من المكتبة العربية

التفكير الحضاري في البحرين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

د. علوي الهاشمي شاعر، وناقد من البحرين أصدر حتى الآن أكثر من عشرة كتب بين مجموعات شعرية نقدية لعل أشهرها وأهمها «السكوت المتحرك» في ثلاثة أجزاء عن بنية الإيقاع، وبنية اللغة، وبنية المضمون، وهي دراسة في البنية والأسلوب. وهو عضو مؤسس لأسرة أدباء البحرين، ونائب رئيس جامعة البحرين.

آخر إصداراته التفكير الحضاري في اليمن، في ضوء إشكالية العلاقة بين الواقع والمثال، والكتاب يأخذ أهميته في محاولة الدكتور علوي لإعادة كتابة التاريخ وتحديداً دلمون ـ البحرين، وهو كما يبدو من استعراضنا لمتن الكتاب انه يحاول الابتعاد عن السياسي ويقدم البديل كما يجده الدكتور إبراهيم السعيد في مقدمته للكتاب «تفسيراً شاملاً بنيوياً يتضمن مدارس متعددة» المقدمة التي كتبها الدكتور علوي لا تنفصل عن البحث، وهي البحث بين الثنائية والإشكالية، ويستعرض خلالها أهمية البحرين في موقعها وتاريخها المعاصر والقديم، وتمايزها عن دول المنطقة، رغم صغر مساحتها، إلا ان الواقع يشي عكس ذلك منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن، مما يكسب البحرين تمايزاً في تاريخها وحاضرها، في نسيجها البشري، وفي عطائها عبر عصور التاريخ المختلفة.

تتسم جزر البحرين «تمييزاً لها عن بلاد البحرين بالمفهوم القديم، وكانت هذه الجزر تسمى أوال منذ فجر تاريخها وربما قبل ذلك أيضاً، بواقع إشكالي من طراز فريد على مستوى منطقة الخليج العربي الذي تقع في عرض مياهه.

فلما اتسمت بمثله جزر صغيرة متناثرة ثانية تؤلف دولة متناهية في الصغر والضآلة الى الحد الذي يتجاهل مصممو الخرائط الجغرافية وضعها على أية خارطة كبيرة يرسمونها للعالم، غير ان الدور الذي تؤديه هذه الجزر خاصة في منطقة الخليج هو عكس حجمها تماماً.

إذن هذه اشكالية سيتخذ منها الكاتب مفتاحاً إلى السفر في بحثه ليؤكد هذه الأهمية التي استقطبت منذ فجر التاريخ عناصر الحضارة وسفن التجار والفاتحين معاً. والباحث في مقدمته هذه يحاول ان يلقي الضوء على منهج البحث والإشكاليات التي ستطرح في متن الكتاب.

يقول المؤلف عن تكوين الفرد في تلك المنطقة نحن لا نفهم هذه القيم والخصائص فهماً أفلاطونياً أو مثالياً، ولا حتى فهماً فرويدياً، وان كنا لا نستبعد عن فهمنا لها منجزات علم النفس الحديث خاصة عند يونج وأدلر، بل نفهم المثال فهماً مادياً تاريخياً منتزعاً من طبيعة حركة المجتمع الإنساني، ونضال الإنسان اليومي منذ فجر تاريخه وسعيه الدؤوب لخلق مجتمع فاضل.

ثم ينتقل الى ذكر دلمون في ملحمة جلجامش كأول نص أدبي ملحمي في التاريخ، وفي هذه الملحمة ذكر واضح لدلمون بالبحرين، مثلما نجد في ذكر البحرين في أساطير سومرية أخرى مما يؤكد العلاقة التاريخية الحضارية للبحرين القديمة مع حضارات وادي الرافدين، تقول الأسطورة السومرية عن أرض دلمون.

مكان طاهر، أرض دلمون مكان نظيف، أرض دلمون مكان مضيء، في أرض دلمون لا تنعق الغربان، ولا تصرخ الشوحة صراخها المعهود، حيث الأسد لا يفترس أحداً، ولا الذئب ينقض على حمل، ولا الكلب المتوحش على الجدي، ولا الخنزير البري يلتهم الزرع، حيث لا يعرف أحد رمد العين، ولا يعرف أحد آلام الرأس، حيث لا يشتكي الرجل من الشيخوخة، ولا الرجل من العجز.

ويواصل الدكتور علوي الهاشمي قراءة دقيقة لملحمة جلجامش لما لها من صلة شديدة بدلمون، وبحث جلجامش عن الخلود، ولعله وجدها في دلمون لتنتصر الحياة.

ثم ينتقل الهاشمي للحديث عن الإشكالات المختلفة التي يعاني منها البحرين قديما وحديثا من هذه الإشكالات، إشكاليات الواقع، وتركيبته، والتركيبة الجغرافية وثنائية الحياة البحرية والصحراوية التي هي سمة الخليج عموماً وليس البحرين فقط، والواقع ان إشكالية هذه الثنائية تعكس نوعاً من الحياة تفرضها البيئة.

في هذا الإطار الإشكالي لثنائية الحياة يمثل المظهر الصحراوي والمظهر البحري في بيئة الخليج الطبيعية طرفي ثنائية تلك البيئة الإشكالية الأساسية اللذين يبحثان.

من وراء صراعهما المتفاعل، عن تاريخ ثالث يعطي لذلك الصراع شكله الناجز وصورته الثابتة، ولو مؤقتاً أو نسبياً. ومن هنا يظل ضلعا المثلث الأساسيان «الصحراء والبحر» يبحثان في حركة لا تستقر عن ضلعهما الثالث الناتج عن تلك الحركة والبحث «الزراعة» لتتم لهما لحظة سلام وسكوت نسبية يجد المثلث فيها شكله المستقر الثابت الى حين.

ولكن المثلث الحضاري الذي يستند البحث عليه لا يجعل من الصحراء إلا ساقاً واحدة، بينما تظهر الساق الأخرى البحر ليشكل الساقان منطلقاً إلى الساق الثالثة هي الزراعة، التي تعتمد عليها الحضارة البشرية، إلا ان البحر هو الآخر يشكل حرية المنطقة ومفتاح علاقتها بالعالم.

للبحر وحده، قبل أي شيء آخر، تدين جزر البحرين بوجودها ونشأتها وغناها وصيتها، حتى غدا البحر اسماً لها، مضاعفاً يشير إليها دون غيرها من بلاد العالم البحرية، وكأنما كان البحر قدره، وهو كذلك حقاً، لفظاً ومعنى، فالنصوص الأشورية القديمة تشير الى «انها كانت جزيرة تحيط بها المياه، وان ملكها كان يعيش كالسمكة وسط البحر.

عبدالإله عبدالقادر

*الكتاب: التفكيرالحضاري في البحرين

الناشر:تقى الثقافي الأهلي البحرين 2006

* الصفحات: 136 صفحة من القطع الكبير

Email