تاريخ الديمقراطية

تاريخ الديمقراطية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور جون دون أستاذ العلوم السياسية في جامعة كامبردج، وهو يقدم في هذا الكتاب لمحة تاريخية شاملة عن نشوء فكرة الديمقراطية لأول مرة في اليونان القديمة وكيفية تطورها على مدار الأحقاب الزمنية التالية حتى وصلت إلى يومنا هذا.

يقول المؤلف بما معناه:إن الديمقراطية تدل على مجموعة من المبادئ الفلسفية والسياسية التي ينظم شعب ما بموجبها حياته طبقا لقواعد واضحة يبلورها الجميع ولا يستثنى أحد من المشاركة فيها. وكلمة ديمقراطية كما هو معروف يونانية الأصل وهي مشكلة أو مركبة من كلمتين: ديموس: أي الشعب، وكراسيا: أي سلطة أو سيادة أو حكم. وبالتالي فيصبح معناها: حكم الشعب للشعب. وكل نظام لا يشارك الشعب في حكمه لا يعتبر ديمقراطيا، وقد يكون عندئذ استبداديا أو قد يتخذ صيغة حكم رجال الدين، أي الثيوكراسيا، وهي أيضا مركبة من كلمتين: ثيوس: أي رجال الدين، وكراسيا: أي حكم.

وبالتالي فالحكم الثيوقراطي مضاد للحكم الديمقراطي. وقد ساد الأول في أوروبا إبان القرون الوسطى حيث استلم الباباوات المسيحيون السلطة إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتالي فالنظام الثيوقراطي يعني حكم رجال الدين.

وقد عرّف الزعيم الأميركي ابراهام لنكولن الديمقراطية مرة على النحو التالي: إنها حكم الشعب من قبل الشعب، ولأجل الشعب. واستعاد الدستور الفرنسي الذي بلوره ديغول بعد عودته إلى السلطة عام 1958 هذا التعريف.

ثم يضيف المؤلف قائلا: وبشكل عام نلاحظ أن التصور الغربي للديمقراطية ترجع جذوره إلى عهد اليونان وديمقراطية أثينا الشهيرة. ولكن هذه الديمقراطية البدائية كانت مباشرة، بمعنى أن جميع مواطني مدينة أثينا كانوا يجتمعون في الساحة العامة ويشاركون في التصويت على القرارات العامة. وقد كانت ديمقراطية «انتقائية» ولا تشمل جميع الذين يخضعون لنظامها.

ولكن هذه الديمقراطية كانت ناقصة لأنها كانت تستثني النساء والعبيد والأجانب من عملية التصويت. لكي نوضح الأمور بشكل أكثر فسوف نقول: كان عدد سكان أثينا آنذاك مائتين وخمسين ألف نسمة، من بينهم كان حق التصويت يعطى لثلاثين ألف شخص معتبرين مواطنين بالكامل ومن بين هؤلاء الثلاثون ألف شخص كان يحضر الاجتماعات العامة خمسة آلاف شخص فقط. هذه هي ديمقراطية أثينا.

وبالتالي يخلص المؤلّف من هذا إلى القول إنه لا ينبغي أن نبالغ في أهميتها أو إعطاء صورة زاهية جدا أو مثالية جدا عنها. ولكن أهميتها تعود إلى أنها كانت أول تجربة ديمقراطية في التاريخ. وبالتالي فقد أصبحت نموذجا للأجيال القادمة ومرجعية لا تزال مقبولة في أوروبا حتى الحقبة الراهنة أي حتى نضوج التجربة الديمقراطية.

ويناقش المؤلف أطروحات المؤرخين الذين يقولون إن الجمهورية الأميركية التي أقامها الآباء المؤسسون عام 1788 كانت أول ديمقراطية ليبرالية في التاريخ، أي أنها جمعت بين الحرية وحق التصويت للجميع والمساواة في المواطنية . لكن تتم الإشارة هنا إلى أن منظومات أخرى تعطي مثل هذا الحق دون مثل هذه المرجعيات .

وأما في فرنسا فيلاحظ المؤلف أن الجمعية الوطنية (أي البرلمان) الناتجة عن الثورة الفرنسية عام 1789 هي التي أقامت الديمقراطية لأول مرة في فرنسا. فقد أصدرت تلك الجمعية الوطنية في حفل مهيب إعلانها الشهير لحقوق الإنسان والمواطن. وساوت فيه بين جميع أبناء الشعب الفرنسي دون استثناء، وكان ذلك من وجهة نظر الذين قاموا بتلك الثورة بمثابة رد فعل على القرون الطويلة من الحكم السابق.

ويرى المؤلف أن ذلك ما كان ممكنا قبل تفكيك المشروعية الكنسية القديمة وحلول المشروعية «العلمانية» محلها. ففي السابق كانت الكنيسة المسيحية هي التي تخلع المشروعية على السلطة السياسية مجسدة في شخص الملك. وكان الملك الفرنسي يعتبر كلامه معصوما وقراراته لا تناقش ولا ترد.

ولكن فلسفة التنوير فككت هذه المشروعية عن طريق نقدها الصارم للكنيسة المسيحية ولرجال الدين وللسلطة الإطلاقية وخوضها معركة من أجل العقل. وهذه الفلسفة مهّدت للثورة الفرنسية الكبرى التي جاءت بمشروعية جديدة. ويستنتج من ذلك أن الثورة الفكرية، اي التنويرية في فرنسا سبقت الثورة السياسية. بل إن هذه الأخيرة كانت بمثابة محصلتها والناتجة مباشرة عنها. إنها بمثابة الترجمة المحسوسة لها على أرض الواقع.

وبعد الثورة الفرنسية أصبحت المشروعية مستمدة من الشعب لا من الكهنة أو رجال الدين والبابوات. باختصار أصبحت السيادة للشعب. هذه هي الديمقراطية ، بالمعنى الغربي لها منذ بداياتها الأولى وحتى الفترة الراهنة. وهو المعنى السائد عالميا في واقع الأمر .

ويرى المؤلف أن كل نظام سياسي يشتغل من أجل المصلحة العامة للشعب وليس من أجل مصلحة فئة معينة هو ديمقراطي.أي على عكس الأنظمة التي تنسى شعوبها ومصالحهم من أجل خدمة نسبة 5 بالمئة من الشعب على أكثر تقدير. ويقصد بذلك الطبقة العليا التي تحكم فرنسا منذ قرون عديدة، بل وكانت تحكم أوروبا كلها وقد وجدت امتداداتها في العالم الجيد ، أي الولايات المتحدة الأميركية.

ويؤكّد مؤلف هذا الكتاب أن عدد العائلات في فرنسا ما كان يتجاوز الخمسمائة عائلة، وبالتالي كانت هي في جهة والشعب كله في جهة أخرى. من بين هذه العائلات أو بالأحرى في قمتها تقف طبقة الاكليروس، أو رجال الدين المسيحيون الكبار الذين ورثوا الدور الاستثنائي للكنيسة الكاثوليكية الذي لعبته طيلة قرون عديدة من الزمن.

ويشير المؤلف إلى أنه على الرغم من أن الإنجيل يدعو في صميمه للاهتمام بالفقراء أكثر من الأغنياء والكبار المتسلطين إلا أن رجال الدين خانوا كلام الإنجيل وخرجوا عنه أو عليه. وعندما بلغ استغلال الشعب مبلغه، عندما أصبح فقيرا مدقعا يئن تحت وطأة الضرائب الثقيلة المفروضة عليه انفجر بالثورة الفرنسية والغضب العارم،

وحطم الطبقات التي كان يعتبرها المصدر الأساسي للحالة البائسة التي كان يعيش فيها. وهكذا قلب النظام القديم رأسا على عقب بعد أن قطع رأس الملك لويس السادس عشر تحت المقصلة وكذلك رأس زوجته ماري انطوانيت ، صاحبة الكلمة الشهيرة عندما تظاهر الفرنسيون العاديون مطالبين بالخبز وجاء فيها : « ما عليهم سوى أن يأكلوا البسكويت»..

لقد تبنّت فرنسا النظام البرلماني باعتباره إحدى الصيغ الأساسية في المنظومة الديمقراطية للحكم . كما تبنّت صيغة أخرى يتم النظر إليها على أنها ركن أساسي أيضا في هذه المنظومة . المقصود بذلك الفصل بين السلطات كما نصح بذلك الفيلسوف الكبير مونتسكيو (صاحب كتاب « روح الشرائع» الذي ترجمه إلى اللغة العربية رفاعة رافع الطهطاوي) فالسلطة القضائية أصبحت مستقلة عن السلطة التنفيذية (أي الحكومة)، وكذلك عن السلطة التشريعية (أي البرلمان).

وفي المحصّلة النهائية يرى مؤلف هذا الكتاب أن الفصل بين هذه السلطات الثلاث هو أحد أسس الديمقراطية الحديثة . إن هذه الديمقراطية الحديثة تقوم على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين دون استثناء وذلك على عكس ديمقراطية اليونان حيث استبعدوا النساء والعبيد.

*الكتاب:الديمقراطية، تاريخ بأسره

*الناشر:اطلانتيك مونثلي - بريس 2007

*الصفحات :248 صفحة من القطع الكبير

Democracy, a history

Atlantic Monthly Press 2007

P.248

Email