«السلام.. السلام على رأس قائمة ما أود التحدث عنه» ذلك ما صرحت به الروائية الأميركية الجنسية التشيلية الأصل فكرا وروحا خلال مقابلة معها عام 2003 لتتابع، «لأننا نحن الأميركيين نستطيع الذهاب إلى أي بلد آخر واحتلال بلدان أخرى لكوننا نملك الحق في ذلك. ونختلق لأنفسنا جميع الأعذار لاحتلال إيران أو سوريا أو أي بلد آخر. لكننا سرعان ما سندرك عاجلا أم آجلا أننا سندفع ثمن ذلك. وأعتقد أنه يجب على الشعب أن يعلم بذلك».
أسوة ببطلات رواياتها قررت الليندي التي ولدت في 2 أغسطس عام 1942 في تشيلي، ألا تكون امرأة ضعيفة منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. وعملت منذ سن مبكرة في الصحافة وبعد ذلك قدمت برنامجا تلفزيونيا. واضطرت إلى الهرب إلى فنزويلا بعد مضي ما يقارب من العام على الإطاحة بابن عمها سيلفادور الليندي رئيس تشيلي عام 1973.
وفي الأربعين من عمرها بدأت بالكتابة بصورة محمومة حول تاريخ عائلتها التي تحولت فيما بعد إلى روايتها الشهيرة «بيت الأرواح»، وكانت محاولة لاستعادة عائلتها ووطنها في مخيلتها. وبعد نشرها لكتابها الثالث «إيفا لونا» عام 1989 تفرغت للأدب وانفصلت عن زوجها الأول.
وتؤكد الليندي أنها تعطي أفضل ما عندها حينما تكون قريبة في كتابتها من نفسها ومن تجاربها الحياتية وهي تسعى باستمرار لتنحية الواقعية السحرية والاقتراب ما أمكن من الواقعية المباشرة في السرد بعيدا عن عوالم غارسيا ماركيز.
كما أصدرت في السنوات الأخيرة مجموعة من الأعمال للفتيان والفتيات منها ثلاثية «رحلات النمر والصقر» وتتحدث عن مغامرات طفل وطفلة وجدتهما الصحافية، وكذلك روايتها «زورو» وتتناول فيها طفولة ونشأة زورو وهو البطل الوحيد الإنسان كما تذكر الليندي، الذي لا يعتمد على قوى خارقة بل على مهاراته الجسدية والفكرية وبأسلوب ساخر لا يحمل الضغينة.
وما هو معروف عن الليندي أنها تتبع منهجا محددا في عملها، فهي تكتب مستخدمة الكمبيوتر من يوم الاثنين وحتى السبت ومن التاسعة صباحا وحتى السابعة مساء، وتبدأ كل عمل جديد لها في الثامن من يناير من كل عام.
ومن أهم أعمالها أيضاً «قصص إيفا لونا» عام 1989، و«باولا» وتحكي فيها عن طفولتها والمرحلة التالية حينما كانت ابنتها في غيبوبة في المستشفى، و«مدينة الوحوش» ونشرت عام 2002 أما آخر عمل لها فهو «دوس بالابراس».
توثق الليندي في روايتها «إنيس.. حبيبة روحي» التي صدرت في عام 2006، تاريخ فتح أو بالأحرى غزو الأسبان لبيرو وتشيلي.. عالم بلاد الهند الجديدة كما كانوا يسمونها آنذاك. وبطلة روايتها إنيس سواريث وهي في السبعين من عمرها، تروي لإيزابيل ابنتها بالتبني من زوجها الأخير رودريغو دي كيروغا الذي عاشت معه 30 عاما، تاريخ تأسيس هاتين المملكتين بالتوازي مع تاريخ حياتها الشخصي سواء على الصعيد العاطفي أو الإنساني.
وأسوة بأعمالها الروائية الأخرى، فقد نجحت الليندي في الحفاظ على عنصر التشويق بأقل قدر من الواقعية السحرية في السرد بخطين متوازيين للأحداث، ما بين تاريخ الغزوات ذات الشعار التبشيري والمبطنة بأطماع جني ثروات من الذهب، وما بين الجانب الإنساني والصراع الأزلي لامرأة من عهد الظلمات قررت أن تخط مسار حياتها خارج قوانين المجتمع من خلال علاقتها بالرجل ومواجهتها للضغوطات على مختلف الأصعدة.
وإنيس امرأة استثنائية تمثل النساء اللواتي يتميزن بالقوة والذكاء والإحساس بالعدالة الإنسانية والرأفة وحب المعرفة ونبذ السلطة والتمسك بالقيم والمثل خارج إطار الأعراف. ويتجلى كل ذلك من خلال سردها لحكاية هجرتها من اسبانيا حيث التقت بزوجها أو حبيبها الأول خوان دي مالغا عام 1526 خلال موكب الاحتفالات الخاصة بزواج الإمبراطور كارلوس الخامس.
وسرعان ما أدركت طبعه الحقيقي، فهو مجرد غندور متأنق يغوي النساء وينفق كنبيل واثق من أن زوجته ستجترح المستحيل كي تسدد ديونه. وبعد التباعد بينهما انتهى به الأمر في الذهاب إلى بلاد الهند الجديدة بحثا عن الدورادو مدينة الذهب.
ومع عودتها للعيش في كنف عائلتها محاطة بتقاليد صارمة، قررت اللحاق بخوان بصحبة ابنة أختها، ليس بدافع الوفاء إنما سعيا وراء الحرية، ومن أشبيلية بدأت رحلتها عام 1537 باتجاه فنزويلا. وتبدأ السرد التاريخي من خلال حكاية القائد الباسل بيدرو بالديبيا المحارب النبيل الذي واجه مشاق رحلة محفوفة بالمخاطر برفقة جنوده حتى تمكنوا من الوصول إلى كوسكو عاصمة البيرو أو مملكة الملوك، مدفوعا بأحلام المجد والشهرة وبهدف الهرب من زواجه الفاشل من التقية مارينا.
تلتقي إنيس ببيدرو في هذه العاصمة التي فتنتها وأنستها ترملها ومشاق رحلتها، وتنشأ بينهما علاقة حب عاصفة وصاخبة على كافة الأصعدة، ومعا يتجهان لتحقيق حلم بيدرو في إخضاع أراضي تشيلي المستعصية على الجميع والتي يعيش فيها هنود المابوتشي الأشداء.
وكما يحقق بيدرو النجاحات بمهاراته العسكرية فإن إنيس تجترح المستحيلات من خلال مواهبها المتعددة سواء في اكتشاف المياه في الصحارى القاحلة أو في اكتشاف المؤامرات والدسائس أو في تقلد السيف والقتل لإنقاذ سكان مدينتها من موت محقق.
وفي فبراير عام 1541 تم تأسيسهما لمدينة سانتياغو دي إستريمادورا الجديدة عاصمة لتشيلي. وتدفع هجمات الهنود المتتالية ببيدرو للذهاب إلى البيرو لطلب المساعدة ولوضع نفسه في خدمة الإمبراطور الخامس مجددا من خلال المساهمة في إحكام سيطرة مبعوثه الكاهن لاغاسكا على البيرو والقضاء على المتمردين.
ولا تعفيه بطولاته من الأقاويل التي تخضعه إلى محاكمة أمام لاغسكا وعلى الرغم من أنه يستطيع تبرئة نفسه إلا أنه يفرض عليه التخلي عن عشيقته إنيس الساحرة الشريرة كما وصفتها الشائعات، وبعد المفاوضات تعلم إنيس أن حقها في البقاء في موطنها الجديد مرهون بزواجها بصورة شرعية.
ومع خيبة أملها واعتقادها بتخلي بيدرو عنها، تقرر الزواج من قائده الوفي الذي يبادلها مشاعر سامية وهو رودريغو دي كيروغا الذي عاشت معه ومع ابنته بسعادة وهناء. وفي نهاية العمل وفيما هي تحتضر تروي لإيزابيل فاجعة موت الحاكم بيدرو الذي كانت حبه الأوحد حتى النهاية.

