الأحزاب السياسية في سوريا

الأحزاب السياسية في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو الأكاديمي الأردني الدكتور محمد ريان، أستاذ التاريخ بجامعة اليرموك، والذي يوضح كيف أن سوريا قد استطاعت في زمن الانتداب الفرنسي أن تشكل أحزابا سياسية عملت على تنظيم السوريين في إطار سياسي منظم، مما جعلها تلعب دوراً فاعلاً في الحركة الوطنية، في ظل رغبة شعبية مستعدة لدعم هذه الأحزاب التي تهدف لتغيير الحالة العامة في البلاد.

والتي أوجدها الانتداب. يحاول الكاتب، في ستة فصول ومقدمة وخاتمة، رسم إطار شامل لتلك الأحزاب، من خلال استعراضه لنشأتها وظروف تكوينها وتطورها ودورها في الحركة الوطنية فيما بين عامي 1920 و1939. في الفصل الأول يتناول الكاتب تلك الأحزاب ما بين 1920 و1925.

بدايةً بـ «حزب الاستقلال العربي»، الذي نشأ في دمشق بعد دخول الجيش العربي إليها بقيادة «الأمير فيصل بن الحسين» في 3 اكتوبر 1918م، فكان بذلك أول حزب عربي نشأ في سوريا بعد الحرب في 5 فبراير 1919م وكان هذا الحزب هو المظهر الرسمي والعلني الناطق باسم «جمعية العربية الفتاة».

وكان الظرف التاريخي المباشر لنشأة هذا الحزب هو القرار الذي اتخذه مؤتمر الصلح في «فرساي» بضرورة سفر لجنة استفتاء إلى سوريا للاطلاع على رأي الشعب ومطالبه حول تقرير المصير.

وقد كانت أهداف هذا الحزب هي: الوحدة العربية والاستقلال التام. وكان الاحتلال الفرنسي لسوريا بعد معركة «ميسلون» عام 1920 سبباً رئيساً في هرب معظم قادة الحزب وإصدار أحكام الإعدام بحق عدد كبير منهم.

ولكن بعودة الكثير منهم بعد إصدار العفو العام، انخرط العديد من قياداته في الأحزاب الأخرى التي تشكلت في سوريا، كما تمكن أحد أعضائه (شكري القوتلي) من أن يصبح رئيساً للجمهورية عام 1943م.

ثم يتناول الكاتب «حزب الاتحاد السوري» الذي نشأ على خلفية اتفاقية «سايكس ـ بيكو»، مما جعل السوريين في مصر يضاعفون جهودهم لإنقاذ سوريا، من دون أن يكون لهم علاقة بحكومة مكة. وكان هناك إجماع على أن الحلفاء سيتركون الحجاز للحسين بن علي، ولن يمكنوه من التدخل في غير ذلك.

وقد طرح الحزب فصل القضية السورية عن باقي القضايا العربية، بعدما تبين لهم رغبة الحلفاء في فصل سوريا والعراق عن باقي العالم العربي. وقد نشأ هذا الحزب في ديسمبر 1918م (بعد دخول الأمير فيصل دمشق واحتلال فرنسا لبنان والأقسام الداخلية واحتلال انجلترا فلسطين).

وكان من مبادئ هذا الحزب: الاستقلال التام لسوريا مع احتفاظها بوحدتها القومية، وأن تكوم حدود سوريا القومية من جبال طوروس شمالاً، نهر الخابور والفرات شرقاً، الصحراء ومداين صالح جنوباً، البحر الأحمر وخليج العقبة ورفح والبحر المتوسط غرباً.

وعن دوره في الحركة الوطنية السورية، يشير الكتاب إلى تركيز اللجنة التنفيذية للمؤتمر على العمل في أوروبا لفضح فرنسا أمام الرأي العام العالمي، وتم تكثيف العمل مع عصية الأمم في مؤتمراتها المنعقدة في جنيف (27 يوليو ـ 31 أغسطس ـ 4 سبتمبر عام 1922).

وقد كان للثورة السورية الكبرى (1925 ـ 1927) دور في تركيز نشاط المؤتمر والذي بدأت تظهر عليه علامات الصراع بين أجنحته (حزب الاستقلال ـ حزب الاتحاد) بعد توقف تلك الثورة عام 1927م مما جعل الكثير من قياداته تنسحب للانخراط في تنظيمات سياسية أخرى .

وفي الفصل الثاني يتناول الكاتب «حزب الشعب» والذي يعد أول حزب سياسيي ينشأ في ظل الانتداب الفرنسي، وذلك على خلفية تولي حكومة «هريو» اليسارية للسلطة في فرنسا والتي أحدثت بعض الانفراج السياسي في سلطة الانتداب التي أعطت الإذن في 25 يونيو بإنشاء الحزب بزعامة الدكتور «عبد الله الشهبندر» وكانت أهداف الحزب تدور حول تحقيق الاستقلال الوطني، وتدريب البلاد اجتماعياً ووطنياً وديمقراطياً ومدنياً، وحماية الصناعة الوطنية والموارد الاقتصادية للبلاد، وتوحيد النظام التعليمي، وسلوك القنوات الرسمية والقانونية لتحقيق ما سبق .

وقد كان للحزب دور كبير في الثورة الوطنية الكبرى، حيث تم التنسيق بين رجال الحزب وقادة الدروز (حمد الأطرش ـ نسيب الأطرش ـ متعب الأطرش) في الإعداد للثورة ومساندتها قبل اندلاعها في 21 يوليو 1925م .

وقد أتت ثمار هذا التحالف من خلال هزيمة حملة «ميشو» الفرنسية في أغسطس 1925م في معركة «المزرعة»، وقد امتدت الثورة من الجبل إلى دمشق وحماه والغوطة، وبناء على ذلك قامت السلطات الفرنسية بإلغاء الهيئات والجمعيات السياسية الموجودة في سوريا.

وبالتالي تم حل الحزب من الناحية الرسمية. وبعد فشل الثورة عسكرياً، غادر «الشهبندر» جبل الدروز إلى فلسطين ثم بغداد فالقاهرة التي كانت مركزاً للحركة الوطنية السورية، وبقى فيها حتى مايو 1937م عندما صدر قرار العفو عنه وعن المشاركين في الثورة السورية.

وفي الفصل الثالث يتناول الكتاب «حزب الكتلة الوطنية» والذي كانت من عوامل ظهوره على الساحة السياسية السورية: انحلال حزب الشعب، ووجود أحزاب موالية لفرنسا، وإيقاف النضال المسلح، وحتى لا يكون هناك فراغ سياسي يؤدي لإبعاد الوطنيين في سوريا عن مواجهة أساليب الانتداب.

إضافة إلى دعوة المفوض الفرنسي «هنري بونسو» لإجراء انتخابات لتشكيل مجلس تأسيسي لوضع مشروع الدستور السوري. وقد عقد الوطنيون السوريون مؤتمراً في 19أكتوبر 1927م في بيروت، انبثق منه الحزب في ربيع عام 1928م.

وقد كانت تركيبته السياسية من امتداد المناضلين في الجمعيات الوطنية المبكرة في العهد العثماني الأخير، وحقبة الاستقلال السوري، وبالتالي كانت أقرب إلى مفهوم التكتل السياسي من مفهوم الحزب المنظم أو عبارة عن تحالف شخصيات وجماعات سياسية وافقوا على طمس خلافاتهم الأيديولوجية والاتحاد في مواجهة الفرنسيين. وضمت تركيبته الاجتماعية:

الإقطاعيين الليبراليين، والبرجوازية التجارية والصناعية، وقسم من الفئة العليا الريفية، والمثقفين المنحدرين من أصول متوسطة. وكانت مبادئ الكتلة: تحرير البلاد السورية وتجميع أراضيها المجزأة في دولة ذات حكومة واحدة، وتأمين المساعي مع الأقطار العربية لتأمين الاتحاد بين هذه الأقطار، وتأمين الحرية والمساواة بين أفراد الشعب على اختلاف طوائفه.

وقد سلكت الكتلة الطرق القانونية والرسمية للحصول على الاستقلال والسلطة، ومع وضع الكتلة لنموذج الثورة السورية الكبرى (1925 ـ 1927) وفشلها العسكري في الاعتماد على الجماهير وتعبئتها ضد المحتل، نصب عينيها باستمرار . وقد مارست الكتلة العمل السياسي الشرعي في البلاد وشاركت في انتخابات 1928م وفاز لها 17عضواً في المجلس النيابي المكون من 69 عضواً، وشارك وزيران من أعضائها في الحكومة الجديدة .

وفي الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن «عصبة العمل القومي» التي خرجت إلى النور في «مؤتمر قرنايل» بلبنان في 20 أغسطس 1933م والمكون من أحزاب سياسية وتوجهات فكرية في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وجسدت العصبة طموحات جيل جديد من القوميين الشباب من مختلف أرجاء العالم العربي.

وكلمة «القومي» تدل على التوجهات العربية للعصبة، وبالتالي الابتعاد عن مصطلح «الوطني» الإقليمي. وقد تناول البيان التأسيسي للعصبة: نقاط القوة والضعف لدى العرب، والاستعمار الغربي وتأثيره في العالم العربي، وأهداف القومية العربية ووسائل تحقيقها.

وقد كان للعصبة موقف شديد الرفض من المعاهدة السورية ـ الفرنسية، وكان هذا الموقف نابعاً من استراتيجيتها العامة القائمة على أساس عدم قبول أي اتفاق لا يتضمن إقلاع الدول الغربية عن مخططاتها الإمبريالية، والوقوف سياسياً ضد أعداء الأمة العربية.

كما دعت العصبة إلى المحافظة على الروح العربية في لواء الإسكندرونة، وأصدرت عدد من الدوريات عن طريق نادي العروبة الذي تأسس في أنطاكية والسويدية والإسكندرونة لتوحيد الصفوف وبث الدعاية العربية. وقامت في فبراير 1917 بتنظيم مظاهرات تندد باتفاقية جنيف وقرار عصبة الأمم بوضع قانون لواء الإسكندرونة.وفي الفصل الخامس يناقش المؤلف «الحزب الشيوعي السوري» الذي يختلف الكثير حول تاريخ تأسيسه.

ولكن الغالب أنه قد ظهر في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات بتنسيق مع الحزب الشيوعي اللبناني والذي كان غالبية أعضائه في سوريا ولبنان وفلسطين من الأرمن واليهود. وعن دوره في الحركة الوطنية في مرحلة المعاهدة (1936 ـ 1939) يشير المؤلف إلى أن تلك المواقف قد تبلورت حول: تأييد المعاهدة وتأييد الكتلة الوطنية تأييداً تاماً ومكافحة النازية والفاشية.

وأخيراً يتعرض الكتاب إلى «الحزب القومي السوري» والذي تأسس في نوفمبر 1932 على أساس أن «سوريا للسوريين والسوريون أمة واحدة». أما مبادئ الحزب فقد كانت عبارة عن قسمين، الأول:

المبادئ الخاصة بالعقيدة القومية الاجتماعية، والثاني: المبادئ الخاصة برفع مستوى الأمة السورية. وعن موقفه من قضية لواء الإسكندرونة، يشير المؤلف إلى الموقف الحازم والمتمثل في أن اللواء جزء من الأراضي السورية التي تنتهي حدودها بانتهاء حدود هذا اللواء.

* الكتاب: الأحزاب السياسية في سوريا ودورها في الحركة الوطنية (1920 ـ 1939)

* الناشر:الكندي للنشر والتوزيع - إربد 2006

* الصفحات:352 صفحة من القطع المتوسط

محمد جمعة

Email