صدر مؤخرا عن دار الساقي كتاب للكاتب خير الله خير الله تحت عنوان «المغرب في عهد محمد السادس.. ماذا تغير..»، والكتاب يقع في 278 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على ستة عشر فصلا،

ويرصد المتغيرات التي طرأت على المغرب منذ ثمانية أعوام، بعد وفاة الملك الحسن الثاني، وتسلم نجله سدة الحكم تحت اسم «محمد السادس»، ويقدم إجابات شافية للحيارى الذين أجهدهم البحث المضني حول المغرب والإرهاب، اليهود المغاربة ودورهم المشبوه، البحث عن الهوية بين العربية والأمازيغية.

يبدأ الكتاب بمقدمة غريبة معنونة بـ مغرب أكثر إنسانية، مغرب يقوم عبر التطلع إلى المستقبل من زاوية جديدة تنطلق من هموم المواطن العادي وتنتهي عند هموم المغرب، حتى الطبيعة نالها شيء من التغيير، فالأشجار أضحت أكثر اخضرارا وصارت طرقاتها نظيفة، ونظرة إلى المستقبل بنفق طوله ثمانية وعشرين كيلو مترا يبنى تحت البحر المتوسط من طنجة بالمغرب إلى اوروبا،

وحتى الفقر الذي أخرج عمليات انتحارية في مايو 2003 او يونيو 2007، بدأ يأخذ دوره في المراجعة الشاملة - ليست الأمنية فحسب- للظروف التي نشأ في ظلها الإرهابيون الذين نتوقع منهم تصرفات يائسة ومتعصبة، وزيارة العاهل المغربي الشاب للجزائر والتجول في شوارعها، لمحاولة تضييق الهوة بين البلدين.

يحكي خير الله خير الله بداية عن (أسطورة هرقل) حيث تخبرنا الأسطورة بأن هرقل شق البحر المتوسط في لحظة غضب كان من نتائجها عزل افريقيا عن اوروبا قبل ان يخلد إلى راحة أبدية عند مغارات منطقة «أسفار» المغربية في فترة عقود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ومجرد التفكير في سد لُحمة ما فعلته الأسطورة عبر نفق بحري عن طريق جبل طارق،

يعكس التطلع إلى تحدي الطبيعة التي تُفرّق بين الحضارات والثقافات، كل هذا جعل الأوروبيين أكثر اهتماما ببناء نفق تحت بحر المانش للدلالة على قدرات الإنسان في تطويع الطبيعة لفائدة السلم والإخاء والازدهار، لكنهم وقفوا عاجزين أمام مشروع الربط القاري، كونه بين دولتين الأولى أوروبية والأخرى افريقية.

ثم يضيف المؤلف قائلا: جاء محمد السادس بلا ألقاب تسبقه، عدا صفته الأميرية، فقدر الملوك انهم لا يخوضون منافسات انتخابية، لكنهم ملزمون بالقدر نفسه بتقوية حاسة الاستماع إلى نبض الشارع من خلال الوظيفة الرمزية لمفهوم التعاقد المستند أساسا إلى مرجعيات روحية ودستورية وديمقراطية.

كما احتوى الكتاب على معلومات توافرت لدى المؤلف، ساعيا الى إعطاء خلفية تاريخية لنزاع الصحراء والمراحل التي مر فيها وذلك من منطلق تجربة قائمة على مرافقة صحافية للنزاع منذ بداياته، شملت هذه التجربة زيارات عدة للصحراء ذاتها في الثمانينيات ومطالع التسعينيات،

ولم تقتصر الزيارات على «العيون»، بل كان مؤلف الكتاب من الصحفيين القلائل الذين غطوا في زياراتهم الصحراء كلها من الساحل إلى الداخل وصولا إلى الجوار الذي يحميها عسكريا والذي وضع نهاية لحرب الاستنزاف التي تعرض لها المغرب.

ثم يضيف المؤلف فصلا عن العلاقات المتأرجحة بين الجزائر والمغرب قائلا: ما ان تهدأ الأمور بين البلدين، الا وتحدث شرارة بسيطة، تعود الأمور إلى نقطة الصفر، أو ما دون ذلك؛ عندما أجتمع الملك الحسن الثاني (توفي عام 1999) والرئيس الجزائري هواري بومدين (توفي 1978) والرئيس الموريتاني المختار ولد داده (أقصى عن الحكم 1978)،

في أغادير على الساحل الأطلسي للمغرب، قال الرئيس الجزائري: أن لا مطامع لبلاده في الصحراء، وأنه يدعم أي تنسيق بين الأطراف المعنية في مواجهة قرار أسبانيا منح حكم ذاتي لسكان الساقية الحمراء ووادي الذهب، يبقيها تحت سيطرة مدريد، وخاصة ان الجزائر قد أقرت صراحة في القمة العربية التي استضافتها الرباط عام 1974،

ان لا مشكلة بينها وبين المغرب في قضية الصحراء، بعد ذلك عمدت أسبانيا إلى استمالة شبان ينحدرون من أصول صحراوية لتأسيس «بوليساريو» إلى جانب بعض الأحزاب السياسية الموالية لها على طريق فرض الأمر الواقع في الإقليم الذي ربطت مستقبله بموقف «الجماعة الصحراوية» اي البرلمان الصحراوي وقتذاك.

ولكن بعد وفاة بومدين، اجتمع الرئيس الشاذلي بالملك الحسن، وتم تجديد العمل باتفاق ترسيم الحدود ضمن «معاهدة الإخوة وحسن الجوار..، وفي خط مواز اجتمع الملك الحسن مع قياديين في جبهة البوليساريو للمرة الأولى في مراكش،

ولكن الاختراق الذي حصل بين الجزائر والمغرب لم يعمر طويلا نتيجة استقالة الرئيس بن جديد تحت ضغط الأزمة الداخلية، عندما فازت جبهة (الإنقاذ الجزائرية) برئاسة عباس مدني، وأعلن بن جديد نتيجة الانتخاب، وقد أيدت ضمنا المرجعيات المغربية فوز الجبهة وإنها - أي المغرب - تدعم الخيار الديمقراطي، فردت الصحف الجزائرية بأن على المغرب (تجريب ذلك في عقر داره).

ثم بدأت مرحلة حوار مغربي/ جزائري على خلفية إسلامية تمثلت في طلبات جزائرية لتسليم معارضين إسلاميين، ودار حوار بين المعارض الجزائري واحد إبطال حرب التحرير الجزائرية محمد بوضياف الذي كان يقيم بمدينة القنيطرة المغربية ويدير مصنعا للبناء من أجل العودة إلى الجزائر وقيادة البلاد،

وقد حرص لدى مغادرته المغرب ليصبح رئيسا للجزائر يتمتع بالشرعية التاريخية على تأكيد التزامه إيجاد حل سريع لنزاع الصحراء، لكن الرصاص الذي صوب اليه ليغتاله في 29/ 6/ 1992، تطايرت شظاياه لتصيب العلاقات المغربية - الجزائرية في مقتل.

كما تورط رعايا من أصول جزائرية في هجمات فندق «أطلس- أسني» في مراكش، ونتيجة فرض المغاربة نظام التأشيرة على الرعايا الجزائريين وردت الجزائر بإجراء مماثل، وأغلقت الحدود البرية بينهما عام 1994، ولا يزال مفعول القرار ساريا إلى اليوم؟

والعجيب - بالرغم من كل ما يحدث - فان الأطروحة الجامعية التي قدمها الملك محمد السادس في العام 1985 كانت تحت عنوان (الاتحاد العربي - الإفريقي)، في وقت ابرم فيه المغرب وليبيا معاهدة وجدة الوحدودية، ولكن ما على الورق شيء، والواقع على الأرض مختلف تماما.

ويعيد خير الله خير الله الى الأذهان محاولة اغتيال الحسن الثاني فقد حدث ان كان الملك الحسن يحتفل بعيد ميلاد بقصر «الصخيرات» في الثامن من يوليو عام 1971، وإذا بالجيش يستولى على السلطة، وبين مصدق ومكذب- خرج الملك الحسن الثاني ليعلن من إذاعة طنجة شمالي البلاد عن فشل المحاولة التي قادها الجنرال أوفقير ساعد الملك الأيمن،

والرجل القوي، ولما تكررت المحاولة في العام التالي - 2791- لم يكن هناك بد من إعدام الجنرال اوفقير، وخرج الملك يستشيط غضبا أمام التلفاز المغربي مهددا واعدا: «سأبيد الثلث ليقضي الثلثان في استقرار».

بعدها يثير المؤلف في كتابه موضوع اليهود المغاربة حيث ثمة حدثان لفتا الانتباه، خلال حرب يوليو 2006، على لبنان، الأولى ان محامين مغاربة قاضوا وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس أمام المحاكم المغربية بتهم ارتكاب جرائم حرب،

ولكونه ينحدر من أصول مغربية لم تسقط عنه الجنسية بموجب قوانين البلاد والسارية المفعول، والحدث الآخر كان فرار مجندين إسرائيليين من أصول مغربية ولجأ إلى الوطن الأصلي لتجنب الملاحقة ورفض المشاركة في الحرب العدوانية نتيجة وخز الضمير.

في الحدثين يتوزع الولاء ين مفهوم وطن المولد والنشأة والجذور التاريخية والوطن البديل الذي أريد له أن يكون في حجم أوهام الدولة الكبرى التي لا حدود معروفة لها ولأحلامها. وكما تكشف الوثائق التاريخية، أن اليهود الذين طردوا من الأندلس على غرار المسلمين وجدوا الملاذ الآمن في المغرب الأقصى،

كما كان شأن أجدادهم الذين تربوا وترعرعوا في كنف الدولة المغربية التي ضمنت حقوقهم في العبادة والمعاملة وتولي مناصب المسؤولية، ويكفي ان وزارة البريد عام 1956 تولاها اليهودي الدكتور ليون بن زاكين، واختيار رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرج ديجو سفيرا جوالا في العام 2006، وهكذا بقيت الطائفة اليهودية تتعايش في البلاد،

ويكفي ان الملك محمد الخامس لم يستسلم لضغوط الاستعمار الفرنسي لفرض قوانين طارئة على اليهود المغاربة كان يراد منها امتصاص غضب المسلمين اثر قرار تقسيم فلسطين عام 1948، واعتبر هذا الموقف وقتئذاك إنصافا لرعايا مغاربة يعاملون معاملة اي مواطن اخر من دون اي نوع من التمييز.

ثم يضيف الكاتب عن شخصية محمد السادس : لم يسبق للمغاربة على امتداد عقود مضت ان رأوا ملكهم يزور السجون والإصلاحيات، بل انهم لم يشاهدوا وزراء من بين المدافعين عن حقوق الإنسان والكرامة يدلفون إلى السجون لتفقد أوضاعها، وقد سمح الملك للمساجين باستكمال دراساتهم الجامعية، علاوة على العفو الملكي الذي شمل الآلاف وأمن ظروفا أفضل لهم،

وسهل الخلوة الشرعية للمتزوجين وأقام المزيد من ورش التأهيل والدراسة وضمان علاج المرضى. حتى ان نزلاء احد سجون الدار البيضاء اختاروا موضوع (التنمية البشرية) عنوانا لمسرحية كتبها سجناء

وأخرجوها وأدوا الأدوار فيها للدلالة على البعد الإنساني للخطة التي يرعاها الملك. علاوة على زياراته المتكررة لمناطق فقيرة دون بروتوكول، وإقامته في حينه لتتحول إلى مسمر لتداول شؤون الصحراء واستحضار المعطيات التاريخية وأوفاق الشرعية.

أنور الياسين

*الكتاب:المغرب في عهد الملك محمد السادس.. ماذا تغير

*الناشر:دار الساقي ـ بيروت 2007

*الصفحات: 278 صفحة من القطع الكبير