الحرب الأهلية الإسبانية

الحرب الأهلية الإسبانية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة هيلين غراهام المختصة بالتاريخ الإسباني عموماً والحرب الأهلية خصوصاً. وهي تقدم هنا مدخلاً ممتازاً لمعرفة أسباب هذه الحرب التي مزقت إسبانيا على مدار سنوات طويلة وكلفتها ثمنا غاليا في الأرزاق والأرواح.

والواقع أن هذه الحرب الضارية اندلعت بين المعسكر الجمهورية اليساري والمعسكر القومي اليميني وانتهت بفوز هذا الأخير في ظل قيادة فرانكو. ومعلوم أنه حكم إسبانيا بعدئذ بيد من حديد طيلة أربعين سنة تقريبا. ثم تردف المؤلفة قائلة: ففي البداية كان المعسكر الجمهوري يجسد الحكومة الشرعية للجمهورية الإسبانية. وكان مدعوما من قبل تيارات تقدمية عديدة معادية لفرانكو كالفوضويين والشيوعيين والديمقراطيين والاشتراكيين. وأما المعسكر القومي اليميني فكان ممثلا بالمتمردين الفاشيين أو ذوي النزعات الفاشية. وقد دامت الحرب من عام 1936 وحتى عام 1939 وانتهت بهزيمة المعسكر الجمهوري وترسيخ ديكتاتورية فرانكو.

وفي أثناء هذه الحرب الأصلية الضارية انقسمت أوروبا إلى قسمين: قسم يؤيد فرانكو، وقسم يؤيد الجمهوريين التقدميين. فالمعسكر النازي والفاشي الذي يمثله هتلر وموسوليني كان إلى جانب فرانكو بطبيعة الحال.وأما الاتحاد السوفييتي في ظل ستالين فكان يدعم الجمهوريين ويبيعهم السلاح؟

أما فرنسا وانجلترا فلم تنخرطا في الصراع مباشرة ولكنهما تركتا الكتائب الدولية والفيالق الأممية اليسارية تدعم معسكر الجمهوريين.

ولكن كيف اندلعت الحرب؟ عن هذا السؤال تجيب المؤلفة قائلة: لقد أدت انتخابات فبراير عام 1936 إلى انتصار الجبهة الشعبية اليسارية على الجبهة القومية اليمينية. وخشي اليمين الإسباني عندئذ من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع ثورة اشتراكية في البلاد وعلى غرار ما حصل في الاتحاد السوفييتي مثلا.

وأما اليسار الإسباني فقد خاف من أن يقوم اليمين بانقلاب على الحكم وينشيء نظاما فاشيا على غرار ما هو حاصل في ألمانيا وإيطاليا منذ بضع سنوات.

في الواقع إن الجناح الرجعي في اليمين الإسباني كان يضم الكاثوليكيين المتزمتين والقوميين البورجوازيين الأغنياء الذين يكرهون الأفكار الاشتراكية ويخشون ثورة الشعب الجائع.

وما كانوا يثقون بالانتخابات النيابية ولا بمقدرة البرلمان على حماية البلاد وحفظ النظام. ففي رأيهم أن الحكم العسكري الفاشي القوي هو وحده القادر على تخويف الطبقات الشعبية الجائعة التي لا تحلم إلا بالثورة من أجل النهب والسلب والانتقام من الأغنياء.

ثم تردف المؤلفة قائلة: لم تعد الدولة قادرة على تأمين الأمان للمواطنين بعد أن فلتت الأمور من أيديها. وفي 14 يوليو من عام 1936 حصلت عملية اغتيال لأحد قادة اليمين الملكي المحافظ جوزيه كالفو سوتيلو.

وهنا ينبغي أن نقول كلمة عن دور الجيش في هذه الحرب الأهلية الجارية بين شطري إسبانيا: الشطر اليميني والشطر اليساري، أو الشطر الملكي الكاثوليكي والشطر الجمهورية العلماني.

في الواقع أن الجيش الإسباني كان يعتبر نفسه مؤسسة على حدة: أي مؤسسة تقف فوق كل المؤسسات الإسبانية ما عدا النظام الملكي. وكان الجميع يعتقدون أن النظام الجمهوري ليس صالحا لإسبانيا وأن إطاحته بالنظام الملكي غير شرعية. وعندما نقول الجميع فإننا نقصد المعسكر القومي اليميني وكبار قادة الجيش بالطبع.

وكان اليمين الفاشي يعتقد أن الجيش ضروري للقيام بأي انقلاب ناجح على الجمهورية الوليدة. والواقع أنه بعد انتصار الجبهة الشعبية في الانتخابات راح قادة الفرق العسكرية يفكرون بتنظيم مؤامرة انقلاب.

وكان في طليعتهم عدة جنرالات من بينهم فرانكو. وعندما شعرت الحكومة بأنهم يتآمرون عليها راحت تبعد كبار قادة الجيش عن المراكز الحساسة وعن مدريد بالذات.

وهكذا أرسلت مثلا فرانكو إلى جزر الكناري. ولكن ذلك لم يمنع هؤلاء القادة العسكريين من الالتقاء ببعضهم البعض والتخطيط سرا لقلب نظام الحكم. وهكذا قاموا بانقلاب عسكري فاشل في 17 و18 يوليو من عام 1936.

وقد ابتدأ الانقلاب في المغرب حيث كان فرانكو يقود جيش الاحتلال هناك. وهجم فرانكو بجيشه من هناك على جنوب إسبانيا واستطاع احتلال عدة أقاليم ومدن. ولكن بقية أنحاء البلاد ظلت مخلصة للنظام الجمهوري.

وقد حاول رئيس الجمهورية أن يقيم مصالحة وطنية بين الطرفين. وشكل حكومة تضم أعضاء من الجمهوريين والملكيين.

ولكنه فشل في إقناع الأغلبية بمشروعه. وبدا واضحا أن كلا الطرفين يرغب في الصدام وسفك الدماء. وأصبحت الحرب الأهلية عندئذ على الأبواب. أصبح الاحتكام إلى السلاح أمرا لا مندوحة عنه.

ثم تردف المؤلفة قائلة: وهكذا، وفي نهاية شهر يوليو من عام 1936، زحف فرانكو بقواته من المغرب واجتاز مضيق جبل طارق متجها نحو إسبانيا. وكانت قواته الأكثر عدة وعددا وتدريبا. وكان يقف على رأس أكثر من ستين ألف ضابط وجندي.

وعندما وصل إلى ضواحي العاصمة مدريد فضل أن ينعطف بجيوشه باتجاه الجنوب لإنقاذ القوات الملكية المحاصرة في طليطلة. وبعدئذ عاد إلى مدريد لفتحها. وقد استطاع تحقيق ذلك في الأول من أبريل عام 1939. وعندئذ أصبحت الحرب في حكم المنتهية.

وفي أثناء هذه الحرب الوحشية الضارية ارتكب كلا الطرفين أعمالا وحشية رهيبة في حق بعضهما البعض أو في حق السكان المدنيين التابعين لهذه الجهة أو تلك.

ويبدو أن الرهبان والراهبات كانوا في طليعة الضحايا. وطبقا لما ورد في كتاب تارئخ الاضطهاد الديني في إسبانيا بين عامي 1936-1939 فإنه تم قتل ثلاثة عشر مطرانا كبيرا، وأربعة آلاف ومئة وأربع وثمانين كاهنا، وألفين وثلاثمئة وخمسة وستين راهبا، ومئتين وثلاثة وثمانين راهبة.

وأما فيما يخص العدد الإجمالي للقتلى من كل الطرفين فقد وصل إلى المليون نسمة. وهو عدد كبير بالنسبة لبلد ما كان عدد سكانه آنذاك يتجاوز الستة وعشرين مليون نسمة. أما الآن فيبلغ عدد سكان إسبانيا الأربعين مليون نسمة.

وبحسب الإحصائيات المعتمدة فإن عدد الضحايا يتوزعون على النحو التالي: من مئة ألف إلى مئتين وخمسة وثمانين ألف جندي وضابط سقطوا في ساح الوغى والمعارك الأهلية بين الأشقاء.

من عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألفا من المدنيين قتلوا تحت القصف الجوي. ومعلوم أن الطيران الألماني المساند لفرانكو دمر مدينة غرنيكا عن بكرة أبيها. وهذا ما ألهم بيكاسو لوحته الخالدة التي تحمل نفس الاسم. ومعلوم أن بيكاسو كان شيوعيا ويؤيد معسكر الجمهوريين.

من أربعين ألفاً إلى مئتي ألف عملية تصفية حصلت في المناطق التي يسيطر عليها اليمين القومي المتطرف.

من عشرين ألفاً إلى ثمانين ألف عملية تصفية حصلت في جهة اليسار والجمهوريين. يضاف إلى كل هذه القائمة من الضحايا كل عمليات التصفية التي قام بها فرانكو في صفوف أعدائه بعد انتصاره عليهم عام 1939. ومعلوم أنه ظل يطاردهم حتى عام 1943، وقد قتل منهم ما لا يقل عن مئتي ألف شخص!

* الكتاب:الحرب الأهلية الإسبانية

مقدمة قصيرة جدا

* الناشر: مطبوعات جامعة أوكسفورد2005

* الصفحات: 144 صفحة من القطع الكبير

The spanish civil war

a very short introduction

Helen Graham

Oxford University Press 2005

Oxf

Email