يمثل صدور كتاب «الكويت: من الامارة إلى الدولة ذكريات العمل الوطني والقومي»، للسياسي الدكتور أحمد الخطيب، ويعد الحدث المحلي الأول في الكويت هذه الايام لما يحمل من ذكريات سياسية وتاريخية ذات منعطف مهم في التاريخ السياسي الكويتي الحديث خاصة والعربي القومي عامة.

الكتاب يسد فراغاً في تأريخ مسيرة العمل الوطني والقومي في الكويت والوطن العربي حيث يتناول الفترة الواقعة ما بين 1938 و1967 وذلك من خلال تجربة ومساهمات الدكتور أحمد الخطيب أحد مؤسسي حركة القوميين العرب وأبرز شخصية معارضة. يتناول الكتاب كيفية نشأة حركة القوميين العرب وتأثر تلك النشأة بالتحولات الكبرى في المنطقة كنكبة فلسطين عام 1948 وما تلاها من أحداث كالثورة المصرية عام 1952، وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر 1956، والوحدة المصرية السورية. ويغطي الكتاب مراحل أساسية في التطور السياسي للكويت وكيفية وإرهاصات الانتقال من الإمارة المطلقة إلى الدولة الدستورية والتي مثلت مرحلة الصعود والنهوض بمشروع الدولة حتى الاستقلال عام 1961 وصدور الدستور عام 1962.

ومن خلال تجربته في العمل الشعبي والمدني، وتجربته في البرلمان يرصد الدكتور الخطيب بدايات الانكسار والتراجع لمشروع الدولة عام 1967. ومن المقرر أن يصدر الجزء الثاني ليغطي الفترة الواقعة ما بين 1967 و1992.

ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة فصول، تقع في حوالي ثلاثمئة وثلاثة وثلاثين صفحة عدا الصور التي رصع بها صدر الكتاب وعجزه، من صور الشخصيات التي أثرت فيه، وتأثر بها، إلى صور خاصة به مع رفاق عمره الدراسي، ومع زعماء وشخصيات تبوأوا مناصب قياديه في بلادهم، إلى صور كانت اللمحات الإنسانية هي لحمتها وسداها كحضوره صور زفاف، إلى رحلة حداق وصيد السمك، إلى استراحة قصيرة يستريح فيها من وعثاء الحياة متأملا إياها بعين المتمرس المحنك، إلى صور الضعف الإنساني مرتديا البنطلون الأبيض يخفف فيه الآم البشر إلى صور الأبوة الحانية، وكأنه يربت على كتفه بيمناه، ويتكئ باليسرى على ذكرياته التي ضمتها دفتا هذا الكتاب.

وفي مقدمه مسهبة، يعترف فيها بان ما خطته يداه ودبجه يراعه، ما هي إلا خطوات قلب وعقل وليدة عصرها، متأثر بتلك الحقبة أو ذلك التاريخ، وثانيا أن ما كتبه ليس دراسة تحليلية علمية، لان هذا يستدعي مبضعا لجراح، يعترف بتواضع، ليس هو أهلا له. يغوص الدكتور الخطيب في كتابه، إلى أولى مدارج حياته، ففي حي «الدهلة» وهو حي صغير من أحياء الكويت، وان ولادته كانت في ذلك الحي عام 1928، واضعا الكويت ليس فحسب بقلم كاتب وإنما بريشة فنان، يجعل ذهن القارئ يجسم أمام حروفه وضعا تفصيليا تاريخيا وجغرافيا وإنسانيا الكويت إبان تلك الحقبة وذلك الزمان.

من حياة الشظف إلى صيد اللؤلؤ، غاص كاتبنا في بحر من الذكريات، وفى خليج من الزفرات وينقلنا من مرحلة تعليمية إلى أخرى، صاعدا إلى الفوارق الطبقية التي كانت تسود المدرسة هابطا إلى مدارج المعاناة من سوء التغذية والمعاناة التي تمثلت في الفاقة الضاربة أطنابها في الربوع إلى شح المياه، وكيف كانت تصل المياه من شط العرب أو ما يجلب من بعض الآبار والمدرسة المباركية حيث ميعة صباه.

ويصف مدى الوعي القومي الذي زرعه الأساتذة القادمون من فلسطين المهددة من قبل الانجليز والصهاينة، واضعا المأساة الفلسطينية خصوصا بعد ثورة 1936ويتذكر أساتذته بكل تبجيل واحترام على اختلاف أطيافهم وتنوع مشاربهم، وكيف كان لهذا تأثير كبير في تفوقه بصفة عامه، وانكبابه على حب العلم بصفة خاصة.

ويمضي المؤلف يعزف سيمفونية القومية، على أنغام البطولة حينما أرسل خطابا للرئيس الراحل عبد الناصر تأييدا لموقفه الباسل ضد الاستعمار وخطابا آخر إلى نائب حاكم الكويت، بجعل يوم 22 فبراير 1959 (الموافق الذكرى السنوية الأولى لقيام الوحدة بين مصر وسوريا) إجازة رسمية، وبرقية أخرى للأمير عبد الله السالم الصباح بصدد مشروع اكتتاب رسمي وشعبي لإنشاء شركة للبواخر حتى تكون لها الأولوية في نقل بترول الكويت، حتى يكون بترول الكويت للكويتيين من منبع آباره لحين نقله وتصديره.

ثم ينتقل الكاتب إلى دور الحركة العمالية، ويذكر أن أول من بدأ التحرك الشعبي بعد ضرب تجربة المجلس التشريعي عام 1938، هم العمال، وكانت شركة نفط الكويت هي مكان أول تجمع عمالي كبير نسبيا في الكويت بعد أن ضربت تجارة اللؤلؤ واضحمل دور السفن الشراعية بسبب منافسة السفن الكبيرة البخارية، مما دفع بكثير من العاملين في هذين القطاعين للتوجه إلى العمل الحكومي المحدود آنذاك، والعمل في شركة نفط الكويت وكانت وقتها شركة بريطانية أميركية بإدارة انجليزية.

وتمخض عن هذا كله إقرار بقانون للعمل، متضمنا الأجر، علاوة السكن، الوقت الإضافي، العمل أيام الجمع والعطل الرسمية وما إلى ذلك.. إلى أن تم إقرار قانون للعمل عام 1964 وتم إشهار أول نقابتين للصحة والبلدية في 15/1/1965. ويكشف المؤلف عن ابتهاجه ليلة إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وسماعه خطاب كل من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس شكري القوتلي وهما يتبادلان «أنخاب الوحدة» في مشهد تاريخي سمعه وشاهده الملايين من أبناء الأمة العربية، ولم يمض سوى خمسة أشهر إلا وسقط النظام الملكي في العراق (ثورة 14 يوليو 1958)، ويروي الكاتب كيف حطت طائرته بغداد في أواخر شهر يوليو، وقد قابل ورفاقه قائد الثورة عبد الكريم قاسم.

وينتقل بنا إلى الفصل الرابع تحت عنوان الاستقلال (المجلس التأسيسي) مشروع الدستور، يصف لنا استدعاء الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، لوضع بعض القوانين، كأولى خطوات الإصلاح؛ مثل قانون الميزانية، قانون معاشات ومكافآت التقاعد للموظفين الكويتيين، قانون المرافعات المدنية والتجارية، قانون المختارين، قانون إلغاء القضاء الأجنبي وقوانين لتنظيم الجنسية الكويتية وجوازات السفر وإقامة الأجانب. وعند تشكيل أول وزارة سَلّم الشيخ عبد الله السالم حقيبة الخارجية لجاسم القطامي لوضع آلية وهيكلة الوزارة ووضع استراتيجية العمل.

وكان القطامي ذا مشارب قومية، ووضع لبنات السياسة الخارجية الكويتية على أسس قومية، حيث جند خيرة الشباب الكويتي من ذوي التوجهات القومية، ولما نالت الكويت استقلالها من انجلترا، سارع الانجليز بالاعتراف بها، وعينوا قنصلهم الموجود في الكويت ليكون أول سفير لهم بالكويت، وليكون أول من يقدم أوراق اعتماده وليكون أيضا عميدا للسلك الدبلوماسي، وسارع عبد الله السالم بنصيحة من القطامي دعوة مصر للاستعجال في إرسال سفيرها ليكون الأول، غير أن تدخل السعودية ومطالبتها أن يكون سفيرها الأول غير القرار. وتم إرسال وفد إلى الأمم المتحدة لحثها على الاعتراف بالكويت وقبولها عضوا بالأمم المتحدة، وحصلت الكويت على استقلالها يوم 19 يونيو 1961، وكان ذلك إيذانا بإطلاق يد الكويت في ترتيب شؤونها الخارجية وخلافه.

كان الانجليز، دولة الحماية، قبل الاستقلال مهتمين جدا بالكويت، فمعظم استهلاك بريطانيا من النفط يأتي من الكويت، وكل أرصدة الكويت مودعة بالجنية الاسترليني في بنوك بريطانيا. بعد ذلك دخلنا في معركة المجلس التأسيسي ومشروع الدستور، وبعد أخذ ورد، أرتأت الأسرة الحاكمة أن يتم تقسيم الكويت إلى عشرين دائرة انتخابية يتم فيها انتخاب فرد واحد عن كل دائرة، بينما كان إصرار الجانب الشعبي على أن تكون الكويت دائرة انتخابية واحدة، وتم التوصل لحل وسط وهو عشر دوائر انتخابية يتم انتخاب شخصين عن كل دائرة، وهكذا أجريت انتخابات المجلس التأسيسي في 30/12/1961 وخاض تلك الانتخابات 73 مرشحا.

استعانت الكويت بالخبير الدستوري المصري الدكتور عثمان خليل عثمان، بعد أن توسط السفير عبد العزيز حسين لدى الرئيس عبد الناصر لسرعة إتمام أوراق الخبير الدستوري بدلا عن متاهات الروتين، ولضيق وقت لجنة الدستور الكويتية، وبالفعل بدأ المجلس في اختيار لجانه وبدأها باللجنة الدستورية، ثم انتخاب أعضاء اللجان؛ (لجنة الشؤون الاقتصادية ـ لجنة الداخلية والدفاع ـ لجنة الشئون التشريعية ـ لجنة الخارجية ـ لجنة الثقافة والشؤون الاجتماعية ـ ولجنة المرافق العامة) وكان مخاض أول وزارة في تاريخ الكويت يسيرا لا عسير، كان فيها ثلاثة من الكويتيين واحد عشر شيخا، والوزراء الكويتيون هم عبد العزيز حمد الصقر وزيرا للصحة، حمود الزيد الخالد وزيرا للعدل، ومحمد النصف وزيرا للأشغال.

حقبة التحرر الوطني من الاستعمار، بعد أن ناء المستعمر بكلكله على شعوبنا المقهورة، وبدأت الثورات تترى والانتفاضات تتوالى، ويذكر المؤلف انه حينا كان يدرس في الجامعة الأميركية بلبنان أن رئيس الجامعة (مستر دودج)، كان يشجع الطلبة على الاشتراك في المظاهرات المطالبة بخروج الفرنسيين من لبنان، وجاءت نكبة فلسطين 1948، لتعمق من شعور العداء للغرب والصهاينة.

وفي ظل هذا الزخم، وفي غمرة تلك المواجهة المحتدمة مع العدو، نسينا أهدافا أخرى هامة للغاية، لم يكن لدينا برنامج اجتماعي أو اقتصادي، لم يكن عندنا مشروع وحدودي واضح، ينهي مشاكل الاختلافات الإقليمية، التي زرعها الاستعمار، ومشكلات الأقليات التي تعد قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار.

كلما غَزّى مستعمر فئة على أخرى، حتى بعد اندلاع ثورة يوليو 1952، وتشكيل مجلس قيادة الثورة، ثم هيئة التحرير، فالاتحاد القومي وأخيرا الاتحاد الاشتراكي، كانت كلها أسماء لمسمى واحد، فلم تُشف العلّة ولم تُبرد الغلة .. وانتهى كل شيء بفجيعة الخامس من يونيو 1967، وبعد مرور أربعين عاما، ما زلنا نعاني ندوبها.

أنور الياسين

* الكتاب:الكويت من الإمارة إلى الدولة ذكريات العمل الوطني والقومي

* الناشر:المركز الثقافي العربي - بيروت 2007

* الصفحات:335 صفحة من القطع المتوسط