يمنى العيد ناقدة واستاذة جامعية لبنانية احتلت مساحة واسعة في حركة النقد العربي في الربع الأخير من القرن الماضي شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات الأدبية، وحازت على جوائز مختلفة لعل من بين أهمها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، ولها في مكتبة النقد العربي مؤلفات كثيرةأبرزها (الدلالة الاجتماعية في حركة الأدب الرومانتيكي 1988.

في معرفة النص.- دار الآفاق الجديدة، بيروت،1983 تقنية ،الماركسية وفلسفة اللغة.- لميخائيل باختين- ترجمة محمد البكري ويمنى العيد - دار توبقال - المغرب 1986 ، الكتابة تحول في التحول. مقاربة للكتابة الأدبية في زمن الحرب اللبنانية -دار الآداب بيروت 1993 ، قاسم أمين إصلاح قوامه المرأة- بيت الحكمة بيروت 1990 ).يحتوي كتاب «الراوي .. الموقع والشكل» على عدة دراسات في النقد، ويعد التخصص في السرد الروائي، تنظيراً وتطبيقاً، ويشكل هماً ثقافياً للباحثة، وهي تطرح أسئلتها في البحث عن فنيات الرواية العربية المعاصرة، وحسبما تقول فإن البحث قد بدأ من بدايات أعوام الثمانينات وظل السؤال يشكل هاجساً لها ، بدأت مع نص أوديب ملكاً الذي ظلت تحلله وتفككه وتستنبط الأسئلة التي قد لا تصل إلى إجابات حاسمة لها.

. وتترك للقارئ هامشاً للتفكير والتصور والقول أيضاً قد يكون بإمكان القارئ أن يقول بعد انتهائه من قراءة هذه الدراسة، ان القول السردي يكتسب فنيته (بديمقراطيته) أي بانفتاح موقع الراوي على أصوات الشخصيات، بما فيها صوت السامع الضمني، فيترك لهم حرية التعبير الخاص بهم، ويقدم لنا منطوقاتهم المختلفة والمتفاوتة والمتناقضة وبذلك يكشف الفني عن موقع في الثقافي - السياسي قوامه حرية النطق والتعبير.

وتعتبر يمنى العيد النقد قراءة للنص، لكنها قراءة نشطة على حسب تعبيرها، وتنتقل من معنى النقد، إلى لماذا النقد قراءة؟! وتربط بين النص والنقد، ثم تعتبر النقد علماً، و تخلق سؤالها «هل يمكن للنص الأدبي أن يكون مادة بحث علمي؟»، وتنتقل بعد ذلك إلى قيمة النص الأدبي، وتحاول الانفتاح على النص، وتعمل على استنطاقه، ومحاكمته، وتحريره من عبودية اللغة والأصول والكاتب الإبداعي.

في العنوان التالي تطرح لنا الدكتورة يمنى العيد مسألة التعبير والموقع، وعلاقة اللغة بالنص، والإيديولوجية بفن الرواية، ووعي الكاتب، وعلاقة العمل الإبداعي بموقعه أو بطريقة التعبير، إنما كيف يمكن للنص الإبداعي من أن ينهض من مكانه وينفتح على عوالم الناس الحي، وأخيراً تشكل الباحثة سؤالها الجديد «هل يمكن الاستنتاج بأن الفني هو بالضرورة حواري، أو بتعبير يستند إلى مفهوم الحرية الاجتماعية.. ديمقراطي؟».

عنوان آخر تطرحه هذه الدراسة يرتبط بعلاقة الكتابة بالتحولات الاجتماعية، والولوج إلى عمق الطروحات تلجأ الباحثة إلى طرح أسئلتها للوصول إلى البحث في منزلق الاستبدال.

والنزعات الغيبية، ثم تنتقل إلى منزلقات أخرى مثل التطابق والماديات الميكانيكية، وعلاقة الكتابة النقدية بالمراجع والدلالات «في هذا الطابع النقدي لها، تبدو الكتابة محكومة بموقع هو منطقها الذي به تمارس نشاطها صياغة وقولاً لها، تمارس الكتابة نطقاً فنياً لها، تمارسه من موقع تتكلم الكتابة، ومن موقع ترى، وبهذه الرؤية يتحدد منطق الصياغة».

تنتقل الدكتورة يمنى العيد بعد ذلك إلى نماذج تطرحها وتقرأها نقدياً مثل البحث في بنية الشكل والموقع في «مسرحية أوديب ملكاً» انطلاقا من الحكاية ومنهج الشكل ومنطق البنية، والموقع الذي تنهض منه المسرحية مروراً بانفتاح المواقع على النقيض، أو التعددية مروراً بالإبهام الفني وجدل الحكاية والقول وصولاً إلى الفعل الدرامي لتصل في نهاية البحث إلى أسئلتها التي تنهي فيها كل مبحث محاولاً منها البحث عن الجواب.

أو إشراك القارئ في الوصول إلى نتائج تستنبط من النص، ونص الدراسة معاً «إن مسألة الكتابة، تطرح مسألة القراءة كقراءة كاشفة لموقع القول، لحركة النطق من حيث هي تعبير له طابعه الاجتماعي، أن تُقرأ نقدياً يعني أن لا تتكرر الكتابة الكتابة، بل ان تكون الكتابة إبداعاً منتجاً للمعرفة».

ثم تختار الكاتبة تجربة الروائي اللبناني إلياس خوري لتبحث عن أنماط بنية القص، ومفهوم البطل، واللاواقع في السرد الروائي العربي، ثم تقرأ من باب نقدي نماذج من نتاجه مثل قصة رائحة الصابون، لتقدم لنا تحليلاً دقيقاً لنموذج للقص العربي من تداخل المواقع أو تبادلها أو ضياعها إلى المواقع المنحازة والراوي الشاهد، والمنظور الأيدلوجي للحرب والحياة وإمكانية إلياس خوري في اللعب الفني للنص «تتسق البنية، وتتماسك فتبدو قادرة على الإيهام بتفككها، تصبح حصن القول- النطق أو حصن هذا المنظور الفكري وقناعته، ويعبر المنظور الفكري، بالنطق له، الكلي في البنية، أنه دمها، ونسغها، ينسجها ويكونها وهو بذلك إيديولوجيها البارز».

النموذج التالي الذي تطرحه يمنى العيد، الطيب صالح في روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» لتتابع معها نمو الفعل الروائي في الصراع بين موقعين وتناقض العلاقة بالوطن، وحوار التناقضات، وحضور النقد في النص الروائي «أن تكون القراءة كالقول الروائي، نقدية، لا يعني تماهياً بينهما بل يعني نهوض العلاقة بين القراءة والمقروء على مستوى العمل نفسه وليس بينهما كموقعين».

وتواصل الدكتورة يمنى العيد بطرح نماذجها التطبيقية، وتقدم لنا «ميرامار» نجيب محفوظ الذي يمارس من خلالها لعبة السرد الديمقراطي، وبعد أن يلغي الراوي ويستعيض عنه بعدة رواة، كل واحد فيهم مستقل عن الآخر مع تساوي مساحة الحيّز المخصص له.

«التيه» للروائي عبد الرحمن منيف نموذجاً تحلله الباحثة تطبيقاً نقدياً لما ذهبت إليه عند التنظير في صدر الكتاب، ومنيف يتقن لعبة الراوي ويعرف دوره دون إغراق، كما يعيد في هذه الرواية نبرة السرد الشفهي إلى أصولها مع استيعاب كامل للسرد الحديث، والتأكيد على العلاقة ما بين الراوي والرواية.

والكشف عن حركة الزمن السردي في التيه وأساليب الراوي في رواية الحدث في الكشف عن علاقة المستوى المرجعي، بالمستوى المتخيل، بمعنى الموازنة بين الواقع والمتخيل أو الصورة النهائية لواقع الحدث الروائي ومدى جدلية تلك العلاقة والموازنة «على الراوي الذي مارس لعبة السرد على مستوى الزمن، فأتى به فضاءً غنياً، دون أن يقع أسير هذه اللعبة.

أو يسقط في شكليتها، والذي عبر عن مفهوم تاريخي للزمن به، بقيت روايته حكاية، هو الراوي الذي سعى ليكون مجرد راو، فترك لأصوات الشخصيات أن تقول، وحين كان يتقدم هو ليروي عنها بصوته، كان يصوغ المرئي كشاهد، أو يروي المسموع الذي يحكيه الناس أو يتذكرونه».

وتنهي الباحثة الدكتورة يمنى العيد كتابها في البحث عن سرديات الرواية العربية المعاصرة باستنتاج ملخص ومكثف اختارت له «الفني ديمقراطي» عنوانا، لتقدم لنا نتائج تلك التحليلات التي طرحتها في التنظير والتطبيق معاً، وأن نستنتج عدة مفاصل حيوية في السارد والمسرود، في الراوي والرواية، ومن زوايا مختلفة، منطلقة من الاعتماد على النص، واستنطاقه.

وعدم الانحياز إلى أية معادلة بقدر ما البحث هو الذي يقود إلى المناظرة وتشكيل رؤى النقد «إذا كان اختزال مساحة الكلام باتجاه العودة إلى حدود الموقع هو أحياناً وقوع النص السردي في لا فنيته، أي هو تعسفه، وتسخيره، ولا حقيقته الاجتماعية فإن المبالغة في هذه الفنية بغية إسقاط موقع الكلام أو تغييبه هي أحياناً أخرى وقوع النص في الشكلية، أي في عبثية الكلام ولا قوله».

عبد الإله عبد القادر

*الكتاب: الراوي، الموقع والشكل بحث في السرد الروائي

*الناشر: مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية ـ دبي 2006

*الصفحات: 212 صفحة من القطع المتوسط