مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الفرنسي كريستيان روش المفتش الأكاديمي الحائز على شهادة دكتوراه الدولة في علم التاريخ. وكان قد مارس مهنة التدريس والتفتيش في السنغال وفرنسا على حد سواء. كما أصدر عدة كتب عن القارة الإفريقية وبالأخص عن السنغال. نذكر من بينها السنغال ونضالها من أجل الاستقلال 1939 ـ 1960، ثم أوروبا من وجهة نظر ليوبولد سيدار سنغور.
وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف عن سيرة حياة أشهر سياسي وشاعر أنجبته السنغال وربما القارة الإفريقية كلها في العصر الحديث. وقد كتب مقدمة الكتاب عبدو ضيوف الرئيس السابق للسنغال والرئيس الحالي لمنظمة الفرانكوفونية. ومعلوم أنه كان من تلامذة سنغور وأتباعه المقربين بل وكان رئيس وزرائه قبل أن يخلفه على سدة الرئاسة. يقول الرئيس ضيوف في مقدمته:
إن كتاب المؤرخ كريستيان روش يجيء في وقته لأنه صدر ونحن نحتفل بمرور مئة عام على ولادة زعيم السنغال ومحررها من الاستعمار وباني نهضتها الحديثة: ليوبولد سيدار سنغور. ومعلوم أنه كان قد ولد في مطلع القرن العشرين وفي عام 1906 على وجه التحديد. ربما أن كريستيان روش عاش سنوات عديدة في بلادي السنغال فإنه يعرف عما يتحدث ويستطيع أن يقدم سيرة متكاملة عن حياة الزعيم الراحل من كافة النواحي: السياسية، والأدبية، والإنسانية.
ثم يضيف الرئيس عبدو ضيوف قائلاً: لقد كنت إلى جانب سنغور أثناء رئاسته للبلاد حيث أوكل لي مناصب عليا في الدولة. وأحب أن أقول بأنه كان يولي عناية خاصة للتعليم والتربية وتنشئة جيل سنغالي جديد. وكانت ثقافته الواسعة الإفريقية والأوروبية هي التي تدفعه في هذا الاتجاه.
وقد أعطت جهوده ثمارها. فالسنغال الآن هي إحدى الدول الديمقراطية القليلة في القارة الإفريقية. وأصبح التناوب على السلطة يتم بدون صراعات دموية، أي بطريقة سلمية حضارية كما تفعل الدول المتقدمة. انتهى كلام الرئيس السابق.
أما فيما يخص المؤلف كريستيان روش فنلاحظ أنه قسم كتابه إلى خمسة فصول مع مقدمة وملاحق لكي يحيط بأبعاد هذه الشخصية الفذة التي تركت بصماتها ليس فقط على السنغال وإنما أيضاً على القارة الإفريقية بمجملها.
في الفصل الأول من الكتاب يتحدث المؤلف عن المرحلة الأولى من حياة الزعيم والأديب الشهير. ويتخذ الفصل العنوان التالي: طفولة سنغور وشبابه الأول: أو نجاح مثقف (1906-1945). بمعنى آخر فإنه يتحدث عن الأربعين سنة الأولى من حياة سنغور.
أما الفصل الثاني من الكتاب فيتخذ العنوان التالي: النجاحات الأولى في المجال السياسي (1945-1956). وهنا يتحدث المؤلف عن نضال سنغور في أوساط الحزب الاشتراكي السنغالي الذي قاد البلاد إلى الاستقلال لاحقاً. هذا في حين أن الفصل الثالث مكرس للموضوع التالي: نحو الاستقلال والصعود إلى قمة السلطة في السنغال (1956-1960).
أما الفصل الرابع فيتحدث عن وصول سنغور إلى رئاسة الدولة وممارسته للسلطة مدة عشرين سنة متتالية (1960-1980). ثم ينتهي الكتاب بالفصل الخامس والأخير. وهنا نجد لمحة تاريخية كاملة ومفصلة عن حياة سنغور في العشرين سنة الأخيرة من حياته بعد أن ترك السلطة وتفرغ كلياً للكتابة والنضال من أجل الحضارة الكونية (1980-2001).
هذا هو المخطط العام للكتاب والآن لندخل في التفاصيل. من المعلوم أن سنغور اشتهر ببلورة مصطلح معين هو: الخصوصية الزنجية. وبنى عليه كل نظريته الفلسفية بل وحتى السياسية. وهو يقصد به أن لإفريقيا السوداء خصوصية تميزها عن بقية الشعوب والقارات. فالإنسان الأسود أو الزنجي شخص يعيش على الحواس والعاطفة والانفعال بالدرجة الأولى، وليس على التحليل العقلاني للأمور.
ولا يعني ذلك أنه شخص مضاد للعقل أو خالٍ من العقلانية ولكنه يعني أنه عاطفي قبل أن يكون عقلانياً. أما الإنسان الفرنسي أو الأوروبي عموماً فهو شخص عقلاني، بارد، موضوعي بالدرجة الأولى. إنه إنسان ديكارتي.
وبالتالي فإن سنغور ينصح مواطنيه بتعلم المناهج الغربية القائمة على العلم والعقل لكي يوازنوا انفعاليتهم العاطفية. وعلى هذا النحو تكتمل الشخصية السنغالية أو الإفريقية وتجمع بين العقل والعاطفة. ثم يردف المؤلف قائلاً: في الواقع أن سنغور كان يتصور الثقافة على أساس أنها ارتباط بالجذور، واقتلاع من هذه الجذور أيضاً.
فالإنسان الإفريقي ينبغي أن يكون مرتبطاً بشخصيته التراثية الإفريقية الموروثة أباً عن جد منذ آلاف السنين. ولكنه في ذات الوقت ينبغي أن ينفصل عن هذه الجذور لكي يتعلم الحضارة والحداثة في الغرب. وبالتالي فإن الثقافة الحقيقية في نظره هي تلك التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، أو بين التراث والتجديد، أو بين العقلية الإفريقية والعقلية الأوروبية.
في الواقع أن شهرة سنغور تعدت حدود بلاده إلى حد كبير ووصلت إلى العالم أجمع. وربما كان ذلك عائداً إلى أنه يكتب بلغة عالمية هي اللغة الفرنسية. ولكنه كان يعبر عن أعماق الشخصية الزنجية الإفريقية. واستخدامه للغة الفرنسية لم يكن تبعية للاستعمار
كما ظن بعضهم وإنما عبارة عن تعلق بهذه اللغة التي أنجبت كبار الفلاسفة والأدباء والشعراء على مدار التاريخ. فالجزائري كاتب ياسين كان أيضاً ضد الاستعمار ولكن هذا لم يمنعه من كتابة أعمال أدبية رائعة بلغة فولتير وفيكتور هيغو.
ثم يردف المؤلف قائلاً: في الواقع أن الأجانب يعرفون من سنغور شعره وثقافته الإنسانية الواسعة أكثر مما يعرفون سياسته التي اتبعها لتطوير السنغال وإخراجها من جحيم التخلف. ويمكن القول إنه يحتل بسبب ذلك مكانة خاصة بين قادة إفريقيا الكبار في القرن العشرين. فهو أحد الكبار بالإضافة إلى نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، أو كوامو نيكروما في غينيا، أو باتريس لومومبا في الكونغو. ولكنه يتمايز عنهم ببعض الخصائص.
فمانديلا عرف حياة السجن والاعتقال الطويلة قبل أن ينتصر على نظام التمييز العنصري البغيض. وهو بدون شك أحد كبار قادة العالم الآن. وأما نيكروما فقد كان رؤيوياً كبيراً واستطاع أن يتنبأ بالوحدة الإفريقية قبل حصولها.
ولكنه اضطر للعيش في المنفى بعد أن نظموا ضده انقلاباً عسكرياً. ويمكن القول إنه كان يعاني من بعض التضخم في الشخصية إن لم نقل جنون العظمة. وأما باتريس لومومبا فقد كان قائداً حقيقياً ومخلصاً ولكنه سقط تحت رصاص القتلة المجرمين.
وحده ليوبولد سيدار سنغور عاش عمراً مديداً بدون مشاكل تذكر، وكان معتدلاً بطبيعته ويحب التطور التدريجي لا الثورات العنيفة. ولذلك اتهمه بعضهم بأنه يمالئ الاستعمار. ولكنه في الواقع كان يريد أن يسير ببلاده على طريق التطور دون هزات عنيفة أو خضات كبيرة.
*الكتاب: ليوبولد سيدار سنغور، الرئيس الإنساني
*الناشر: بريفا ـ باريس 2006
*الصفحات :239 صفحة من القطع الكبير
Léopold Sédar Senghor le président humaniste
Privat- Paris 2006
P.239