كتب في الذاكرة

المحرر الوجيز

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف كتاب «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» هو الأمام الفاضل والفقيه «أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي» الذي نشأ نشأة علمية. فوالده كان من أعلام الأندلس في الفقه والحديث. ولذلك فإن هذه النشأة الأصيلة. وتلك الرغبة القوية في التحصيل والتفوق. كانت سبباً من أسباب نبوغ وشهرة مؤلف هذا الكتاب. حتى عرفه القاصي والداني. وأثنى عليه كل من عرفه. أو اطلع على مؤلفاته وآثاره.

ولد «أبو محمد» سنة 481 هـ في غرناطة بالأندلس. المدينة التي كانت تذخر بالعلم والعلماء. وتوفي سنة 541 ه. والدارس لحياة هذا العلامة. يجد فيها ألواناً من الجهاد في سبيل مجده ومكنته العلمية. وفي سبيل أمته وعقيدته. فقد جاهد في سبيل العلم حتى وصل فيه إلى أعلى مكانة. وجاهد في ميدان القتال ضد أعداء الدين والوطن. لأن أيام المرابطين. كانت أيام معارك وحروب دامية. وكان «ابن عطية» ممن حملوا السيف. واشتركوا في كثير من الغزوات.

ويعتبر «ابن عطية» نابغة بمقاييس النبوغ في عصره. لأنه أحاط بكل العلوم المعروفة في زمانه. وكان على جانب كبير من الثقافة وتنوع المعارف. وقد أهله ذلك لسمعة علمية ظلت باقية على الزمن. أما كتابه «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» فهو المعروف بين الناس باسم «تفسير ابن عطية» وقد وضع المؤلف نفسه منذ البداية منهجاً كاملاً. ورسم له طريقاً واضح المعالم. فهو يرى أنه يجب على كل من يريد أن يدخل ميدان التفسير. أن يأخذ من العلوم كلها. وأن يعد نفسه إعداداً علمياً كاملاً. حتى يكون أهلاً لهذه المهمة الجليلة.

أما خطوته الثانية: فكانت اختيار علم واحد من علوم الشرع يستنفد منه كل طاقاته ويحصل فيه كل ما يستطيع. حتى يضبط أصوله ويحكم فصوله. ويلخص ما هو منه أو ما يؤول إليه ويفي بدفع الاعتراضات عليه وقد رأى أن يختار علم كتاب الله لأنه هو العلم الذي جعل للشرع قوماً. واستعمل سائر المعارف خداماً.

وقد اعتمد «ابن عطية» في تفسيره هذا للقرآن الكريم على كثير من المصادر في أهم العلوم التي رأى أن تكون موضع اهتمامه وعنايته في تفسير. ولعل من أهمها: كتب التفسير. واعتمد منها على تفسير الأمام «أبي جعفر محمد بن جرير الطبري» المسمى: جامع البيان في تفسير القرآن. وتفسير: أبي بكر محمد بن الحسن النقاش. المسمى: «شفاء الصدور» وتفسير «أبي العباس أحمد بن عمار المهدوي. المسمى: التحصيل لفوائد كتاب التفضيل. الجامع لعلوم التنزيل.

كذلك اعتمد على كتب القراءات. وهي كثيرة. لعل من أهمها: «كتاب الحجة» لأبي علي الفارسي. وكتاب «المحتسب» لأبي الفتح بن جني». كذلك اعتمد على كتب اللغة والنحو. وخاصة كتب «الخليل بن أحمد. وسيبويه. وأبي علي الفارسي. والفراء. والزجَاج. والمبرد وثعلب...».

وإلى جانب ذلك اعتمد على كتب كثيرة في الحديث. مثل «البخاري. صحيح مسلم. الترمذي. والنسائي..». وهكذا جعل «ابن عطية» من تفسيره كتاباً جامعاً لكل العلوم. وقد أراد بهذا أن يجعل التفسير في المقام الأول بين علوم العربية.

وقد رأى المؤلف أن يسقط القصص التي ملأت كتب المفسرين قبله والقضية هنا قضية كبيرة. وهي قضية الإسرائيليات التي تعتمد على الأساطير المتناقضة والخرافات الزائفة. التي تسربت إلى كتب التفسير لأسباب شتى. وهكذا تميز تفسيره عما قال العلماء عنه. بالدقة والتحقيق. وكان يقف من آراء العلماء في المعاني موقف الناقد. فهو لا يثبت من اقوالهم إلا ما نسب إليهم على الأصول التي تلقى بها السلف الصالح.

وهكذا يذكر كل ما يتعلق بالألفاظ على ترتيبها. ولا ينتقل من أمر إلى غيره. إلا بعد أن يستقصي ما فيه من آراء. ويذكر رأيه إن شاء. فهو حريص على أن يسير مع الألفاظ بالترتيب الذي وردت به في الآيات الكريمة. حتى لا يقع فيما وقع فيه غيره من المفسرين الذين لا يتتبعون الألفاظ بل ينتقلون بينها بدون ترتيب. وهكذا جاء كتاب التفسير هذا غاية في الدقة. وليكون مؤثراً وفاعلاً فيمن جاء بعده من المفسرين.

M_alfahed@yahoo.com

Email