إبراهيم المصري رائد القصة النفسية

إبراهيم المصري رائد القصة النفسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا الكتاب (إبراهيم المصري.. رائد القصة النفسية مدخل بيبليوغرافي) لسلمى مرشاق سليم يذكرنا بأحد كبار الكتاب في مصر في عقد الثلاثينات وحتى رحيله أواخر السبعينات، الكاتب الذي ملأت كتاباته أهم الصحف والمجلات الثقافية والعامة في مصر خلال القرن العشرين: الأهرام، والمقطم، والمصري، والأخبار، وأخبار اليوم، والمصور، والإثنين، وروز اليوسف، والرسالة، والثقافة، والهلال، والمقتطف، والمختار.. وغيرها من ذلك الكشكول الهائل من الصحف والدوريات.

يرصد الكتاب لرحلته مع الكتابة وثراء وتنوع كتاباته ويسجل لكتبه وطباعاتها ويحلل لمسيرة حياته وأبرز خطوط كتاباته، ويفهرس لما نشره وما نشر عنه. وإبراهيم المصري كتب بمجلة «الهلال» والتحق بالعمل بها عام 1936 كرئيس تحرير، فضلا عن مقالاته في السياسة الخارجية بمجلة «المصور»،

وكانت كتاباته وتحليلاته عن المرأة تمثل دفاعا أصيلا عن حقوقها ومكانتها وقد لاقت صدى واسعا مصريا وعربيا، وقد خلف وراءه كنزا إبداعيا كان له أثره على الثقافة والمجتمع المصريين تمثل فيما يزيد على 40 كتابا تجمع ما بين القصة القصيرة والمقالة.

وقد نال الكتاب الكبير تحية وتقديرا من لبنان على يد الباحثة والكاتبة سلمى مرشاق سليم التي أشارت إلى مطالبة الكثير من الكتّاب الكبار كرجاء النقاش ونجيب محفوظ وشكري عياد بإعادة الاعتبار إلى إبراهيم المصري وإلى كتّاب آخرين كان لهم فضل كبير على الثقافة المصرية.

جاء الكتاب في أربعة فصول، الأول لسيرة حياة إبراهيم المصري الإنسانية والعملية والذي اختار هذا اللقب المستعار لسبب تميل الباحثة الى تفسيره بالرغبة في الهروب من واقعه الاجتماعي والنفسي. أما الفصل الثاني فقد رصد بالتفصيل لمؤلفاته من حقبة الثلاثينات حتى وفاته في خريف 1979، وجاء الفصل الثالث لإسهاماته الصحافية في مجلات «الأدب الحي» و«السفور» و«الهلال» و«الأديب» وغيرها.

أما الفصل الأخير فأورد شهادات فيه ومقالات أتت على ذكره، وفي الخاتمة أكدت الكاتبة أنها في مطلع شبابها أعجبت بكتابات المصري لكونها كانت تتجاوب مع احتياجاتها في تلك المرحلة العمرية. والكاتبة سلمى مرشاق سليم من مواليد القاهرة لأسرة من «شوام مصر»،

لبنانية بالإقامة والزواج والأمومة، مجازة في الصحافة من الجامعة الأميركية في القاهرة، ونالت الماجستير من الجامعة الأميركية في بيروت، عام 1973، عن أطروحة تدور حول هجرة الشوام الى مصر ومساهمتهم في النهضة.

وإبراهيم المصري هو من شوام مصر، واسمه الحقيقي هو إبراهيم سليمان الحداد، ولد في القاهرة، مطلع القرن العشرين لأب تعود جذوره وأصوله الى بلدة دير القمر اللبنانية، من آل الحداد (سليمان الحداد)، الذي عمل نساخ عقود في المحكمة المختلطة في مصر.

أما والدته فلا يعرف عنها الكثير، ويذكره المصري في مقال له عن تدفق شعورها الوطني يوم عودة سعد زغلول من المعتقل، ومعارضتها رأي زوجها الذي لم يوافق على مشاركتها في المظاهرات، التي عمّت القاهرة آنذاك. وأسوة بالأسر الشامية،

أقامت أسرة إبراهيم في حي شعبي، هو حي القبيسي في منطقة الظاهر، القريبة من محطة القطارات. الأب لم يكن صاحب مؤهل عال، ولكنه كان يحب الشعر ويحفظه ويردده على مسامع أبنائه. وقد أنهى إبراهيم المصري دراسته التكميلية والثانوية في مدرسة «الخرنفش» في بورسعيد، وعُرف بميوله للمواد الأدبية ومطالعته العلوم والفنون والآداب.

أمضى ستة أعوام في مهنة التدريس قبل أن يكتب مقالات ويرسلها الى صحيفة «البلاغ»، و«البلاغ الأسبوعي»، ويذكر نبيل فرج في «الأنوار» أن المصري جمع مقالاته في خمسة كتب هي: «الأدب الحي» و«الأدب الحديث» و«حي العصر» و«صوت الجيل» و«الفكر والعالم» خلال تلك الفترة

وقد تخللتها مرحلة تسكع وبوهيمية، كتب مسرحية «الأنانية»، التي مثلت على مسرح رمسيس، ومسرحيتي «الفريسة» و«غوانتور»، والأخيرة ذات ميول اشتراكية حدت إسماعيل صدقي رئيس الوزراء آنذاك الى عدم السماح بعرضها.

ويذكر فوزي سليمان في كتاب له أن المصري وضع أيضاً مسرحيتين مثلتهما فاطمة رشدي هما «المرأة وشيطانها» و«العادل». بعد هذه الفترة الرجراجة التحق المصري بجريدة «البلاغ» قرابة عشر سنوات.وفي العام 1924 أصدر مجلة «التمثيل» بالتعاون مع زكي طليمات. وفي العام 1934 أصدر مجلة «الأسبوع» بالاشتراك مع إدوار عبدة.

عام 1937 أصدر «الأدب الحي»، في وقت كان يراسل فيه مجلة «الهلال» ببعض مقالاته، ثم التحق بها العام 1936 كرئيس تحرير وكاتب مقال في السياسة الخارجية في مجلة «المصور». وفي العام 1946 التحق المصري بدار «أخبار اليوم»، حتى أصابته بمرض عضال أخضعه لجراحة انتهت بوفاته يوم 13 أكتوبر 1979.

نشر المصري الكثير من مقالاته بأسماء مستعارة وتؤكد الكاتبة أن ذلك جاء رغبة منه في الهروب من الواقع الاجتماعي والنفسي، وقد أصدر خلال عقد الثلاثينات (1930 ـ 1934) خمسة كتب تضم المبادئ والأفكار والآراء التي دأب على المناداة بها وتكرارها في كتبه الأخرى،

وهي عينها التي دعا إليها في قصصه الاجتماعية التحليلية ومسرحياته، أما الكتاب السادس «تاريخ الحب»، فنشرته «دار الهلال» في نوفمبر 1937، وقدم حينها كهدية قيّمة إلى القراء، وعادت الدار وأصدرته في طبعة ثانية العام 1963. وفي هذا الكتاب يلحظ اهتمام إبراهيم المصري بأدباء وفنانين من أمثال: جوركي، ودي موباسان وآخرين.

في عقد الأربعينات، وبعد انقطاع لست سنوات كاملة عن الكتابة، أصدر المصري «قصص البطولة»، و«خريف امرأة»، و«كأس الحياة»، وفي عقد الخمسينات أصدر: نفوس عارية، ومدرسة الحب والزواج، ودروس في الحب والزواج، والغيرة، والإنسان والقدر.

وعندما نصل الى مرحلة الستينات، نطلع على أن ما أنتجه إذ بلغ اثني عشر كتاباً: كتابات من العام الواحد، إنتاج غزير توزع على: «وثبة الإسلام»، «صراع الروح والجسد»، «المرأة في حياة العظماء»، «الحب عند شهيرات النساء»، «عالم الغرائز والأحلام»، «قلب عذراء»، «تاريخ الحب ورسائله الخالدة»، «عشرة من الخالدين»، «قلوب الخالدين»، «صراع في الماضي»، و«الكأس الأخيرة» .

مرحلة السبعينات هي المرحلة الأخيرة من عمره، كرر نشر ما سبق أن نشر، وكتب في العقد الأخير: «أعلام في الأدب النسائي»، «قلب المرأة»، «أغلال القلب»، «شروق الإسلام»، «أرواح ظامئة»، «الشاطئ والبحر»، «الوجه والقناع»، «أضواء على الأدب والحياة»، «خبز الأقوياء»، «قلوب الناس»، «ضحكات القدر»، «صراع الحب والعبقرية»، «الناس والحب»، «الإنسان والشيطان»، «الغانية والعذراء»، «في قلوب العظماء».

هذا الإنتاج الوافر الذي رصد فيه وحلل للكثير من القضايا الاجتماعية والنفسية وأبدع فيه القصة القصيرة وطورها كما ترى الكاتبة يحتاج إلى دراسة وافية، مع الإشارة إلي الجهد الذي لا يضاهى الذي قام به الناقد الكبير د.سيد حامد النساج في مجال القصة القصيرة مثبتا أنه رائد القصة التحليلية بلا منازع.

وتؤكد الكاتبة أن ما حدا بها إلى بذل الوقت والجهد في إحصاء كتابات المصري والتعريف به، هو عرفان، ولو متأخر، وتقول: نشأ شغفي وتعلقي بالصحف والمجلات منذ أيام اليفع ومطلع الشباب، عندما كان احترام فترة القيلولة، خصوصا خلال العطلة الصيفية، فرضا واجبا على أفراد الأسرة،

وذلك بسبب شدة الحرارة ورغبة الأهل في كسر تعب النهار والاستعداد لسهرة من سهرات القاهرة الأنيسة، ومن لم يغلبه سلطان النوم فمسموح له بنشاط أبكم، وما هذا النشاط في منزل يحوي مجموعات من المجلات والكتب سوى القراءة، بدأت بالاستئناس باللطائف المصورة لبساطتها وملاءمتها للسن، ثم أتبعت ذلك بقراءة المجلات القديمة المجلدة والمرصوفة بعناية ونظام،

من الهلال إلى المقتطف إلى مجلة سركيس والمورد الصافي والإخاء، ثم اندمجت قراءة الصحف السيارة بالقديمة منها، فما من جريدة يومية أو مجلة أسبوعية تدخل المنزل إلا وأطالعها في اليوم ذاته أو خلال عطلة نهاية الأسبوع: الأهرام، المقطم، المصري، الأخبار، أخبار اليوم، المصور، الاثنين، روزاليوسف، الرسالة، الثقافة، الهلال، المقتطف، المختار.. إلخ،

ومن خلال هذه القراءات المتنوعة احتل اسم المصري مساحة في ذهني ونفسي، لأنه يكتب عن المرأة ويحلل نفسيتها بأسلوب لمس شغاف قلب مراهقة تخطو نحو النضج والاستقلال في شخصيتها.وتضيف سلمى مرشاق: ودارت الأيام دورتها وانتقلت من القاهرة إلى بيروت حيث التحقت بالجامعة الأميركية للحصول على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط وكان موضوع الرسالة التي تقدمت بها (هجرة الشوام إلى مصر وإسهامهم في النهضة) وذلك عام 1973 .

وفي زيارة للقاهرة للحصول على معلومات أوفى أخبرتني نسيبة لي يعمل أخوها المرحوم شفيق مرشاق في الصحافة منذ أمد بعيد أن إبراهيم المصري هو أيضا من شوام مصر وأن اسمه الحقيقي هو إبراهيم سليمان الحداد وأنه صديق لأخيها الذي عرفه عن كثب وسانده في أزماته،

وكانت غرف مكتبيهما متجاورة في دار الهلال.وبقيت هذه الملحوظة العابرة عالقة في ذهني وصممت على دراسة إنتاج المصري لأنه طبع فترة مراهقتي وشبابي، ولأنه ينتمي مثلي إلى مجموعة شوام مصر التي أحبت أرض الكنانة وتعلقت بها وأبدعت فيها.

محمد الحمامصي

*الكتاب: إبراهيم المصري.. رائد القصة النفسية ـ مدخل بيبليوغرافي

*الناشر:دار الجديد ـ بيروت 2007

*الصفحات:279 صفحة من القطع الكبير

Email