يرى د . جمعة أحمد عطية قاجة الكاتب والباحث والأستاذ الجامعي عميد مدرسة الدراسات العليا للإعلام والفنون بأكاديمية الدراسات العليا بالجماهيرية الليبية 2004 ـ 2005 في كتابه (المدارس المسرحية) أنه مهما كان للممثلين ومهندسي الديكور ومصممي الملابس والإضاءة وغيرهم من مهام يحددها المخرج سلفا، إلا أن المخرج هو (المايسترو) قائد الاوركسترا التي تعمل في تناسق وتكامل محسوب.

بل انه يمكن تشبيه المخرج المسرحي بمترجم العمل الأدبي، ومعلم الفصل وربان السفينة. بل هو كل هؤلاء في آن معا، سواء كان فريق التمثيل كبيرا أو صغيرا، من هواة أو محترفين، فأسس الإخراج المسرحي في جميع الحالات واحدة، تحتاج إلى دراية كاملة بحرفية الإخراج وقدرة على الإدارة والتوجيه، وعلى رأسها الصدق الفني بجانب ذلك النوع من التواضع الذي لا يسلب صاحبه السلطة والوقار.

بل إن د. جمعة قاجة يبرر للمخرج أن يكون من حين لآخر (مستبدا) لا حبا في الاستبداد ذاته، ولكن لأنه إلى حد ما لا غنى عنه للنجاح. ومع ذلك فينبغي عليه أن يكون دبلوماسيا لا يمزج دبلوماسيته قط بشيء من النفاق، لأن مهمة المخرج الأولى هي أن يجعل من النص المسرحي المكتوب عملا حيا فوق المنصة،

فهو المسؤول عن فهم المسرحية وتفسير معانيها ومراميها، وما تنطوي عليه من أفكار فلسفية ذلك بعد أن يستعرض المدارس المسرحية عبر الانقلابات التي عصفت بالحياة الإنسانية حيث اكتشف العقل (عقله) فيعرّف لنا:

1 ـ المدرسة الكلاسيكية: هي المسرح اليوناني القديم الذي ازدهر في القرن الخامس ق.م، وأن أول من وضع قوانين المسرح الكلاسيكي هو أرسطو في كتابه(الشعر) وكانت بين يديه مسرحيات: اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس الذين عاشوا بين عامي 525 ـ 406 ق.م كما كانت أمامه كوميديات (ارسطو فانيس) الذي عاش بين عامي 450 ـ 385 ق.م.

2 ـ المدرسة الرومانسية: والتي تتضمن المثل العليا للفروسية وتصورها في مغامرات البطولة والغرام العذري الذي يشبه العبادة، والملاحم التي تماثل هذه القصص، كما شملت قصص الورع الديني المليء بالتضحية، والقصص الواقعية التي تغلب عليها الروح الرومانسية.

3 ـ المدرسة الطبيعية والمذهب الواقعي، والشيء الطبيعي هو الشيء المنسوب إلى الطبيعة- الطبيعة التي خلقها الله، الطبيعة التي لم تتأثر بالعوامل الخارجية الطارئة، وأما الشيء الواقعي فهو الشيء الذي تحوّل إلى ما هو طبيعي بعد أن تأثر بتلك العوامل الخارجية الطارئة، والأدب الواقعي هو ما يحدثنا عن تلك الحياة الواقعية المهذبة(!!).

4 ـ المدرسة الرمزية: وهي في الأدب الذي يقرأه القارئ العادي فلا يفهم منه إلا ظاهره. أما القارئ المتأمل فيفهم منه الظاهر، ولكنه لا يقف عنده، بل هو لا يكاد يمضي في القطعة الأدبية الرمزية حتى يبهره ما تحت سطحها(!!) ويعتبر مسرحية(هيدا جابلر) لهنريك ابسن من أهم المسرحيات الرمزية.

5 ـ المدرسة الرومانسية الجديدة.

6 ـ المدرسة التعبيرية: وقد اختص بها الألمان فيما اختص الفرنسيون بالتأثيرية التي هي اصطلاح ينطبق إما على مزاج وإما على محاولة استاتيكية لا يرتبط بأهدافها شكل مسرحي معين. والتعبيرية برأي د.قاجة تفادي الواقعية في أهدافها وترتبط مع المدرسة التكعيبية التي ولدت في باريس 1908، ولها صلة بالمدرسة (المستقبلية) الايطالية التي أسسها مارينتي1909 ومن أهم المسرحيين التعبيريين الألمان جورج كايزو، ويوجين أونيل من الأميركيين.

7 ـ المدرسة السريالية:وهي مدرسة حسب أندريه بريتون في بيانه الذي صدر عام 1924التعبير عن خواطر النفس في مجراها الحقيقي بعيدا عن كل رقابة يفرضها العقل، ودون أي حساب للاعتبارات الخلقية أو الجمالية ، ثم الإيمان بسلطان الأحلام المطلق. ويعتبر هنريك ابسن واوغست سترندبرغ من أهم كتاب المسرح الذين أسسوا لهذه المدرسة.

8 ـ المدرسة الصوفية: وقد اختص بها الايرلنديون ويمثلها (ليدي اوغست جريجوري) و(وليم بتلر بيتس) وهذه المدرسة هي خليط من المذاهب الرومانسية والرمزية والسريالية ولها صلة بالمسرحية الدينية وهي مدرسة تريد من المسرح أن يسمو بالنفس البشرية ويعلو بها فوق أدران هذه الحياة المملة المتعبة المكتظة بالآلام والمواجع.

9 ـ المدرسة الوجودية: وهي تنسب إلى الوجود الذي هو سابق على الصورة، وهناك وجوديون مؤمنون وآخرون ملحدون. وأهم فلاسفتهم جبرائيل مارسل وكيركجاد وكارل ياسبرز، ومن أهم المسرحيين الوجوديين جان بول سارتر وألبير كامو.

10 ـ مدارس معاصرة أخرى: إذ اختلفت وتباينت المدارس الفنية في المسرح وأصبح لكل كاتب مسرحي شخصيته الفنية الخاصة، حتى لم يعد من الممكن وضع إطار حول مجموعة من الكتاب أو المسرحيين وتحديد مدرسة واضحة لها. ومن كتاب هذه المدارس والذين صاروا عالميين :

1 ـ آرثر ميللر الذي نذكر له(كل أولادي) و(موت بائع متجول) التي تتحدث عن مصير الكادحين في المجتمع التكنولوجي واندحار الفرد تحت عجلات الحضارة الصناعية.

2 ـ يوجين يونيسكو وصموئيل بيكت اللذان أسسا مسرح (اللامعقول)

3 ـ برتولد بريخت أبو المسرح الملحمي الذي يروي الأحداث ويحمل المتفرج على أن يفهمها بخلاف المسرح التقليدي أو المسرح الارسطاطالي.

4 ـ لويجي برانديللو الذي كان الوهم في مسرحه يمثل الحقيقة والذي كان يقوم عليه الحدث الدرامي في مسرحياته.

إن المسرح كما يرى د. قاجة هو التكثيف الإبداعي الذي اختزل ذاته كافة في هذه الأشكال التعبيرية والاتصالية وأعاد إنتاجها في العرض المسرحي الذي يحتوي كافة هذه الأنماط الفنية، ويوقظها بشكل إبداعي خلاّق،

وعلى هذا يمكننا القول إن المسرح كان فعلا إبداعيا اجتماعيا منذ فجر الحضارة البشرية- أي منذ المعابد القديمة في بلاد النيل والرافدين مرورا بالمدرجات اليونانية والرومانية إلى صالات مسارح أوروبا الوسطى إلى ساحات البلدات والشوارع حيث الفرق الجوالة المتنقلة، إلى المهرجانات المسرحية والغرف المغلقة وعلب العرض.

*الكتاب:المدارس المسرحية وطرق إخراجها

*الناشر: نور للطباعة ـ دمشق 2007

*الصفحات: 316 صفحة من القطع الكبير

أنور محمد