مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور محمد خليفة المعلا لواء شرطة متقاعد وحاصل على دكتوراه في القانون من جامعة ويلز بالمملكة المتحدة. وقد أعدت مادة الكتاب في الأصل كدراسة باللغة الإنجليزية لنيل درجة الدكتوراه في القانون بجامعة ويلز بالمملكة المتحدة واعتمد المؤلف في إعدادها على البحث في الوثائق والمراجع المتوفرة إلى جانب التقصي الميداني المباشر.
ويركز المؤلف من خلال الدراسة على تناول قضية هامة للإمارات تتمثل في مسألة جزيرة أبوموسى المحتلة من قبل إيران مع بعض الإشارات إلى بعض المسائل ذات العلاقة باحتلال إيران لجزيرتي طنب الصغري والكبرى.
وجاء تخصيص أبو موسى في ضوء رؤية المؤلف من أنه إذا كانت الجزر الثلاث تلتقي في موضوعي وطروحات الحق التاريخي والخارطة الجغرافية البريطانية المعدة عام 1886 فإن جزيرة أبوموسى تنفرد وحدها في كونها موضعا لمذكرة تفاهم يصفها بالمعيبة مع الشارقة برعاية بريطانية.
وعلى ذلك يستعرض المؤلف كافة الجوانب المتعلقة بالمسألة سواء على مستوى التعريف بالجزيرة أو منشأ وتطور النزاع عليها مقدما حجج وأسانيد الطرفين ثم مذكرة التفاهم المتعلقة بالجزيرة وأخيرا تقييم حجج وبراهين الطرفين وإمكانية التسوية أو الحل.
بداية يشير الدكتور محمد المعلا إلى أن الوثائق المعتمدة المتوفرة حاليا ومنها وثائق الأرشيف البريطاني تبين جميعها أن الجزر الثلاث كانت للقواسم العرب في مشيختي الشارقة ورأس الخيمة منذ ما قبل 1750، غير أن إيران تدعي أن هذه الجزر كانت لفارس قبل وصول البريطانيين إلى المنطقة بداية القرن التاسع عشر حيث حرموها عنوة من حقوقها في تلك الجزر.
وبعد أن يستعرض القيمة الإقتصادية والأهمية الإستراتيجية للجزيرة بالتفصيل يتناول الكاتب منشأ وتطور النزاع فيذكر أن المطالبة الإيرانية بالجزيرة لم تكن مطالبة جادة حيث لم تكن إلا تلميحا وتلويحا بهدف الضغط وكورقة مساومة في مسار نزاع هو المطالبة الفارسية بالبحرين وكورقة مساومة في مساعي انتزاع الاعتراف أو السكوت عن الاحتلال الفارسي لجزيرة صري مترافقا مع المطالبة بجزيرتي طنب الكبرى والصغرى.
ثم إن الموقف البريطاني الذي مثل العرب آنذاك اتسم بالتناقض تبعا للمصلحة البريطانية وحدها دون اعتبار للعدل والمسؤولية القانونية والأخلاقية حيث تبدل من الرفض الصارم إلى القبول بالتفاوض والمساومة.
وفي تفنيده للمطالب الإيرانية يشير المؤلف إلى عدة عناصر منها أن أبوموسى شهدت إنزالا عسكريا إيرانيا فاشلا عام 1904 تم مواجهته والتصدي له بحزم من قبل البريطانيين والعرب، وقد أعقب ذلك صراع على أبوموسى بين البريطانيين والألمان خلال الفترة ما بين 1907 و 1914.
كما يشير المؤلف إلى أن المقترحات الفارسية الإيرانية بخصوص أبوموسى منذ بدء المطالبة وحتى عام 1970 والتي تباينت كثيرا اشتملت على عروض بالبيع أو التأجير أو ترك المطالبة بها لقاء تعويض معين.
ومن بين العناصر الأخرى التي يشير إليها المؤلف هنا أن أبوموسى كانت موضوعا لمراسلات متبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا حين اختارت الأولى الجزيرة لتكون قاعدة بحرية مؤقتة عام 1960 لأغراض المسح الهيدروغرافي الذي تجريه الأدميرالية الأميركية.
وفي تناوله لظروف احتلال جزيرة أبوموسى يذكر المؤلف أن التقاء المصلحة الإيرانية بمصلحة القوى الغربية في منطقة الخليج كان له دور مباشر في تحقيق إمكان الحصول على إيران للجزيرة.. ذلك الدور الذي اتخذ شكل السكوت والقبول بل والترحيب الضمني كما في حالة الولايات المتحدة واتخذ شكل التملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية بل والتواطؤ كما في حالة بريطانيا.
أما عن أهداف واستراتيجية إيران في ظل الظروف التي وقعت فيها عملية الاحتلال فيشير إلى أنها تمثلت في ملء الفراغ السياسي والعسكري كقوة سياسية عسكرية أولى في المنطقة وحماية المصالح وتحقيق مكاسب والطمع في إعادة المجد الفارسي القديم فضلا عن درء خطر المد الثوري في المنطقة والذي يهدد النظام الملكي الإيراني.
وفي مجال الحجج التي يستند إليها كل طرف يشير الكتاب إلى أن إيران تطرح خرائط أعدتها بريطانيا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تأسيسا على أن جزيرة أبوموسى قد لونت فيها بلون الأراضي الفارسية في ذات الخريطة.
وأما مذكرة التفاهم والتي حققت وجودا لإيران في الجزيرة عام 1971 فإن الوضع الذي أقامته لم يعد مقبولا بل ومرفوضا من كلا الطرفين، إيران بدعوى أن الظرف القائم وقتها قد جعلها تقبل بتلك الوضعية مؤقتا كحد أدنى
والإمارات بحجة أن حاكم الشارقة حينها قد أجبر بضغط وتواطؤ إيراني بريطاني في ظل ظروف دولية وعربية واقعية شلت إرادته على القبول بتوقيع المذكرة بمنطق إنقاذ البعض خير من فقد الكل، وأن ذلك سوف يجعل الطرح والمطالبة بالحق أقوى في حال تغيرت ظروف الإجبار مستقبلا.
وفي حججها بشأن الخرائط تؤسس الإمارات اعتراضها ودفعها على ثلاثة محاور هي اعتراف بريطانيا بالخطأ الذي وقعت فيه عند إعداد الخريطة ورفضها المتكرر والمستمر لاحتجاج إيران بها فضلا عن وجود ظروف معلومة من صنع بريطانيا نفسها ولغرض خدمة أهداف استعمارية محددة في فترة معينة قادت بريطانيا لاحقا إلى الوقوع في الخطأ وانتفاء القيمة القانونية عن الخارطة التي تحتج بها إيران كدليل إثبات.
وفي تقييمه لحجج الطرفين يشير الباحث إلى أنه بعين التجرد والحياد يبدو واضحا بجلاء أن الحق في جزيرة أبوموسى ملكية وسيادة هو للإمارات (الشارقة) في ضوء أن حججها وبراهينها الموثقة والمسنودة ترجح على ما تطرحه إيران على سبيل الحجة والبرهان ويفتقر إلى الإسناد أو أن إسناده ضعيف أو مردود عليه أو أنه لا يستوفي مطلوب الحجة أو الدليل كما تقتقضيه قواعد القانون الدولي والأعراف السياسية.
ويذكر المؤلف أنه إلى جانب الوقائع التاريخية الموثقة والحقائق القانونية المثبتة فإن ما يؤكد حق الشارقة ملكية وسيادة في الجزيرة هو الاعتراف الدولي الصريح لها بتبعية الجزيرة وسيادتها عليها وهو ما تؤكده الوثائق الرسمية البريطانية وتؤكده طلبات الإذن المرفوعة إلى شيخ الشارقة في فترات مختلفة منذ القرن الماضي من قبل بريطانيا والولايات المتحدة.
وفي ضوء ما سبق فإن السؤال الذي يفرض نفسه ويحاول المؤلف أن يقدم إجابة شافية له هو إلى أين تمضي المسألة وما هي إمكانيات التسوية والحل؟ يشير المؤلف إلى أن الإمارات لم تسكت عن حقها المغتصب في الجزيرة واستمرت على نحو أو آخر وبدبلوماسية هادئة تحاول إقناع إيران بإعادة الجزر إليها،
وفي الوقت ذاته واصلت على الوجه الملائم للظروف طرح وإثارة مطالباتها في المحافل الدولية، إلا أن ردود الفعل على ذلك لم تكن ذات بال مما يمكن مع القول أن أزمة الجزر المغتصبة قد نامت أو نومت قسرا طوال عشرين عاما بدءا بعام 1971.
غير أنه في عام 1992 تحركت إيران تحركا خاطئا غير مكتفية بما هو عليه الوضع ونتيجة لحسابات خاطئة عملت على فرض السيطرة الكاملة على أبوموسى بحجة الحق التاريخي وتهديد عربي مزعوم لوجودها في الجزيرة
مما أدى إلى انفجار البركان الذي ظل هادئا طوال عقدين من الزمان ممثلا في التحرك الذي قامت به الإمارات ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والدول الحليفة حتى أن الموضوع شكل قضية ساخنة بالغة الخطورة في الدورة 49 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويشير المؤلف إلى أن الإجراء الإيراني عام 1992 يبدو أنه لم يكن وليد اللحظة بسبب تهديد عربي لإيران في الجزيرة كما تدعي، بل إنه كان مخططا له في إطار السياسة الإيرانية الكلية تجاه مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحلفاؤه الغربيين في ظل الظروف القائمة ومن موقع اتخاذ القرار.
ويوضح المؤلف أنه من خلال ردود الأفعال تجاه الإجراء الإيراني في جزيرة ابوموسى عام 1992 يبدو واضحا أن مسألة أبوموسى بل ومسألة الجزر الثلاث مجتمعة قد قفزت إلى رأس القضايا المؤثرة في منطقة الخليج وعلاقاتها في الإطارين المحلي والدولي.
ففي سبتمبر 92 أكدت دول إعلان دمشق في انعقادها بالدوحة وقوفها التام إلى جانب الإمارات في التمسك بسيادتها الكاملة على جزيرة أبوموسى وتأييدها المطلق لكافة الإجراءات التي تتخذها لتأكيد سيادتها وقد تبع ذلك مواقف مؤيدة للإمارات من قوى دولية فاعلة.
وفي محاولة تقديم تصور بشأن حل النزاع يفصل المؤلف في أساليب حل المنازعات الدولية مشيرا إلى أنه يأتي على رأسها التسوية السلمية التي يتفق أطرافها على الوصول إلى حل ودي في شأنها ويلي ذلك الإجبار أو الوسيلة التي تقوم على القهر أي تلك التي يكون حلها عن طريق استعمال القوة.
وهنا يوضح أن قواعد القانون الدولي تحظر استعمال القوة وتفرض أحكام ميثاق الأمم المتحدة أن يفض جميع أعضاء المنظمة الدولية منازعاتهم بالوسائل السلمية وإن كان القانون الدولي لا يحرم استعمالها مطلقا.
أما طرق التسوية السلمية فقد حددها القانون بنوعين هما الوسائل السياسية والثاني القضائية وتشمل الأولى المفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة وغيرها فيما يقصد بالثانية قيام شخص دولي من غير أطراف النزاع بالفصل فيه على أساس القانون القائم وبقرار غير ملزم قانونا.
وفي محاولة لاستشراف ما يمكن تطبيقه على نزاع أبوموسى ومع استبعاد استخدام القوة الفعلية الكلية لتسوية النزاع تسوية فاصلة من قبل أي من الطرفين على الأقل في الوقت الراهن للعديد من الأسباب، يذكر المؤلف انه من الواضح من خلال استعراض مواقف الدولتين أن الإمارات ترغب وتسعى بجدية إلى تسوية المسألة مفضلة أن يكون ذلك عن طريق التفاوض المباشر وفقا لمبادئها المعلنة من موقفها في هذا النزاع.
وفي الوقت ذاته فإنها تدعو إلى اللجوء إلى القضاء الدولي في حال تعذر ذلك إلى جانب تركها الباب مشرعا للمساعي الحميدة ومبادرات الوساطة وغيرها من الوسائل السلمية لحل النزاعات. أما على الجانب المقابل فإن إيران وكما هو واضح تعمل على أن تعوق كل ذلك لأطول فترة ممكنة،
فترفض بعض الحلول صراحة وهو القضاء الدولي، فيما تماطل في البعض الآخر، وتعوقه بأية طريقة حتى وإن قبلت به غير جادة وهو التفاوض. ويرجع المؤلف ذلك إلى حقيقة رجحان كفة حق الإمارات في أبوموسى وكذلك طنب الصغري والكبرى وقوة حججها وبراهينها والوثائق الداعمة لذلك في أحكام القانون والفقه الدوليين.
ألفت عبد الله
*الكتاب:مسألة أبوموسى
*الناشر:خاص ـ الشارقة 2007
*الصفحات:479 صفحة من القطع الكبير
