تاريخ الحجاز السياسي (1925 - 1916 )

تاريخ الحجاز السياسي (1925 - 1916 )

ت + ت - الحجم الطبيعي

المؤلف هو المؤرخ العراقي الدكتور وهيم طالب، عضو اتحاد المؤرخين العرب، وصاحب العديد من الدراسات والمؤلفات ومنها: ـ التنافس البريطاني الأميركي على نفط الخليج، جريدة القبلة الحجازية مصدراً لتاريخ العرب، والحركة الوطنية وتأميم نفط العراق حتى عام 1952، وطبيعة الموقف القومي عند الشريف حسين.

يتناول الكتاب تاريخ الحجاز السياسي ما بين 1916 ـ 1925 وهي فترة قيام المملكة الحجازية وسقوطها. وتمثل تلك الفترة حدثاً بارزاً ليس في تاريخ الحجاز فحسب، بل في تاريخ العرب المعاصر، وذلك لمدى ارتباط الفترة موضوع الكتاب ببعض المشاكل العربية الحالية. في الفصل الأول يقدم المؤلف نبذة عن حياة الشريف حسين بن علي واستقلاله بالحجاز عن العثمانيين. فقد ولد في الأستانة عام 1853 أثناء إقامة والده وجده «محمد بن عون» هناك. وأسند منصب الشرافة إلى جده عام 1855، ثم إلى عمه «عبدالله» خلفاً لوالده «عامي» الذي توفي عام 1858. وبوفاة عمه الأمير «عبد الإله» عام 1908، ومن قبله عمه الأمير «علي بن عبدالله» في نفس العام، أصبح الشريف «حسين» شريفاً على مكة.

وقد توترت العلاقة بينه وبين ممثلي السلطان وقادة حركة الاتحاد والترقي لمعارضته النزعة المركزية العثمانية في الحكم، كما عارض دخول تركيا الحرب العالمية الأولى متحالفة مع الألمان. وبدأت اتصالاته مع الانجليز في الفترة من عام 1914 ـ 1916. كما أوفد نجله الأمير «عبدالله» للقاء السكرتير الشرقي للورد «كتشنر» مطالباً إياه بقبول مقترحين هما: قيام بريطانيا بالدفاع عن الحجاز ضد أي هجوم تركي، واعتراف الحجاز بالمصالح البريطانية في المنطقة وتسهيل حركتها مع الأفضلية. وفي العاشر من يونيو 1916 أعلن الحسين الثورة في مكة وانفصال الحجاز عن تركيا، وبالتالي تعتبر الحجاز أول دولة عربية مستقلة في القرن العشرين. وقد رافق الاستقلال بعض مظاهر السيادة مثل: العلم ـ العملة ـ الصحافة (جرائد القبلة والفلاح وبريد الحجاز وجرول الزراعية).

وفي الفصل الثاني يستعرض الكتاب مؤسسات المملكة ونشاطاتها المختلفة، مثل المؤسسات المدنية (المؤسسة الملكية ـ السلطة التشريعية ـ السلطة القضائية). كما يستعرض المؤلف الموارد المالية للملكة ومنها: الإعانة المالية البريطانية والتي بلغت 11 مليون جنيه عن الفترة 1916 ـ 1920، والضرائب وإيرادات البلديات والرسوم (البرق ـ البريد ـ الطوابع)، وكذلك بعض الرسوم المحصلة من موسم الحج مثل الشقادق (ما يركبه الحاج على ظهر الإبل)، والشباري (كرسي ينقل عليه الطائف على الكعبة)، وبعض الإيرادات الأخرى (إيرادات البلديات ـ إيرادات العقارات ـ ضريبة الموانئ والجمارك).

ثم يتناول الكتاب النظام الإداري للملكة الحجازية تنظيماً وتقسيماً ومجالاً، مع شرح المؤسسات العسكرية من حيث بداية تأسيس الجيش في الرابع من يوليو عام 1916 ودور بعض الوطنيين العرب من أمثال عزيز المصري في إنشائه وتدريبه، علاوة على استعراض تقسيماته وهيكله الإداري، مع تناول قوات الشرطة الحجازية التي تشكلت بالقانون الصادر في أبريل 1917.

وفي الفصل الثالث يركز الكتاب على سياسة المملكة الخارجية تجاه الدول الأجنبية لاسيما موقف الهاشميين من معاهدة «سايكس ـ بيكو«والتي مارس الانجليز والفرنسيون منتهى الخداع الاستراتيجي مستغلين الثقة الكبيرة للشريف حسين في بريطانيا، وعدم وضوح رؤيته السياسية تجاه الأحداث الدولية خاصة الشراكة الاستراتيجية بين الدول الاستعمارية الكبرى لتقسيم العالم على حساب بعض الخلافات البينية، وهو ما دفعه لحالة من التضارب بين دعوته للثورة وقبوله بنتائج أقل من المقبولة.

كذلك موقف الحسين من القضية الفلسطينية ووعد بلفور في الثاني من ديسمبر 1917. ودور الحجاز في مؤتمر الصلح بباريس 1919 والذي اصطدم الوفد الحجازي فيه بواقع السياسة الدولية لكل من انجلترا وفرنسا ومطامعهما في الدول العربية، ناهيك عن المشكلة الفلسطينية والانتداب على الدول العربية. كما أنه لم تكن هناك فكرة واضحة لدي الأمير فيصل ممثل الحسين عن مفهوم الحلفاء لمركز والده، فقد أرادت القوى الكبرى منه أن يمثل الحجاز بينما أراد هو أن يمثل الحجاز والعرب.

وقد تميزت السياسة الخارجية للملكة، بعد خيبة الأمل في مؤتمر باريس، بالسلبية والخلافات كرد فعل على تسويات المؤتمر ونتائجه، ولم تفلح الخطوات التي أبداها الجانبان في تسوية تلك الخلافات عبر مباحثات غير ناجحة بداية من اجتماع الجنرال «اللنبي» بجدة عام 1920، والمعاهدة الحجازية ـ البريطانية عام 1912، ومؤتمرات لوزان ـ سويسرا عام 1923. كما يشير المؤلف في هذا الصدد للتقارب الحجازي ـ السوفييتي رداً على انتكاسة العلاقة مع بريطانيا وهو ما تم في لوزان عام 1922 بين مبعوث الملك حسين و«جيجرين» وزير الخارجية ورئيس وفد الاتحاد السوفييتي إلى المؤتمر.

وفي الفصل الرابع يحاول الكاتب استعراض سياسة المملكة الخارجية تجاه بعض الدول العربية والتعرف على مختلف جوانبها، سواء سياستها تجاه الدول الخاضعة للانتداب كسوريا والعراق وشرق الأردن، أو غيرها من الدول القريبة والمجاورة كأقطار الجزيرة ومصر. فقد كان للحجاز مواقفه الرافضة لاحتلال فرنسا لسوريا وسياساتها القمعية هناك. كما كان له علاقة بالحركة الوطنية العراقية، وكان من المدافعين ضد محاولة تركيا اقتطاع الموصل من العراق وضمها إلى الأراضي التركية.

أما بالنسبة لشرق الأردن فكانت مشكلة اقتطاع العقبة ومعان من الأراضي الحجازية عام 1925وضمها لإمارة شرق الأردن تحت الانتداب، هي محور العلاقات الخارجية بينهما. كما توترت العلاقات مع مصر بسبب المشاكل المتعلقة بموسم الحج (طالبت الحكومة المصرية بإقامة مستشفيين لخدمة الحجيج بجدة ومكة) وهو ما تم رفضه بدواعي السيادة،كما كان تعارض الرؤى بشأن خلافة الحسين للمسلمين والتي أعلنها في مارس 1924 سبباً في مزيد من توتر العلاقات حيث طالبت القاهرة بعقد مؤتمر إسلامي عربي عالمي لمناقشة مسألة الخلافة بشكل عام.

وعلى مستوى الجزيرة العربية كان للحجاز علاقات قوية مع بعض الأطراف مثل «محمد الإدريسي» أمير عسير، وصلت إلى درجة طرح مشروع للاتحاد بينهما، وكانت وفاة الإدريسي سبباً في توقفه. كما كانت هناك محاولات لعقد تحالف مع المملكة المتوكلية في اليمن، توقفت بسبب المعارضة البريطانية من جهة، وبسبب تدهور الأوضاع العسكرية للحجاز من جهة أخرى. أما بالنسبة للعلاقات الحجازية ـ النجدية فقد كانت دائماً على خلاف بسبب الصراع بين سلطان نجد «بن سعود» وبين «الحسين». ذلك الصراع الذي تنوعت إبعاده ما بين الأيديولوجي، والحدودي، والتاريخي، والسيادي.

وقد كان للدورين التركي والبريطاني نصيب كبير في هذا الصراع الذي غلبت عله الحسابات الاستراتيجية لكل منهما باعتباره حليفاً في مرحلة وخصماً في مرحلة تالية. وقد نشبت معارك بين الجانبين الحجازي والنجدي بداية من معارك «خرمة» عام 1918، و«تربة» عام 1919، وهزائم القوات الحجازية. كما لم يفلح مؤتمر الكويت في ديسمبر 1923 في التوصل لأي حل لهذا العداء التاريخي، بل ازداد التفوق العسكري النجدي بقيادة «بن سعود» وبدأ التحرك لمهاجمة الأراضي الحجازية فسقطت الطائف في يونيو 1924، وتبعها مكة في ديسمبر 1924، وفي هذه الأثناء تنازل الحسين عن الحكم لنجله الأمير علي مغادراً مكة إلى جده ومنها إلى العقبة بشرق الأردن.

وتم بذل العديد من المساعي الحميدة للصلح بين الجانبين من بعض الأعيان والزعماء السياسيين (طالب النقيب ـ أمين الريحاني)، علاوة على وساطة المجلس الإسلامي الأعلى بفلسطين، وجمعية الخلافة الهندية، وبعض الوساطات الرسمية العربية. وقد مكثت قوات بن سعود عدة أشهر في مكة قبل الإجهاز على مقر الملك في جدة والتي سقطت في مارس 1925. وقد تقدم الملك «علي» من الحكومة البريطانية ببعض الشروط لتسليم العاصمة، ووافق عليها جميعاً بن سعود، وتم التوقيع عليها مساء الخميس الموافق 17 نوفمبر 1925 من قبل الحاكمين، وقد غادر الملك علي ليستقر لدى أخيه الملك فيصل ببغداد لتنتهي بذلك مملكة الحجاز بعد عمر دام تسع سنوات وعدة أشهر فقط.

محمد جمعة

*الكتاب:تاريخ الحجاز السياسي (1916 ـ 1925 )

*الناشر:الدار العربية للموسوعات بيروت 2007

*الصفحات:512 صفحة من القطع الكبير

Email