«لتحقيق الأشياء العظيمة، ليس علينا أن نقوم بالفعل فقط، بل أن نحلم أيضا، كما علينا أن لا نكتفي بالتخطيط بل أن نؤمن بما نفعل»، ذلك ما نادى به أناتول فرانس الروائي والناقد الفرنسي الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1921 واعتبر من أهم أدباء فرنسا سواء للقرن التاسع العشر أو بدايات القرن العشرين.
تميزت كتاباته في البداية بالتشاؤم ومن ثم تحول إلى انتقاد سلوكيات وقيم الطبقة البرجوازية، مما قاده إلى مناصرة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى حين، ونتيجة لذلك وضعت أعماله على القائمة السوداء. ولد أناتول فرانس واسمه الحقيقي جاك أناتول فرانسوا ثيبولت في 16 ابريل 1844 في باريس، واستمد اسمه المستعار من اسم مكتبة والده «مكتبة فرانس».
عاش طفولته محاطا بالكتب والأدب ولخص تلك المرحلة من حياته في روايته «كتاب صديقي» ونشرت عام 1885. وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمساعد لوالده في المكتبة ثم في إحدى دور النشر وبعدها مدرسا،
ثم بدأ ببناء مكانته في الأوساط الأدبية بعد عمله كمساعد محرر في أهم الصحف آنذاك وكان ذلك عام 1875 حيث كلف بكتابة مجموعة مقالات نقدية عن الكتاب المعاصرين، وانتقل بعد عام لكتابة عموده الأسبوعي في صحيفة «الأزمنة».
حظي أناتول على شهرته كروائي بعد صدور كتابه «جريمة سيلفستر بونارد» عام 1881 وأسوة بأعماله الأخرى تناول القرن الثامن عشر كعهد ذهبي. تزوج أناتول عام 1887 وانفصل عن زوجته بعد مضي ستة عشر عاما وذلك بعد مضي سنوات على علاقته بسيدة الصالون الأدبي أرمان دي كيلافيت التي كانت الحب الأكبر في حياته.
وخلال تلك المرحلة هيمنت على أعماله مثل «ورود ليلي الحمراء» ونشرت عام 1894 و«ثابيس» عام 1890 الرومانسية والجمال والحكمة. كتب ما بين عام 1896 و1901 أربع روايات تحت عنوان «التاريخ المعاصر»، وفي الجزء الأول قدم شخصيته الفرنسية المهمة السيد بيرجير وهو مدرس في ضاحية.
ومن أهم أعماله التالية روايته أو ملحمته الشهيرة «جزيرة البطريق» ونشرها عام 1908، ثم قدم بعدها سيرة «حياة جان دارك» في مجلدين، ليعود إلى الرواية مع «ظمأ الآلهات» ويتحدث فيها عن الثورة الفرنسية.
وفي عام 1893 نشر أهم رواية احتفت بها الأوساط الأدبية وهي « مؤشر هيمنة بيداكيه» وبطلها الرئيسي أبي كونيراد الذي ظهر في أعمال لاحقة له مثل «أفكار جيروم كونيراد» عام 1895، كما اهتم في السنوات اللاحقة بتساؤلات عن بنية المجتمع كما اعترض على اتهام دريفوس بالخيانة. توفي فرانس في 12 أكتوبر 1924 في مدينة تورز، وحضر جنازته كبار شخصيات الحكومة الفرنسية آنذاك.
أعاد فرانس من خلال ملحمته «جزيرة البطريق» بناء واختزال تاريخ ليس فرنسا وحده بل تاريخ العالم بمجمله.. تاريخ صراعات البشرية منذ نشأتها وحتى ما بعد زحف المدنية ونهضة الحضارات وفنائها مع تركيزه على جوهر الإنسان في مختلف المراحل.
وقد صور تلك النزاعات والحروب بمختلف محاورها الدينية والطائفية والعرقية والجغرافية والسياسية والاقتصادية وجميعها سلسلة مترابطة من خلال وهم العادات والقيم المتبدلة. ويتحدث في بداية العمل عن حياة القس ميل الذي كرس نفسه للتبشير بديانته في مختلف الجزر المحيطة بكامبريا حيث يعيش، والذي في إحدى رحلاته ينقاد لإغراء أحد الكهنة بتعديل مزايا قاربه، وتكون النتيجة انحراف القارب عن غايته والتوجه إلى قاع المحيط.
بعد صراع مرير يجد نفسه أخيرا على جزيرة من الجليد، ونظرا لضعف بصره الشديد يعتقد بأن سكان الجزيرة وهم من البطريق بشرا بملامح مختلفة. ولدى تعميده لهم يتم تحويلهم من قبل الآلهة إلى كائنات نصف بشرية من الوسط إلى الأعلى مع امتلاكها لروح وفكر الإنسان. ومن هنا يبدأ التحول في حياة هذه الكائنات لتبدأ الصراعات حول الملكية أولا ثم السيادة بمختلف صورها.
تبدأ الخديعة البشرية الأولى حينما يلجأ كراكين الرجل المشهور بقوته وشجاعته إلى شاطيء الظلمات المهجور حيث يلتقي هناك بالشابة أوربيروسيا التي حولها الكاهن بفضل الملابس إلى أجمل امرأة في الجزيرة بعدما لم تكن تثير اهتمام أحد.
يتزوجها كراكين ويبدأ بتنفيذ خطته بشأن كسب المال دون جهد من خلال تنكره بصورة تنين وإخافة السكان.وفي حين كان يشن غاراته لكسب الغنائم بلا أية مقاومة كانت زوجته تعيش حياتها متخذة عددا من العشاق الشبان من دون أن تكشف عن هويتها. وبعد سنوات من الذعر والخوف يتجرأ سكان الجزيرة التي سموها أركا على مواجهة التنين والتصدي له.
وهنا تتأمر أوربيروسيا مع كراكين وينفذان خطتها من خلال تظاهرهما بقتل التنين على الشاطيء مع تجمع سكان الجزيرة على قمة تلة لمشاهدة بطولة كراكين وهو يقتل التنين. ومع نجاح الخطة يتحول كراكين إلى بطل الأبطال ويحظى الاثنان بحب السكان وتقديرهم.
ومع تقدم أوربيروسيا في السن وفقدانها لجمالها تتحول إلى خدمة الدير والكهنة، وبذا تحظى بعد وفاتها بمكانة تقارب القديسين ويتم الاحتفال بوفاتها سنويا في الجزيرة وتصبح من القديسات اللواتي يجترحن المعجزات.
ومن الأزمنة القديمة إلى العصور الوسطى والنهضة يتوالى الملوك من سلالة كراكين ومع كل ملك تشهد الجزيرة صراعات وحروب مختلفة، من أهلية إلى خارجية إلى طائفية وهكذا دواليك، إلى عهد الأزمنة الحديثة مع ظهور حكم الجمهوريين الذي يعيد تقسيم الثروات دون أن يجد حلا لكيفية الاحتفاظ بالأراضي الموزعة.
لم تستمر هذه الثورة طويلا فقد أجبرت الحروب الخارجية الجمهوريين على تأسيس قوة عسكرية كانت كفيلة بحمايتها وتدميرها في ذات الوقت. ومع ازدهار الصناعة هيمنت الثروات على الحكم وغصت الجزيرة بناطحات السحاب وانحسرت الطبيعة.
وتفاقمت الجرائم وارتفعت معدلات الانتحار. وفي النهاية يسعى شاب يلتقي بفتاة مثله إلى تفجير المدنية بأكملها، لتعود الحياة إلى ما كانت عليه في العصور القديمة لكن ازدهار الثروات أعاد الصناعة مجددا حيث بات 15 مليون إنسانا يعملون كعبيد للصناعيين.

