يعتبر كتاب «شرفنامه» للأمير شرف خان البدليسي الذي عاش في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، من أهم المراجع التاريخية التي تتناول تاريخ الأكراد، وتاريخ أمرائهم، وإماراتهم. ويتمتع «شرفنامه» (أي رسالة شرف) بقيمة علمية هامة، ففي غياب المراجع والمصادر التي تتناول تاريخ الأكراد منذ صدر الإسلام وحتى نهاية القرن السادس عشر، فان هذا الكتاب يسد فراغا كبيرا في هذا الجانب، ويُعتمد كأحد أهم المراجع التي يستند إليها الباحثون لدى قيامهم بأي بحث سياسي أو انثربولوجي أو ثقافي عن الأكراد في الوقت الراهن.

وثمة شهادات من مستشرقين كبار يشيدون فيها بأهمية هذا العمل الضخم. يقول المستشرق الروسي وليامينوف زرنوف الذي اهتم بهذا الأثر التاريخي والأدبي الخالد، وعمل على طباعته في العام 1860م في بطرسبورغ، يقول: «أما القيمة العلمية لهذا التأريخ الكردي فليست محلا للنزاع قط، ومع انه قد مضى عليه ثلاثمئة سنة ( الآن مضى عليه أكثر من أربعمئة سنة) وهو موجود، فلم يعمل في الشرق عمل يمكن أن يقارن به.

وإذا وضعنا كتاب شرف جانبا لم يعد لدينا في الحقيقة من تاريخ الأكراد إلا شذرات مشتتة في كتب مؤلفين من مختلف البلدان في مختلف العصور. وهذه الشذرات على الرغم من كونها كثيرة حقا، لا تعطي شيئا كاملا يحسن الركون إليه. ولا يمكن قط بهذه القصص المتفككة الوصول إلى تجديد بناء تاريخ متسلسل الحوادث لشعب كالأكراد يتشعب إلى قبائل كثيرة متعددة لكل منها تاريخها الخاص».

مؤلف هذا الكتاب هو الأمير شرف خان بن الأمير شمس الدين البدليسي الروزكي، أمير أيالة بدليس على عهد سلطنة السلطان محمد خان الثالث بن السلطان مراد الثالث، درس العلوم الدينية، وكان يقضي وقته بمطالعة كتب أخبار الخلف ودرس حالات السلاطين السلف «حتى إذا اضطلع بذلك العلم الشريف (أي علم التاريخ) واكتسب، في الجملة، مهارة في ذلك الفن اللطيف، وأدرك في نفسه الجرأة والجسارة الأدبيتين، فيما يتعلق بضبطه، حسبما أمكنه، عند ذلك جال في خاطره أن يؤلف في ذلك العلم الشريف كتابا لم يبلغ شأوه شعاع شعور المضطلعين بعلم التاريخ، ولا أدرك كنهه أفكار متتبعي أحوال السلاطين المتقدمين منهم والمتأخرين».

وقد فرغ من تأليف هذا الكتاب باللغة الفارسية سنة 1596 م، أما الوقت الذي بدأ فيه شرف التأليف فمن الصعب تعيينه بصورة قطعية كما يشير زرنوف. يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة، ويقع في 744 صفحة في نسختها العربية الصادرة عن دار المدى بدمشق بترجمة محمد جميل الملا احمد الروزبياني (دمشق ـ 2007)، علما أن ثمة طبعات عربية أخرى للكتاب لعل أهمها تلك التي أنجزها محمد علي عوني في عشرينات القرن الماضي في القاهرة، فضلا عن صدوره باللغة التركية، والكردية السورانية، والكردية اللاتينية.

يبحث شرف خان في مقدمة كتابه عن أنساب العشائر الكردية، ومنشأها، وسيرها، والعناوين التي عرفت بها، ويورد في البداية روايات عدة عن انساب الشعوب الكردية، وهذه الروايات كثيرة ومتضاربة، ويضيف «الشعب الكردي أربعة فروع كبيرة تتخالف لهجات لغتهم وسحنتها وآدابها، أولهم (كرمانج) وثانيهم (لر ـ اللر) وثالثهم (كلهر ـ كلور) ورابعهم (كَوران ـ الجوران)، ويحدد شرف جغرافية البلاد الكردية التي تتطابق مع جغرافية كردستان الحالية، ويتحدث عن ديانة الأكراد فيقول إن الأمة الكردية تتمذهب بمذهب الإمام الشافعي.

كما أن قسما منهم ينتحلون النحلة اليزيدية، ويعدد شرف في مقدمته مزايا الأكراد وطباعهم فيقول «ولسواد الأمة الكردية الباع الطويل في القيام بحقوق الوالدين، وإكرام الضيف، ومراعاة الأمور الدينية، وتأدية حقوق الناس، وإنصاف المظلوم من الظالم، والاعتراف بفضل المحسن والإقرار بولاية النعم والتضحية بالروح والقلب في سبيله. ويظهر أن اسم الكرد لم يطلق عليهم إلا ليعبر عن مدلول الشجاع والبطولة».