منذ منتصف السبعينات دأبت بعض وزارات التربية العربية على إدخال قصائد وأناشيد للصغار إلى مناهجها التعليمية للمراحل الابتدائية، وكان أبرز كتاب تلك القصائد والأناشيد الشاعر السوري سليمان العيسى، الذي غذى مخيلة الأطفال بعشرات النصوص والتي حفظها الأطفال بسهولة نظراً لبساطة لغتها وجمال فكرتها وعذوبة بنائها الموسيقي.
وكان مفخرة للأهل عندما ينشد صغيرهم قصيدة غيباً من كتابه المدرسي على مسمع من ضيوفهم، لأن ابنهم وجد في أنشودة المدرسة توافقاً مع الحياة.
وكثيراً ما ربط الصغار أنشودتهم بواقعهم اليومي، فقد كتب سليمان العيسى للمطر والشجر ولحب الأمهات والآباء والألعاب وتناول بعض مهن يحبها الصغار كما في أنشودته «عمي منصور النجار.. يضحك في يده المنشار». وقد ترافقت تلك الأناشيد برسومات مناسبة توحي للمخيلة بما يغذيها من الحلم العذب البريء.
منذ أسابيع قليلة مضت التقيت سليمان العيسى في الكويت خلال افتتاح مكتبة البابطين للشعر، كانت ترافقه زوجته الدكتورة ملكة أبيض، وكان يسير متوكئاً على عكازه وقد تقدم به العمر، ونالت منه السنوات، وبين حين وآخر كانت ملكة أبيض تقدم له الدواء كفواصل بين رشفة شاي ولقمة طعام.
قلت للشاعر الكبير لقد أعطيت الأطفال العرب أجمل الأناشيد التي وقرت في نفوسهم عندما كبروا لما فيها من قيم أخلاقية نبيلة. ضحك الشاعر الذي اعتاد هذه النوعية من الإشادة، لكنها ضحكة حزينة أردفها أن وزارة التربية السورية قد استبدلت أناشيده بأخرى، ولم تعد هناك قصيدة في كتاب مدرسي من التي تربت عليها أجيال وأجيال.
كان تصريح سليمان العيسى صاعقاً وكان شعوري مزيجاً من الصدمة وخيبة الأمل، فأنا لا أعرف من يكتب أناشيد أطفالنا اليوم، ومن هو الذي حل مكان سليمان العيسى في كتب المدرسة، ولكني أعرف أنشودة سليمان العيسى التي عاشت طويلاً في وجدان الأجيال الجديدة، ولطالما تساءلت عن تلك اللجان التي تختار نصوص الأدب لتدخل المناهج التعليمية، وما هي المعايير التي تتبعها لاختيار قصيدة أو لإقرار نص في كتاب مدرسي؟.
لأن جودة الخيار تعني جودة الذائقة التي ستنعكس إيجاباً على الأبناء فينشأون أصدقاء للجمال وأنصاراً للشعر. في أجيالنا اليوم ملايين الشباب الذين لا يحفظون بيتاً صحيحاً من الشعر، وتقابلهم ملايين تحفظ أغنية «أطب طب.. أدلع» وتقابلهم ملايين أخرى تكره الشعر وتشجع الشيشة التي أصبحت شعاراً عربياً يضاهي «مكر مفر».
أطال الله في عمر سليمان العيسى، لقد يئس من الكبار فاتجه للصغار لكن الكبار حاربوه، حتى في أنشودة مدرسية.