بالحبر والدم

بالحبر والدم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدر جبران تويني من عائلة صحافية كبيرة في لبنان. جده لأبيه والذي أخذ منه اسمه، هو مؤسس جريدة «النهار» البيروتية في العام 1933، أي قبل حصول لبنان على استقلاله، ووالده غسان تويني الذي خلف والده في رئاسة تحرير «النهار» والذي يعتبر اليوم من أهم صحافيي العالم العربي إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.

خاله مروان حمادة الصحافي اللامع والوزير الحالي في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. اما جبران تويني نفسه فواحد من كبار الصحافيين في لبنان. ولد عام 1957، وترأس تحرير مجلة «النهار العربي والدولي» التي صدرت من باريس بين عامي 1979 و1990. ثم ما لبث ان انتقل إلى صحيفة «النهار» نفسها مديراً عاماً في البداية ثم رئيساً لمجلس الإدارة خلفاً لوالده الذي استمر يكتب افتتاحيات الصحيفة في ظل رئاسة ابنه. فضلاً عن تمرس جبران تويني في المهنة الصحافية، إلى حد يمكن اعتباره من أصولها، فقد كان رجل سياسة معروفاً حاذق الرأي.

وامتاز طوال فترة المزاوجة بين عمله في الصحافة والسياسة بالجرأة التي بلغت حد التهور في أحيان كثيرة، وبالصراحة المطلقة في التعبير عن أفكاره وآرائه، إلى حد انه لم يكن يقيم اعتباراً لأنواع المجاملات السياسية والصحافية التي تسود في بلد متعدد الثقافات والمذاهب.

شارك جبران تويني في جبهات سياسية عدة كان آخرها عضويته في لقاء قرنة شهوان الذي كان اللقاء الأبرز والأجرأ في الاعتراض على الهيمنة السورية على لبنان في سنوات التسعينات وأولى سنوات القرن الحالي.

انتخب جبران تويني نائباً عن بيروت في برلمان 2005 على لائحة سعد الدين الحريري، واغتيل بانفجار سيارة مفخخة في أواخر أيام العام 2005، ليعود والده غسان تويني ويرث مقعده النيابي ورئاسة مجلس إدارة الصحيفة التي كان جبران تويني يترأسها قبل اغتياله.

«بالحبر والدم» هو الكتاب الذي صدر بعد اغتياله، وجمعت فيه بعض المقالات التي كان الراحل قد كتبها بين الأعوام 2000 و2005. وفي مستهل الكتاب نقراً رسالته الشهيرة إلى الدكتور بشار الأسد، الذي لم يكن قد أصبح رئيساً للجمهورية العربية السورية بعد. وكان يعد لخلافة والده المريض، الرئيس الراحل حافظ الأسد.

في هذه الرسالة يشير جبران تويني إلى واقعة ان بشار الأسد مرشح لخلافة والده، مثلما خلف جبران تويني والده في الصحافة، وان المنطقة العربية عموماً مقبلة على مثل هذا التغيير، من الملك عبدالله في الأردن إلى الملك محمد الخامس في المغرب.

وكان جبران تويني يرى ان هذا الانتقال الحتمي للسلطة إلى يد الشباب في الوطن العربي دافعاً للتغيير نحو الأفضل ونحو حلحلة المسائل العالقة بين لبنان وسورية في المقام الأول وبين البلدان العربية عموماً في المقام الثاني.

لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، فسرعان ما بدت السياسة السورية في ما يخص العلاقة بلبنان، تستند إلى أرشيف السياسة السورية الموروث من عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

مع توتر العلاقات ووصولها إلى طرق مسدودة، توترت المقالات والمواقف التي كان تويني يطلقها في افتتاحياته على صدر الصفحات الأولى من صحيفة «النهار»، مما جعله هدفاً للانتقاد الشديد من حلفاء سورية في لبنان ومن النظام السوري نفسه.

قارئ جبران تويني يكتشف ان الراحل كان على قدر كبير من الدقة في ما ذهب إليه، فهو واحد من الذين طالبوا في مطلع يونيو 2000 وبعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، بترسيم الحدود مع سورية واستصدار وثيقة سورية تعترف بلبنانية مزارع شبعا ليصار إلى رفعها للأمين العام للأمم المتحدة حتى يمكن للبنانيين المطالبة بها.

وهو أيضاً من دعا في مارس من العام 2000، إلى فصل موضوع مزارع شبعا عن القرار 425، بعدما طبع التردد السلوك الرسمي السوري حيال هذا الموضوع مما أثر على الساسة اللبنانيين الموالين لسورية وجعلهم يقبعون في الصمت انتظاراً للموقف السوري في هذا الأمر البالغ الأهمية والمصيري بالنسبة للبنان.

تتسم مقالات الراحل جبران تويني بصراحة مقلقة أحياناً، فهو لم يتورع عن تسمية الأشياء بأسمائها، وعن الاعتراض الصريح وأحياناً العنيف على خصومه في السياسة والرأي.

فبعدما كان الراحل يعقد آمالاً كبيرة على التغيير الممكن في سورية وفي لبنان إثر تعيين الرئيس إميل لحود رئيساً للجمهورية، بدأت آماله تخيب تباعاً وأخذت اعتراضاته على مر الأسابيع تصبح أكثر عنفاً وأكثر صراحة، وأجرأ تجاوزاً للمحرمات السياسية في لبنان، إلى حد استغراب المراقبين في لبنان هذه الجرأة البالغة، في بلد تحكمه المخابرات السورية بيد ثقيلة.

كتب جبران تويني مدافعاً عن الطلاب الذين تم اعتقالهم والاعتداء عليهم بسبب توزيع منشورات وبيانات معترضة على السياسة القائمة، وكتب معترضاً ومندداً بالتدخل السوري في كل شؤون لبنان وشجونه.

وكتب ناقداً السياسة الموالية والتابعة للإدارة السورية التي كان الرئيس اميل لحود وطاقمه يعتمدونها في إدارة الشأن العام اللبناني. ويوم خرج الجيش السوري من لبنان، برز تويني قائداً من قادة حركة 14 مارس، وكاتباً من كتابها الأساسيين.

كتابه يؤرخ لفترة من تاريخ لبنان، منذ بداية الألفية الثانية وحتى تاريخ اغتياله. وفي هذه الفترة المقلقة من تاريخ لبنان، تنقل اللبنانيون بين الأمل والقنوط تباعاً وبين الخوف والاطمئنان، وهذا كله يمكن ملاحظته في كتابه كما لو انه مرآة لمجريات الأمور في لبنان واحوال البلد الصغير في مهب العواصف.

بلال خبيز

* الكتاب: بالحبر والدم ـ استقلاليات

* الناشر:دار النهار للنشر بيروت 2006

* الصفحات:190 صفحة من القطع المتوسط

Email