الفكر السياسي العربي من التطوّر إلى المصطلح--* تأليف:د. محمد علي الكبسي

الفكر السياسي العربي من التطوّر إلى المصطلح

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الدكتور محمد علي الكبسي مؤلف هذا الكتاب هو الذي أسس جمعية مدارات معرفية التي صدرت عنها مجلة خاصة ناطقة بالعربية والفرنسية والإنجليزية.

وهو عضو باليونسكو للفلسفة العربية وله العديد من المؤلفات في قضايا الفكر العربي المعاصر مثل كتاب النهضة والحداثة حفريات في مفهوم الكتابة والدولة والوطنية والشرعية الدولية وكتاب ميشال فوكو تكنولوجيا الخطاب، تكنولوجيا السلطة، تكنولوجيا السيطرة على الجسد، وكتاب قرأت في الفكر الفلسفي المعاصر وكتاب الطوباوية والتراث وكتاب نشأة الفكر السياسي عند العرب.ان اهتمام الباحث بالمصطلح يتجاوزه لغويا إلى بنيته ومجالات توظيفه ومجاله الفكري وانزياحاته فمصطلح الفتنة في الذهنية العربية الإسلامية ارتبط بالهرج والاختبار والابتلاء والكفر والقتل.. ومعان أخرى إحدى عشرة دلالة.

وقد تطور المصطلح من الاحتجاج سياسيا في الدورة السياسية الأولى إلى ارتباطه بالخلافة والفرقة الناجية، فالمعارضة استعملته لتبرير خروجها بحثا عن النبوة والأصل المفقود والسلطة استعملته لتبرير قمع المعارضين. أي انه تحول مصطلحا ايديولوجيا يعكس ثراء المصطلح من جهة والحركة السياسية والذاكرة الجماعية من جهة أخرى.

انه البذرة التي تولد عنها كل ضروب التفكير الفقهي والأدبي والتاريخي والكلامي وفرخت أحزابا وفرقا.. ثم ارتبط بالشورى لوأد الفتنة، وبالتالي بنظرية الطاعة فإذا كانت الفتنة صورة مشوهة عن الحياة السياسية فإن مبدأ الطاعة هو الصورة الصحيحة عنها. هكذا تحول المصطلح من الوظيفة الدينية إلى الوظيفة السياسية، أي انه صار مصطلحا تبريريا لبقاء السلطة واستقرار الخلافة.

الخلافة مصطلح محوري في دراسات الكتاب، فأعظم خلاف بين الأمة كان على الخلافة.

فلغويا يعني الخلف ضد القدام ويعني الظهر والإمارة وإحلال شخص محل شخص آخر والإنابة والسلطان والقيادة والرياسة.

لكنها تختلف عن الملك والإمامة، فالإمامة تعني التقدم والخلافة تعني التخلف.. وكلاهما يعني القيادة انعكاسا لمرحلة معينة،.

فالإمام لقب لمرحلة السرية عند الشيعة أما الخليفة فهو لقب المنتصر والمتغلب وقد برز في سقيفة بني ساعدة.. الشيعة لم تفصل بين المصطلحين إلا في مرحلة متأخرة.

الإمامة سماوية بالمرتبة أما النبوة فسماوية بالطبيعة. لكن الدخول في مناقشة الوصية (وصية النبي في غدير خم أو بحادثة الإسراء والمعراج) يدخل مصطلح الخلافة في دائرة الديني والسماوي، وهذا الإدخال كان ردا على مناظرات وتأويلات السنة. يكتسب مصطلح الخلافة طابعا دراميا بإخراجه من مجال السياسة إلى الدين أو إلى الميتا سياسة، فاكتسب بالتالي دلالة الملك، ودلالة الأمر الواقع عند السنة، واكتسبت دلالة الإمامة معنى الولاية الميتافيزيقية والمقاومة والمناهضة والتقية.

لكن الولاية عند الصوفية اجتهاد مكتسب بالتعامل والسلوك والرياضة، ويقسمها الصوفيون إلى ولاية ظاهرية وأخرى باطنية يسمونها بأسماء مختلفة مثل القطبانية والغوث والسر، أي ان الولاية ليست امتداد للنبوة إلا بما هي محاكاة هكذا يضم مصطلح الخلافة دلالة الإمامة ودلالة الولاية بمختلف تعريفاتها الخوارجية والشيعية والتصوفية.

من جهة أخرى يكون مصطلح (الملأ) المكي هو نقطة صفر الخلافة، وتكون البيعة وولاية العهد والاستيلاء وأهل الحل والعقد والإكراه مصطلحات نتجت عن الخلافة وانزاحت عنها.

مصطلح الملك يتفرع إلى شبكة من الدلالات فهو يطلق على الله صفة، وعلى الملائكة على الأنبياء ثم على احتواء الشيء و الاستبداد به. و(أوسع ضروبالحكم) كما يقول ابن طباطبا وقد ولد المصطلح دلالات مدحية أحاطت الملك بهالات قدسية.. فلقب الوليد بالملك المبارك وهشام بخليفة الله .

وكان لاقتران الدلالة السياسية بالدلالة الأخلاقية القريبة من النزعة القدسية أثره على تكوين صورة ايجابية عن الملك. الفصل بين الخلافة والملك حدث في الطور الأموي ولو أنها بقيت ضبابية لدى الفقهاء والمتأدبين.

واكتسب مصطلح الملك دلالة قدحية عندها، وأصبحت الدلالة السلبية للملك الوجه الآخر للخلافة فلم يعد الملك مقدسا، إلا ان الفقهاء تخوفوا من الفتنة فأفتوا بجواز طاعة الغاشم والظالم والكافر فالمهم هو بقاء الخلافة الأمر الذي منح الملك حصانة كبيرة.

يلفت الباحث إلى ان الأدب الفارسي يساعد على فهم دلالة مصطلح الملك فالرهبة التي تميز ملوك الفرس تدلل على ان القداسة تسربت إليها من ترجمات ابن المقفع الفارسي في كتابه (الأدب الصغير والأدب الكبير) ويشير الباحث إلى ان الفكر السياسي العربي قام في بعض أطواره على نقد المؤثرات الأجنبية.

مصطلح السياسة هو المصطلح الرابع بعد الفتنة والخلافة والملك الذي يخضعه الباحث للتحليل التاريخي الفكري فمن معاني السياسة الترويض والرياسة والقيام بالأمر والخلق و السجية.. التصور العربي الإسلامي يعطي السياسة بفرعيها الشرعي والمدني معاني الإرشاد والاستعلاء يختلف عن تعريف القواميس الحديثة الذي يقصرها على إدارة المجتمعات الحديثة وفن الحكم والإدارة في المجتمع المدني.

يتتبع الباحث معنى السياسة في القرآن الكريم فيجد انه كان مجهولا في العصر الجاهلي ويدحض أطروحة المقريزي القائلة بأن السياسة مصطلح مغولي تسرب من كلمة ياسة فالكتب المترجمة قبل المقريزي تفيض بمصلحات سياسة البدن والنفس وسياسة القرى والمدن والتدبير.

يلاحظ ابن خلدون ان وظيفة السياسة كانت تثبيت السلطة أو وسيلة للوصول إليها وان مصطلح السياسة لا يدخل في دائرة النبوة.

كما يلفت إلى تمييز ابن خلدون بين الشرع والسياسة وهذا يعني ان مصطلح السياسة يستدرج دلالة الأخلاق والنصيحة لدوام السياسة الشرعية التي تقابل سياسة الهوى وغيرها من الثنائيات التي تحفل بها كتب الأدب السلطاني والعلم المدني.

بقي مصطلح السياسة محفوفا بدلالات مثل الطاعة والتقديس وتتوزع داخله الأخلاق (غذاء العامة)والحرب (غذاء السياسة) والمعرفة (غذاء العلماء) وغيرها من المفاهيم والمؤسسات المكونة للنظام السياسي.

ويستنتج الباحث ان الحضارة العربية حضارة سياسية بامتياز وليس حضارة فقه .

كما قال محمد عابد الجابري أو ن. ج. كولسون فكل ضروب الممارسات الخطابية من فقه وعلم كلام وفلسفة وأدب كانت انعكاسا للتجربة السياسية.

أحمد عمر

*الكتاب: الفكر السياسي العربي من التطور إلى المصطلح

* الناشر:دار الفكر ـ دمشق 2006

* الصفحات:334 صفحة من القطع الكبير

Email