هذه المقابلة أجراها روبرت برنباوم، المحرر الثقافي في موقع «آيدنتتي ثيوري» الإلكتروني مع الروائي البريطاني غراهام سويفت بمناسبة صدور روايته العاشرة بعنوان «الغد» عن دار بيكادور اللندنية، حيث ألقى الضوء على الملامح الأكثر أهمية في هذه الرواية والإضافة التي تقدمها إلى عالمه الروائي.
وأعرب عن تفاؤله بمستقبل الكتاب، مؤكداً حضوره في حياتنا اليومية بقوة، وأشار إلى أن الثقافة الأدبية ثقافة عريقة، وواقعها اليوم لا يدعو للقلق، وهي ستواصل ازدهارها في المستقبل، وتناول الطقوس التي تواكب عملية الكتابة لديه. وفيما يلي نص المقابلة:
* في روايتك العاشرة الصادرة، مؤخراً، بعنوان «الغد» تقطع شوطاً إضافياً في بناء صرح عالمك الروائي، فما هو جوهر هذه الإضافة في اعتقادك؟
ـ في رواياتي تتواصل محاولة ممتدة للتعامل مع غير العادي الكامن فيما هو عادي، وهي في مشاهدها ولغتها ورسم شخصياتها أبعد ما تكون عن الاسترسال والاستفاضة، وغالباً ما يكون الأبطال رجالاً عاديين في منتصف العمر يعملون كتبة أو مدرسين أو محاسبين، وعبر أصواتهم يجري تأمل قضايا الحياة الأكبر والأكثر أهمية، الموت، الميلاد، الزواج، الجنس، الملامح السياسية للحياة اليومية والعلاقات بين الناس،
والصداقات بصفة خاصة، وتثير الأنماط السردية المتداخلة أسئلة حول العلاقات بين التواريخ الشخصية والأحداث العالمية، بين المفاهيم الشخصية والمفاهيم العامة، ويتم إبراز استحالة إيجاد واقع موضوعي واحد سواء أكان متوهما أو غير ذلك، ومن خلال الرواية يجري تأمل طبيعة الرواية ذاتها.
وفي رواية« الغد» يجري تأمل الغد عبر عيني اليوم، فهذا الكتاب ملتزم بالنهاية حتى قبل أن تبرز المواجهة العائلية التي تشكل صميم نسيجه الأساسي. وعلى امتداد صفحاته آمل أن يلاحظ القراء احتياجاً كاسحاً لاستكشاف آفاق مادة جديدة، ورفضاً لمواصلة مضغ القضمة ذاتها من الأحداث، وهكذا تتوالى الإشارات إلى «ذلك اليوم»، إلى «ذلك اليوم الرهيب» الذي لن ينساه أحد أبداً، على الرغم من أنه لم يذكر من قبل قط.
* يشعر الكثيرون بالقلق حيال مصير الكتب والمكتبات. ما الذي سيحدث في هذا المجال في اعتقادك؟
ـ لقد تردت المكتبات إلى وضعية محزنة في بريطانيا. وهذا أمر غريب حقاً. وأنا أستنكر التغيرات التي تحدث في هذا الصدد، ولكنني عندما بدأت الكتابة كانت المكتبات أماكن يطيب للمرء الوجود فيها، وكانت تحظى بدعم كبير لم تعد تحصل عليه الآن. بل ان المكتبات كانت أماكن توجد فيها سوق للإصدارات الجديدة، وكان الروائي يتوقع أن يجد العديد من النسخ من رواياته في المكتبات، والآن ولأسباب واضحة تغير ذلك كله.
* هناك قلق ملح ودائب يتم التعبير عنه من خلال كتب مثل «451» لراي برابري حول أننا سيأتي علينا وقت لن نجد فيه كتباً أبداً. ولكنك تبدو متفائلاً دوما لا فيما يتعلق بمصير الكتب فحسب بل وبمصير الإنسانية.
ـ إنني متفائل في أكثر من جانب، بل ومتفائل فيما يتعلق بالكتاب. وهناك الآن نوع من الانبعاث بالنسبة للكتاب. والناس غالباً ما يقولون إن الكتاب قد انتهى، وإن أشياء أخرى ستحل محله. وبالفعل ما عليك إلا أن تنظر حولك، وسوف تجد أن الكتاب لايزال حاضراً إلى حد كبير. والمكتبات لا تزال موجودة، وهناك قراء. وهناك أناس يريدون هذه التجربة التي يمكن للجلسة مع الكتاب وحدها أن تعطيها. وهي التجربة التي أكتب من أجلها.
إنها نوع من الكيمياء العجيبة والشخصية والخاصة التي تحدث بينك وبين صفحات الكتاب، وهي شيء متحرر للغاية، لأننا جميعاً نعرف أن كل قارئ يقرأ الكتاب بطريقته الخاصة، وهم يخوضون تجربة تعد محددة بالنسبة لهم، وما من شيء آخر يعطي هذا الشيء. وذلك هو السبب ـ إلى جوار أنني أحب التردد على دور العرض السينمائي ـ في أنني أعتقد أن الأفلام، أن الشاشة أصغر من صفحة الكتاب، لان ما تحصل عليه على الشاشة قد يكون رائعاً، لكن الشاشة تقول: «هذا هو ما هنالك».
وكل من يجلس هناك سيرى هذا، وسيشاهد الشيء نفسه، ويتابع الممثل الذي يلعب الدور وما إلى ذلك. إلى أي حد يختلف ذلك عن الوضع عندما تقرأ كتابا؟ إنني عندما أكتب لا يكون لديَّ بالفعل انطباع قوي للغاية عن شخصياتي. لو أنك قلت: كيف يبدو جورج في رواية «ضوء النهار»؟ فإنني لا أعتقد أن بمقدوري الرد على هذا السؤال.
* ينشغل الكثيرون هذه الأيام بنهاية الأدب ونهاية الحضارة ونهاية هذا وذاك. ولكنني لا أستطيع إلا التفكير في أن الكون الأدبي له نطاق ثابت، وهو لا يتسع ولا يتمدد.. والقلق الذي يدور حول وجوده إنما يدور حول تنافسه مع أمور أخرى يتسع نطاقها. والنمو هو مؤشر نجاح، وهكذا فإننا نريد للثقافة الأدبية أن تنمو، وننظر إلى ذلك باعتباره مسألة ذات أهمية فائقة.
ـ الثقافة الأدبية بعيدة العهد إلى حد كبير، وقد نمت، وتطورت. وهي ما هي عليه اليوم بعد بلوغها مرحلة نضجها الخاصة، وهي في اعتقادي ليست بحاجة إلى القيام بشيء ما لكي تواصل كونها ما هي عليه.
* ربما كان الأمر راجعاً إلى أقسام التسويق؟
ـ ربما كان كذلك بالفعل.
* في روايتك «ضوء النهار»، هل بدأت بيوم واحد باعتباره الوعاء الذي يضم الرواية بأسرها؟
ـ لا، لم أفعل ذلك. ولست أتذكر عند أي منعطف جاء ذلك القرار، ولكنها كانت نقطة ايجابية للغاية وبناءة إلى حد بعيد، حيث أدركت أنه يمكن أن يكون هناك يوم واحد تتعلق به الكثير من الأمور الأخرى. وهذا في نهاية المطاف أمر سبق لي القيام به من قبل.
لأن رواية «الطلبيات الأخيرة» بها معمار مماثل، فهناك يوم واحد في صيغة الحاضر، وهو يوم له خصوصيته، ويتضمن رحلة في تلك الرواية، وذلك يعد أيضاً نوعا من البؤرة للكثير من المواد الأخرى والكثير من العودة إلى الوراء في الزمن.
* الجميع يتذكر مقولة جرترود شتاين الشهيرة عن أن الفنانين ينبغي ألا يتعرضوا للانتقاد. ومن هنا فإنني أعتقد أن المراجعات القاسية والتعليقات غير المتألقة على الكتب تعد شيئاً قاسياً.
ـ إننا جميعاً بشر، ونفضل كلنا أن تقال أشياء جميلة عنا على الأمور القاسية التي يقولها النقاد ومراجعو الكتب. وربما يرجع عدم اهتمامي كثيراً بهذا الأمر إلى أنني قد اعتدت على هذه العملية، وهي عملية تستغرق وقتاً قصيراً للغاية فأنت تنشر كتاباً.
ولوقت قصير يقول الناس أشياء عنه، أسابيع قلائل، وسرعان ما تترك المسألة برمتها وراء ظهرك، ويعود العالم الواقعي إلى ما كان عليه، ويجد الكتاب قراءة يطالعونه، وذلك هو الأمر المهم. وهكذا فإن المسألة هي عبارة عن تجربة عابرة، والمهم هو أنني أعرف ما أفعله، وأعرف قيمة ما أقوم به، وإذا لم يدرك الناس جلية الأمر، فهذا أمر مؤسف.
* هناك مراجعون للكتب، وهناك نقاد مثل مايكل ديردا وجوناثان برادلي وجيمس وود الذين يتبنون رؤية نصية أوسع نطاقا. هل تبدي اهتماماً بهؤلاء الكتاب؟
ـ إنني لا أهتم اهتماماً بالغاً بالتعليقات التي تثيرها كتبي إلى جوار الأمور التي أعرفها قبل أن أقرأ جانباً من هذه التعليقات. ولست ممن يحولون قراءة كل ما يقال إلى مهنة أحترفها.
* إنني أميز بين مراجعي الكتب والنقاد وأحاول أن أتبين رأيك فيما يتعلق بما إذا كانوا يقدمون خدمة خاصة إذا كان النقد يقوم على جدل وتفكير مميزين ويستند إلى معرفة عميقة؟
ـ هذا التمييز مفيد أو هو ينبغي أو يمكن أن يكون كذلك، أعني التمييز بين المراجعة والنقد. وهناك الكثير من المراجعة، ولا يمكنني القول إن هناك الكثير من النقد الحقيقي. والكثير من المراجعين ليسوا نقاداً بمعنى أن ما يقومون به هو نشاط مهني.
وهناك أناس يقومون بهذه المهمة لأنهم تم اختيارهم للقيام بها في ذلك الأسبوع، أما نوعية النقد الدائب والمنتظم فهو ليس بالأمر الشائع هذه الأيام. ولكن حتى إذا كان هناك نقد منتظم فإن الخطر هو أن النقاد قد يشغلون موقعاً ويتصرفون انطلاقاً منه على حساب حريات فكرية معينة. إن العالم الذي نعيش فيه ليس بالعالم الذي يتسم بالكمال.
* هل تستمع إلى الموسيقى عندما تكتب؟
ـ ليس عندما أكتب، ولكنني استمع بالتأكيد إلى الموسيقى، وأعتقد أن الموسيقى تلهم كتابتي، ولست أفضل نوعاً بعينه من الموسيقى على غيره، وكل ما هنالك أنني أعتقد أن لدي إحساسا موسيقياً، على الرغم من أن عملي هو الكلمات.
واعتقد أن الكثير من الأمور التي تحدث في الموسيقى تحدث أيضاً وتؤثر في سرد الرواية. وأنا كاتب عاطفي للغاية، ومن الواضح أن الموسيقى لغة عاطفية. وعندما أقول إنني كاتب عاطفي، فإنني لا أقصد أنني أمزق شعري وأنا جالس في غرفتي، وإنما أقصد أن عواطفي تقودني، والعاطفة تقود إحساسي بشكل ما أقوم بفعله، فهي أمر محوري بالنسبة لي.
محطات في حياة سويفت
*ولد الروائي البريطاني غراهام سويفت في لندن عام 1949، وتلقى تعليمه في جامعتي كامبردج ويورك، وأدرج ضمن قائمة أفضل عشرين روائي بريطاني شاب التي أعدها مجلس تسويق الكتاب البريطاني في عام 1983.
*أصدر عشر روايات أولها «صاحب حانوت الحلوى» الصادرة في عام 1980 وأحدثها «الغد» الصادرة مؤخراً، وأبرزها روايته السادسة «الطلبيات الأخيرة» وروايته التي حظيت بإعجاب كبير من القراء والنقاد على السواء «ضوء النهار».
*نال تسع جوائز، أبرزها بوكر عام 1996 عن روايته «الطلبيات الأخيرة»، التي نال عنها في العام نفسه جائزة جيمس تيت بلاك التذكارية للرواية، وكانت روايته «السبخة» قد أدرجت في القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 1983، ونال جائزة جيري فيبر للرواية مرتين الأولى في عام 1981 عن روايته «شتلبوك» والثانية في عام 1983 عن روايته «السبخة».
*يعتبره النقاد واحداً من أبرز كتاب الروايات البريطانيين، حيث تتسم رواياته بالطموح في موضوعاتها ونطاقها السردي ومعالجتها لأفكار مبتكرة في السرد والتاريخ والصراعات بين الأجيال.
