ودرو ويلسون

ودرو ويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب هي الصحافية والكاتبة الأميركية باربرا سيبليرديك فينبيرغ، وهي هنا تقدم لمحة تاريخية عامة عن أحد كبار الرؤساء الأميركيين: ودرو ويلسون. ومنذ البداية تقول ما يلي: ولد توماس ودرو ويلسون في 28 ديسمبر من عام 1856 في مدينة صغيرة بولاية فيرجينيا. وكان والده قسا بروتستانتيا يعظ في إحدى الكنائس.

ولذلك فإن الصبي ودرو ويلسون تلقى تربية دينية قوية ذات أخلاقية صارمة. كما أن طفولته تأثرت بالحرب الأهلية الأميركية والكوارث البشرية والمادية التي نتجت عنها. وعندما أصبح عمره تسعة عشر عاما دخل إلى جامعة برنستون وابتدأ بدراسة الحقوق أو القانون. وبعد أن تخرج فتح مكتب محاماة. ولكنه لم يشتغل فيه طويلا. فبعد سنة واحدة فقط عاد إلى الدراسة من جديد بعد أن تغيرت اهتماماته. فقد اختار هذه المرة دراسة التاريخ والعلوم السياسية، وهي الأقرب إلى قلبه.

واستطاع أن يناقش أطروحة الدكتوراه وعمره ثلاثون عاما فقط. وكانت تطالب بزيادة صلاحيات السلطة التشريعية في الولايات المتحدة. وقد أصبحت كلاسيكية في مجال العلوم السياسية لاحقا.ثم دخل سلك التعليم لكي يدرس مادة التاريخ، ولكنه كان يحلم بشيء آخر في الواقع.

كان يحلم بالانخراط في العمل السياسي من أجل تغيير الأوضاع في أميركا.وفي عام 1902 أصبح رئيسا لجامعة برنستون وراح ينخرط في مشروع كبير لإصلاح النظام التعليمي في الولايات المتحدة.ثم تردف المؤلفة قائلة:وفي عام 1910 ابتسم له الحظ عندما اتصل به الحزب الديمقراطي وطلب منه أن يكون مرشحه كحاكم لولاية نيو جيرسي.

وقد نجح في الانتخابات. وبعد نجاحه انخرط مباشرة في مشروع لإصلاح القوانين الانتخابية واللعبة الديمقراطية في البلاد. وكان الهدف من ذلك التوصل إلى انتخابات نظيفة ومنع حصول تلاعبات بأصوات الناخبين أو بعقولهم من قبل الاحتكارات المالية والمصرفية.

وبعد أن حقق عدة نجاحات استطاع أن يلفت إليه انتباه زعماء الحزب الديمقراطي، ففكروا جديا في ترشيحه للانتخابات الرئاسية عن حزبهم نظرا لقوة شخصيته والميزات الكبيرة التي يتمتع بها. وبالفعل فقد رشحوه في انتخابات عام 1912 ونجح فيها بسبب الانقسامات الحاصلة داخل الحزب الجمهوري. وهكذا أصبح رئيسا للولايات المتحدة وعمره ستة وخمسون عاما. وكان من أهم إنجازاته عام 1918، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة إعلانه للمبادئ الأربعة عشرة التي ينبغي أن تتحكم بالسياسة الدولية، نذكر من بينها ضرورة وضع حد للدبلوماسية السرية بين الدول.

ضمان حرية الملاحة والتجارة في العالم. تخفيض كميات الأسلحة في العالم. إعادة إقليم الألزاس واللورين إلى فرنسا. استقلال الشعوب غير التركية وتحررها من التبعية للإمبراطورية العثمانية. تأسيس عصبة الأمم من أجل حل الصراعات الدولية بطرق سلمية وليس عن طريق الحرب.

باختصار فإن مبادئ ويلسون يمكن تلخيصها بالعبارة التالية: حق الشعوب في تقرير مصيرها وضرورة استتباب الحرية والسلام في العالم. وقد فرحت الشعوب العربية بهذا الإعلان لأنها كانت تحت وصاية الاستعمار الغربي. ولذلك استخدمها القادة الوطنيون من أجل المطالبة بالاستقلال عن فرنسا أو انجلترا. نعم لقد أثارت مبادئ ويلسون فرحة عارمة في أوساط الشعوب العربية.

وأصبحت سمعة الرئيس ويلسون كبيرة في العالم العربي وفي جميع البلدان التي تناضل من أجل حقها في تقرير مصيرها.

ثم تردف المؤلفة قائلة: في الواقع أنه كانت للرئيس ويلسون نظرة مثالية عن العلاقات الدولية. والدليل على ذلك أنه كان يعتقد بإمكانية تصدير النموذج الأميركي إلى الخارج لأن الشعوب عطشى للحرية والديمقراطية. ولم يكن يتردد أحيانا في التدخل العسكري المباشر في المكسيك، وهاييتي، وجمهورية الدومنيكان من أجل تسهيل العملية: أي عملية نقل الديمقراطية والحرية إلى البلدان المجاورة. نقول ذلك على الرغم من أنه كان يعتقد بأن انتقال النموذج الأميركي إلى بقية أنحاء العالم سوف يتم بطريقة سلمية.

وأول موقف اضطر لاتخاذه في مجال السياسة الخارجية كان يخص الحرب العالمية الأولى. فقد اندلعت بعد سنتين فقط من استلامه لمنصبه الرئاسي. وقد اتخذ موقف الحياد وحافظ عليه بصعوبة طيلة السنوات الثلاث الأولى. والسبب هو أن 15 بالمئة من سكان أميركا كانوا آنذاك قد ولدوا في أحد البلدان الأوروبية المنخرطة في الحرب.

وبالتالي فكان يصعب عليه أن يتخذ موقفا لصالح هذا الطرف الأوروبي أو ذاك، وذلك لكيلا يثير غضب بعض مواطنيه. ولكن ويلسون حرص في ذات الوقت على تقوية الصناعة الحربية الأميركية استعدادا للتدخل في اللحظة المناسبة إذا ما أجبرته الظروف على ذلك إجبارا. وهذا ما حصل في السنة الرابعة والأخيرة من الحرب. ففي عام 1917 تدخلت الولايات المتحدة بكثافة على المسرح الأوروبي ووضعت كل قوتها في الميزان لحسم المعركة ضد الألمان. وقد وظفت كل إمكانياتها الاقتصادية والصناعية في هذه المعركة إلى جانب العسكرية.

ثم تردف المؤلفة قائلة:

وقد وصل عدد القوات الأميركية المنخرطة في المعارك على الأرض الأوروبية أكثر من مليوني عسكري في شهر يونيو من عام 1918. وبالتالي فإن النصر أصبح مضمونا لصالح الحلفاء، أي الانجليز الفرنسيين، وكان الرئيس ويلسون يريد بذلك أن يغير جذريا النظام العالمي وأن ينشر قيم الديمقراطية والسلام فيه.

ومعلوم أنه كان من أتباع الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط. وكان هذا الفيلسوف يعتقد أن الدول الاستبدادية هي وحدها الميالة إلى الحروب وسفك الدماء. وبالتالي فينبغي أن ننشر ثقافة الديمقراطية في كل أنحاء العالم لكي تنتهي الحروب والعقلية الهمجية من العالم. وهذه هي الفلسفة التي كان يؤمن بها رئيس الولايات المتحدة آنذاك ويريد تطبيقها في كل مكان. من هنا مثاليته أيضا لأن كانط هو زعيم الفلسفة المثالية الألمانية.

ولذلك انخرط في الحرب لصالح القوى الأوروبية الثلاثة: انجلترا، فرنسا، إيطاليا، وأدى انخراطه إلى انتصارها، ثم توج كل ذلك بمعاهدة فرساي الشهيرة التي أذلت ألمانيا وظلمتها.

ولكنه بعد أن عاد من مؤتمر السلام في باريس إلى بلاده فوجئ برفض الكونغرس، أي مجلس الشيوخ، للتصديق على المعاهدة. وعندئذ اضطر للانخراط في حملة دعائية ضخمة في كبريات المدن الأميركية دفاعا عنها وعن عصبة الأمم التي دعا إلى تأسيسها. وهي التي أعطت لاحقا منظمة الأمم المتحدة كما هو معلوم. ولكن هذه الحملة الدعائية الضخمة كلفته صحته، فسقط صريع المرض بل وأصبح مشلولا إلى النصف. وعندئذ انغلق على نفسه في البيت الأبيض ولم يعد يبارحه.

وكان يصدر أوامره إلى الدولة وكبار الموظفين عن طريق زوجته وأقرب مقربيه. وهكذا كلفته السياسة صحته. ومعلوم أن الانخراط السياسي مجهد وقد يقتل صاحبه إذا ما زاد عن حده. ولكن هنا تكمن عظمته وشرفه أيضا. فخدمة المصلحة العامة تتطلب التضحيات الكبرى. ثم تردف المؤلفة قائلة: في أثناء الانخراط الأميركي لصالح الحلفاء أصبح المواطنون الأميركيون من أصل ألماني عرضة للمراقبة من قبل أجهزة الأمن بل وحتى للاعتداء من قبل المواطنين الآخرين وأغلبيتهم من أصل انجلوساكسوني أي انجليزي.

يضاف إلى ذلك أن الأميركيين من أصل إيرلندي كانوا أيضا ضد انخراط بلادهم لصالح انجلترا وفرنسا ضد ألمانيا. لماذا؟ لأن الإيرلنديين يكرهون الانجليز كرها شديدا ويعتبرونهم أعداءهم التاريخيين بل ومضطهديهم وقامعيهم في عقر دارهم. ولهذا السبب فإن جوزيف كندي والد الرئيس الراحل جون كندي كان من أكبر المدافعين عن هتلر والمعجبين به حتى دخول أميركا الحرب ضده.

بعدئذ اضطر إلى إخفاء عواطفه الشخصية وإعلان تأييده لبلاده الجديدة: أميركا. نقول ذلك باعتبار أن بلاده القديمة هي ايرلندا لأنه مهاجر إيرلندي. وأخيرا يمكن القول بأن عهد ويلسون شهد تقدما على صعيد حقوق المرأة عندما منحها حق الانتخاب لأول مرة. وكان هذا الحق قبل ذلك مقصورا على الرجال. يضاف إلى ذلك أن ويلسون غير موازين القوى بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لصالح هذه الأخيرة. وهكذا أصبح رئيس الولايات المتحدة الشخصية الأعظم والأقوى في النظام السياسي الأميركي.

*الكتاب: ودرو ويلسون الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة

* الناشر:تشيلدرين بريس نيويورك 2006

* الصفحات : 110 صفحات من القطع الكبير

Woodrow Wilson

Americas's 28th president

Barbara Silberdick Feinberg

Children Press -New york 2006

p.110

Email