكر أنه في حوالي الساعة 40,6 دقيقة تجمد الموقف العسكري على نحو كانت فيه القوات التابعة للقصر على أهبة الاستعداد فيما بدا أن عتاد القوة المهاجمة قد نفد.

الا أن نية المهاجمين كانت واضحة وهي الإجهاز على الملك والوصي وقتلهما. وكان الموقف الفيصل فيما جرى بعد ذلك مبادرة النقيب عبد الستار سبع العبوسي أحد ضباط مدرسة المشاة الذي أمر بمعاونة السرية المهاجمة للقصر فكان فتح نيران الرشاشات على جنود حرس الباب النظامي وإطلاق بازوكا باتجاه القصر فاهتزت المنطقة كلها على دوي الانفجار.

من الغريب، وفق ما يرويه المؤلف، أنه وسط كل ذلك ـ حوالي الساعة السابعة ـ كانت أوامر الأمير عبد الإله عدم إطلاق النار حرصا منه على عدم القتال حقنا للدماء. والمفارقة العجيبة أنه في الوقت الذي كان لهيب الثورة ينتشر في بغداد كان الأمير يريد التفاوض ثم كان قراره بالتسليم وتنازل الملك عن العرش شرط ترك الأسرة المالكة تغادر العراق.

هنا نتابع مع الدكتور فالح صورة بالغة المأساوية لتلك اللحظات الفارقة لموقف الأسرة المالكة التي تجمعت في المطبخ.. حيث كان وجه الأمير شاحبا تشوبه صفرة الموت، والملكة نفيسة تصرخ بكلمات عربية مكسرة تستصرخ ضمائر الضباط وتستحلفهم بالقرآن الكريم أن لا يمسوا أحدا من العائلة بسوء، فيما راحت الأميرة عابدية تبكي وبجانبها الأميرة هيام وقد بدا الهلع والخوف على وجههما.

ثم كان استسلام لواء الحرس الملكي كله في الثامنة إلا الربع تقريبا، وسط شعور الأسرة المالكة بأنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الموت. في لحظات تالية كانت عبارات من نوع: أخرجوا أيها السفلة.. أيها الخونة، أيها العبيد.

ويشير المؤلف إلى أن الناس تتذكر هذا اليوم بالكثير من الحسرة والندم، ومن بينهم، الضباط الأحرار أنفسهم الذين قاموا بتصفيتة العهد الملكي في العراق ولكن بعد فوات الأوان في ضوء حقيقة أن الثورة إذا كانت قد نجحت في هدم البناء الملكي القديم إلا أنها فشلت في وضع أسس صحيحة للبناء الجمهوري الحديث، حيث أن منفذي الثورة لم يكونوا يملكون اتجاها سياسيا ثابتا ولا اتفاقا على أهداف سياسية معينة وأساليب تحقيقها فليس لهم أيديولوجية سياسية ولا سبل للتفكير الجيد في حل مشاكل العراق.

وفي الباب الثاني الذي يرد تحت عنوان «ما جاء ذكره عن المجزرة في مصادر وكتب أخرى» يتطرق المؤلف إلى ما وجده مكتوبا في مصادر أخرى من أشخاص لهم صلة بالأحداث تحدثوا فيه عما رأوه وفعلوه في ذلك اليوم. أما الباب الثالث فيعرض الدكتور فالح من خلاله لما يعتبره تهافت الفكر الثوري العسكري، على نحو يمثل، وفق رؤية المؤلف، بحثا نقديا مزدوجا لأخطاء العهد الملكي التي كان من الممكن تداركها، وكذلك نقد للعهد الثوري وأساطيره السياسية التي تتهافت على العراق.

لحظات التصفية الجسدية البشعة

لدى وقوع الأسرة المالكة في قبضة المهاجمين وخروجهم من باب المطبخ بصف واحد، وبعد أقل من نصف دقيقة كان النقيب عبد الستار العبوسى يقف خلفها تماما وبلمح البصر فتح نيران رشاشه من الخلف مستديرا من اليمين إلى اليسار.

فأصابت طلقاته الغادرة الثمانية والعشرون طلقة ظهر الأمير عبد الله ورأس ورقبة الملك وظهري الملكة والأميرة عابدية ثم لم يلبث أن فتح آخر نيرانه من الأمام على البشر الموجودين أمامه وفتح بقية الضباط المشكلين نصف حلقة نيران رشاشاتهم من كل جانب لتضع نهاية مأساوية للأسرة المالكة، ليختتم المشهد بهذا المصير البشع لجثة الأمير عبدالإله التي تلاشت سحلا في شوارع بغداد فاتحة لموت وقتل أشنع وأبشع.

مصطفى عبد الرازق

الكتاب: أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق

تأليف: د. فالح حنظل

الناشر: دار الحكمة لندن 2008

صفحات: 287 صفحة

القطع: الكبير

Email