روايات خالدة

تاريخ توم جونز

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«أعطى عالمنا في الواقع الحالي، أهمية بالغة للنقاد، وصورهم بأنهم رجال ذو قيمة أكثر مما هم عليه في الحقيقة. ومن هنا، تجرأ النقاد على منح أنفسهم قوة توصف بالدكتاتورية، وقد نجحوا بذلك إلى أقصى حد. باتوا الآن روادا، ولديهم القناعة الأكيدة في قدرتهم على نص قواعد أدب الكتابة. وإن كانت تلك القواعد أو النصائح بالأحرى تملى في الماضي من قبل الكتاب الكبار اعتمادا على باع تجربتهم في الكتابة والأدب، فإن نقاد اليوم لا يقدمون نصائح بل يسنون القوانين اعتمادا على لقبهم وسلطتهم. وهم ليسوا أكثر من رجال عاديين».

ذلك ما قاله هنري فيلدينغ الكاتب البريطاني المسرحي والروائي والصحافي، الذي يعتبر مؤسس مدرسة الواقعية الانجليزية في الأدب برفقة الأديب صاموئيل ريتشاردسون وإن كان ذلك من خلال قطبين متعارضين. فإن تناول جونسون جوهر الفضيلة في بعدها المتطرف (سبق وقدمنا عرضا لروايته كلاريسا) فإن فيلدينغ أبرزها من خلال تناقضات مجتمع القرن الثامن عشر.

ولد هنري في ضاحية سومرست في بريطانيا عام 1707، حيث نشأ في كنف مزرعة والديه. توفيت والدته حينما كان في الحادية عشر من عمره، وحينما تزوج والده مرة أخرى أرسل هنري إلى مدرسة داخلية في إيتون، بقي فيها من عام 1719 إلى 1724 حيث تعلم حب الأدب الإغريقي والروماني القديم.

وبتشجيع من قريبته السيدة ماري موتاغو، بدأ هنري مهنته ككاتب في لندن. وفي عام 1728 كتب مسرحيتين حقق عرضها على المسرح نجاحا كبيرا دفعه إلى متابعة دراسته الجامعية للأدب في هولندا. وعند عودته كرس نفسه لكتابة المسرحية سيما بعدما أصبح مديرا لمسرح صغير في هاي ماركت. وبعد مضي عامين وكتابة أربع مسرحيات حقق شهرة واسعة في عالم الدراما.

أما المنعطف الذي دفعه لكتابة الرواية كان في عام 1736، حينما استلم إدارة المسرح الجديد حيث قدم من خلاله عددا من المسرحيات الناجحة منها «باسكان»، غير أن نقده اللاذع للحكومة حرمه من حق النشر والعمل المسرحي. وعليه وبحثا عن مهنة بديلة عمل كمحرر في مجلة «شامبيون» المعارضة، وبدأ إلى جانب دراسته للقانون بكتابة الرواية، إلا أن مرضه وتعرضه لنوبات الربو المتكررة حال دون تقدمه لامتحان إجازة المحاماة.

وعلى الرغم من أنه كتب ما بين عام 1729 و1737 خمساً وعشرين مسرحية إلا أن اهتمام النقاد انحصر في الروايات التي نشرها، وأكثرها شهرة روايته الثاني «تاريخ توم جونز» ونشرت عام 1749 و«تاريخ مغامرات جوزيف أندروز» عام 1742، و«أميليا» آخر رواية له التي استوحى شخصية بطلتها من زوجته شارلوت كرادوك.

وقد نهج هنري في كتابة عمله «تاريخ توم جونز» أسلوبا غير مألوف في أدب الخيال الانجليزي حيث كرس اهتمامه على سلوكيات الإنسان ودوافعه بعيدا عن التحليل النفسي مع ميله إلى الشرح بدلا من الاكتشاف.

تبدأ الرواية في الجزء الأول من الكتاب بعثور رجل الأعمال النبيل والثري والأرمل السيد أوول وورثي على طفل رضيع في سريره. وبعد الكثير من الجدل في إطار بيته يقرر تبني الطفل ويسميه توم جونز، بعد اعتقاد الجميع بأن والدة الطفل هي الخادمة جيني جونز التي عملت لدى أسرة مدير المدرسة بارتريدج.

ويبين من خلال هذا الجزء رؤية وسلوكيات المجتمع بأنماطه سيما وأن الخادمة جيني تتفوق على قريناتها بثقافتها التي اكتسبتها بتشجيع من سيدها مدير المدرسة، مما جعلها موقع حسد ورفض من محيطها، كما أن رحمة أوول وورثي تجاهها أثار الأقاويل إلى درجة الشك في أنه والد الطفل. أما بريجيت الأخت العانس لأوول وورثي التي حرمت من أية مقومات للجمال، والتي تتعارض أفكارها مع أخيها فقد أحبت الطفل وكرست له عاطفتها.

أما في الجزء الثاني فيتناول هنري زواج بريجيت من الكابتن بليفيل السيء الخلق والانتهازي، والمؤمراة التي حاكها الأخير بمساعدة أخيه الطبيب المقرب من هنري للزواج من بريجيت بهدف نيل ميزات الثروة والمركز. ويبدأ الصراع الثاني بين الفتى توم جونز الذي تتبناه بريجيت وزوجها تلبية لرغبة أوول وورثي وابنهما بيلفيل الذي أنجباه والذي ورث عن أبيه سوء الطباع والخلق. كرس الابن بيلفيل حياته لحياكة المؤمرات ضد توم سيما حينما أحب الاثنان الشابة صوفيا ويسترن التي تسكن عائلتها في الجوار.

وبعد نجاح الابن بيلفيل في طرد توم من العائلة سيما بعد سوء الفهم الذي ينشأ بين أوول وورثي وتوم، يركز فيلدينغ على مغامرات توم في لندن سيما العاطفية منها مع عدد من النساء. ومن خلال مغامراته تبدأ شخصية توم الحقيقية بالتجلي لنفسه وللقاريء التي تنم عن الأصالة والنبل. وفي تلك الأثناء تذهب صوفيا إلى لندن هربا من الزواج من الابن بيلفيل.

ويتمحور الجزء الثالث حول مرحلة الكشف التي تبدأ بالمصارحة بين صوفيا وتوم، وفهمها لظروفه وتسامحها معه، ثم مبادرة بريجيت بالكشف عن سوء معاملة زوجها لتوم منذ البداية وكذلك فيما يتعلق بابنها، ليأتي بعد ذلك كشف سر ولادة توم، حيث يتبين بأن والدة الطفل الحقيقية لتوم هي بريجيت ليس إلا، وتتوج الأحداث بانتصار الحق وزواج توم من صوفيا وبجعل أوول وورثي توم وريثه الوحيد

Email