صدرت في القاهرة مؤخرا الأعمال الكاملة (3 أجزاء) للشاعر أنسي الحاج عن هيئة قصور الثقافة المصرية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الأجيال الجديدة والباحثين أيضا.. فرصة التعرف على أعمال الكاتب بشكل متكامل.
وقد استقبل قراء الشعر والمثقفون تلك الأعمال استقبالا احتفاليا، يليق بالحدث، احتفاء بالتجربة، مع الدعوة بأهمية استمرارها، بعد أن وجدت بعض الصعوبات المتمثلة في حقوق الملكية الفكرية لأصحاب الأعمال، وهو ما تم تجاوزه.
لقد أثار انسي الحاج قضية لم تثر إلا خلال الفترات القريبة وربما القريبة جدا، ألا وهي علاقة الشعر بـ «الكلمة» التي تحتضر أو لعلها ماتت. لم يكن شائعا الحديث عن الثقافة الرقمية ومعطياتها، يقول الشاعر في مقدمته:
ألم تعد الكلمات تبلور الحقائق وتبدعها؟
هل حلت الرياضيات محلها؟ والإحصاء، والتوثيق، والحفظ الالكتروني؟.. بين الأمية الجديدة، المقنعة بحجج السرعة والتكنولوجيا والمدنية السمعية البصرية، والانحطاط العضوي الذي يفترس اللغة، إذ كثير من اللغات، يشهد تضاؤلا مطردا في مفرداته (كميا)، واضمحلالا نوعيا، حيث فقدت الكلمة ما كان لها من حيوية وفعل.
ويخشى يوم لا تعود فيه أذن الإنسان تسمع من كلام «شعري» غير ذلك المقدم في الإعلانات، التلفزيونية منها بنوع خاص.
هل من حل؟ هل هناك باب، طريق؟
هل نقبل؟ هل نموت مع الحياة الجديدة؟ هل ندع الحياة الجديدة تخون أحلامنا ونقبل؟
كيف ننقذ الأدب؟ الفن، اللغة، الكلمة؟ بإنهاء لغة واستنباط لغة جديدة؟
ما يرعب ليس تخيل عالم يموت فيه الشعر (وكل فن «داخلي»)، بل تخيل عالم يسوده نظام برمجة المشاعر والأفكار والغرائز. نظام اللغة الالكترونية بعد الدماغ الالكتروني.
والآن ترى ما فعله الشاعر في مواجهة ما يعتقده من مصير مظلم للكلمة (في حينه) أمام بشائر الغزو الرقمي وهيمنة الثقافة الرقمية والصورة؟
يقول: «في الرواية والمسرح يأخذ المؤلف لنفسه حق قتل أبطاله، وكلما أمات أحدا منهم عاش معه تجربة الموت. ليس للشعر والأفكار، ولا للكتابة من نوع «خواتم»، أشخاص يمكن التلاعب بمصائرهم. الكتابة هنا تغدو شهادة مجردة، ممارسة مجردة، استشرافا للموت بلا طقوس، ممزوجة بذهب البداية ووحل الأم».
السيد نجم
